تعد دار الشؤون الثقافية العامة الدارالحكومية الوحيدة المعنية بطبع نتاجات الادباء العراقيين، وتملك تاريخا مجيدا في الثقافة العراقية. هذه الدار تعاني اليوم من سكرات الموت، وربما ستختفي من الوجود، حين تستثمر من قبل احد التجار، لأن ديونها وصلت الى مستوى مخيف.
استلم السيد نوفل ابو رغيف دار الشؤون الثقافية بداية العام 2008 وكانت مطابع الدار تعمل بنشاط كما تملك الخزينة اكثر من 70 مليار دينار كفائض، مع امتلاكها حقوق طبع كتب وزارة التربية، وغيرها من الوزارات ما الذي حصل الآن؟
مطابع الدار احترقت بتماس كهربائي، وكلنا يعرف من هو تماس ابن كهربائي. مما سهل للفاسدين في الدار ان يعقدوا اتفاقيات مع مطابع اهلية، تستقطع عمولة (حصص) للكبار. عمولة تدفع لقاء طبع كل عنوان. ولان ابو رغيف احدث ثورة في طبع الكتب (كما يقول) وعمل سلاسل متنوعة، كواجهة لتحقيق الحلم الثقافي، فان هذه الزيادة بالمطبوعات تعني زيادة في المال المسرب من خلف الطاولة. سلاسل كثيرة جعلت من رجل يسكن قضاء العزيزية ان يشتري بيتا في منطقة الكرادة بسعر يقارب المليار دينار عراقي. اربعة سنوات اتاحت لمصحح لغوي في الدار ان يصبح مديرا عاما. نقلة لا تحتاج الى تفسير.
موظفون بلا عمل حقيقي. هذا ما شاهدته حين اتيت في زيارة الى الدار، مؤملا الاستفسار عن كتابي الذي ينام منذ ثلاث سنوات في الادراج. يجلسون تحت الاشجار وعند فيء الجدران. لا يوجد تيار كهربائي، وحين استفسرت من موظف عن السبب، قال “ماكو كاز”، يعني لا يوجد وقود.
الوسط الثقافي مشغول بالسياسيين، ولهذا ابتعد عن نوفل ابو رغيف وشلته التي تطبل له في اكثر من صحيفة غير مرموقة، وباسلوب ركيك مضحك. هذه الدار على الرغم من بؤسها تقيم الندوات لشخصيات كبيرة مغتربة. صرف باذخ، وشهادات ودروع تقديرية، وفضائيات تنقل الحدث بمكافآت تستلم بعد الندوة من صندوق مال الدار. واذا تخرج من قاعة الاحتفال تطالعك على الجدران اربعة واربعون صورة لنوفل ابو رغيف. نعم 44 صورة اكتبها رقما. رئيس الوزراء لم يفعلها.
اليوم الدار مدينة باكثر 500 مليار دينار عراقي الى المطابع الاهلية، ويقال ان نوفل ابو رغيف يريد التخلص من الدار، لان البقرة الحلوب جفت. يريد دائرة أخرى، ولكن لا أحد يريد ان يستلم مؤسسة مريضة، هذا ما سمعته في وزارة الثقافة. لن يجازف شخص باستلام دائرة ستنهار. قالوا: حتى رواتب موظفي عقود دار الشؤون في خطر. تأخرت مرة اكثر من ثلاثة اشهر…
وصل سقوط دار الشؤون حتى الى الكافتيريا البائسة التي تملكها. اي زائر اذا اراد ان يعرف هذه المؤسسة فعليه الجلوس هناك، ليشرب شايا وسط القذارة والذباب والجدران المتآكلة… هناك كلام على ان صاحب الكافتيرا يقدم عمولة الى الكبار.
كل من له علاقة جيدة بمدير الدار، فان كتبه ستطبع، وستكون خارج سباق الانتظار. صدر كتاب لابن عم نوفل المسمى مناف الموسوي، وكلنا يعرف كيف اخذ رسالة الماجستير؟ اشهر قليلة والرسالة في كتاب بطبعة فاخرة تختلف عن طبعات عباد الله. ولنا ان نجري جردا بسيطا لاصدارات المدير العام في اربعة سنوات. اكثر من 7 كتب صادرة له، على الرغم من ان قانون الدار يقول (يجب ان تمر سنتان على طبع آخر كتاب) يعني ان نوفل ابو رغيف مطلوب 10 سنوات.
استغلال كبير للنفوذ في هذه المؤسسة، ولان الثقافة في آخر الاولويات في العراق الجديد، فأن الاعلام لا يهتم بذلك، بحيث حتى هذه الورقة ربما تجد صعوبة في نشرها. لا احد يحاسب مديرا عاما يذهب بايفادات كل سنة، ومؤسسته تعاني الانهيار المالي. قال موظف في وزارة الثقافة: ان نوفل ابو رغيف يسافر احيانا بمبالغ سلف الموظفين المخصصة للبنك، ولهذا تتأخر رواتب هذه الدار كثيرا.
دار تراها تفتخر بمطبوعاتها، ولكنها اشبه بمن يأكل طعام فاخر ويرتدي ملابس زاهية بالدين. السقوط حتمي لهذه الدار، ما لم تمد يدها الدولة لترفع عنها حيف المدير، وتسدد العجز، وتزودها بمطابع جديدة، لتعمل بعيدا عن مطابع السوق.