22 نوفمبر، 2024 11:35 م
Search
Close this search box.

داخل سجون اللغة والعقل .. حيث لا مفر من أسوار الحياة !

داخل سجون اللغة والعقل .. حيث لا مفر من أسوار الحياة !

تكورت فوق سرير المستشفى وغمرني شعور بالأمان من أني على الأقل  في مستشفيات أميركا المتقدمة  سأحظى بموت مريح دون ألم ، دائما أنظر للدواء والعلاج والمستشفيات على أنها أفضل صديق يقدم لك المساعدة عند الحاجة ، ولا أتشائم منها ، وعندي أمل وقناعة  بتطور العلم ونجاحه مستقبلا  في القضاء على جميع الأمراض ، وتعديل بيولوجية الإنسان ووقف الموت نهائيا وجعل  حياة البشر  أبدية على الأرض وفق منطق العلم الذي يهتدي بنظرية التطور  بعيدا عن حتميات الأديان في الموت والحياة ، وستعيش الأجيال بعدنا في سعادة إذا استطاع العلم الى جانب وقف الموت تطوير خلايا دماغ الإنسان و زرع رقائق الكترونية فيه  وتحويله الى كائن خير يحب السلام والعدالة  ويتمتع بذكاء خارق .
 
يقيت مشغولا بما حدث لي مع الممرضة التي بينما كنت أتمشى في ممر المستشفى إعترتني رجفة  استدرت بشكل عفوي على اثرها للخلف ..  كانت تمشي خلفي ، انها حالة  تجاذب   ،  أدهشتني جاذبيتها الأنثوية الممزوجة بالحنان والطاقة الإيجابية المنبعثة منها  .. توجد العديد من الأسباب الخفية لتجاذب الرجل والمرأة من النظرة الأولى بشكل صامت بغض النظر عن الشكل والجمال  ، أحيانا يتم تفسيره بالتجاذب الروحي .. لكن ماذا لو لايوجد شيء يسمى الروح ، يصبح  لزاما علينا البحث عن أسباب أخرى مثل : كيمياء خفية تربطنا ، عوامل فيزيائية ، تقنيات سرية لشيفرتنا الكونية تشبكنا معاً  ، أسباب مخفية لانعرفها ، ورغم أنها لم تكن الممرضة المسؤولة عني في ذاك اليوم لكنها بادرت في نفس اللحظة  وسألتني إن كنتُ بحاجة لشيء ، تدهشني المبادرات الإنسانية بسبب قناعاتي من ان الإنسان كائن أناني شرير وما يصدر عنه من سلوك طيب يعد معجزة  تجعلني أتساءل : كيف استطاع تجاوز أنانيته  وخرج من قوقعة الذات  وأقدم على فعل العطاء؟! 
كنت مصطحبا معي الكومبيوتر الى المستشفى وأسكن  في غرفة لوحدي ، و في تواصل مع صديقي  خالد مروان حدثته عن إعجابي بالممرضة .. وسألته بحكم خبرته في عالم النساء عن أفضل الطرق والتقنيات للتعرف على المرأة وكسب قلبها ؟ .. صدمني بجوابه حيث قال : (( إذا كانت إمرأة طبيعية وأنثى حقيقية  .. فإن المال والسلطة وصحة ووسامة الرجل هي أهم الشروط .. اما الذكاء والعلم والثقافة والأفكار  والمباديء فهي غير مطلوبة من المرأة في الرجل .. هل تساءلت مع نفسك لماذا المرأة تحب وتتزوج مجرما رغم طبيعتها الرقيقة ؟ )) ، رأيي الشخصي كلام خالد فيه نسبة كبيرة من التشخيص الصحيح  في حال نظرنا الى الإنسان – ذكرا وأنثى-  على انه كائن أناني شرير ، فإن المرأة أقل شرا وضررا من الرجل .
 
ثم  تطرقنا الى ان البشر مخلوقات جاءت نتيجة صدفة عشوائية ، ولو لم يسقط غبار تصادم المجرات في الفضاء ويستقر في هذا الحيز الذي يسمى  الأرض .. لما وجدت الحياة ، بمعنى لايوجد تخطيط  وتدبير مسبق لهذا الوجود الأرضي .. من يخطط إذا كان الرب غير موجود ، سألت خالد : ألا يوجد تناقض بين عدم وجود الرب .. وقوانين الفيزياء والكيمياء وغيرها ؟.. أجابني بجواب عالم الأحياء واحد أشهر الملحدين ريتشارد دوكينز من انه لا يستبعد وجود قوى ذكية تقف وراء هذا ، وطبعا دوكينز لم يقصد قوى إلهية بالمعنى الديني ، ولو سألنا من خلق هذه القوى الذكية سندخل في نطاق السببية وندور داخل سجن  والعقل الذي يعجز عن تصور وجود الأشياء دون سبب بما فيها وجود الله ، لكن  لو تركنا كل هذا الجدل ووضعنا في تفكيرنا أهمية الإنتباه الى سجن اللغة والعقل الذي تحدث عنه العديد من الفلاسفة ، وكيف اننا محكومون داخل جدران اللغة والعقل ولانستطيع تصور الحقيقة ووصفها إلا من داخل هذا السجن  ولانعرف شيئا عن التوصيفات والمعاني الأخرى  للحقائق .
 
إستمر وجودي في المستشفى عدة أيام  ، وكانت تلك الممرضة  أثناء دوامها المسائي كجزء من واجبها الروتيني تأتي لقياسي ضغط دمي والتأكد من سلامتي أثناء ما أنا اغط في النوم ، وفي أحد الليالي  أستفقت على وقع لمساتها الحانية  ، شكرتها وامددت لها  يدي لمصافحتها ، قربت يدها من وجهي وقبلتها  بحرارة و حب  ، فتبسمت  وإعتذر ت (( آسفة يدي باردة )) ، كان في الزمن (( الإيروتيكي )) الرغبة هي الفعل الفوري المجسد لإضطرام الشهوة ، كل طرف يحقق رغباته  بواسطة الآخر .. هكذا حكمت الطبيعة التي تم إعتقالها داخل سجون  المجتمع..  ومابعد الجنس يظل الرجل والمرأة متشابكين في حاجة متبادلة لبعضهما  ، ليس هناك  برمجة للإنسان  وتلقينه في أصل الخلقة  ، ليس هناك غرائز ثابتة ، بل يوجد صدف عشوائية لوجود البشر ثم يحصل  تطور وتحولات ، وإنبثاق حاجات ورغبات ومشاعر فورية ، والجنس عنصر متعدد الوظائف البيولوجية والجمالية والنفسية ، بل في العصور الإيروتيكية كان يودى  كطقس رجاء وخلاص ولحظة تصوف وإندماج بالقوى العليا الخالقة للكون ، وليس رجسا من عمل الشيطان!
 
غادرت المستشفى دون وداعها  بعد ان أحبطني خاتم الزواج المعلق في إصبعها .. ضحكت في سري وقلت (( ليست جديدة عليّ ..  سوء الحظ دائما حاضرا معي .

أحدث المقالات