مازال خطابنا السياسي هزلاً ، خطاب لا يرتقي لمستوى خطاب حضاري يساهم في بناء دولة مدنية ديمقراطية ، يُصاغ بردة فعل وبأسلوب مورث من عقل مستبد ، يتحدث بعقلية التهمة والمؤامرة والإدانة، يعتمد فيه على أهل”الثقة” بدلاً من أهل”الخبرة”.هدفه السياسي الوحيد تقديم تبريرات من الأزمة و أخطائها ورمي التهم على الآخرين . تقول تجلياته ، إن اللغة التي يوظفونها الآن ، واحدة من لغات الفكر السياسي القديم التي كانت سائدة ، كالتي أخبرنا بها حنا بطاطو في موسوعته المعروفة “زعيمنا المحبوب(….) ، لقد استأنا كثيراً مما حصل مؤخراً ، إننا ننتظر أوامر حزبنا بفارغ الصبر ، إننا جاهزون وبكلمة منكم لقطع أعناق الخونة بأسنان مناشيرنا”.مثل هذه اللغة لا يصلح صاحبها أن يكون مدير دائرة حكومية بسيطة ، وليس زعيماً سياسياً!
هكذا بات دعاة الدولة المدنية ، دولة القانون والمؤسسات ، جزءا من حاجز مادي يعيق بناء العراق التعددي – المدني ، هم قبل الجميع مطالبون بإصلاح داخلهم “المريض” ، والعمل على تغيير سياستهم وأفكارهم ، والتمرس على مواجهة الأزمات والمشكلات بنقد ذاتي يمنع من إلقاء التهم على الآخرين .علينا أن نبدأ من أنفسنا ، كادرنا ، حزبنا. وإلا كيف نفهم ما كتبه القيادي في دولة القانون سعد المطلبي عندما وجه دعوة لخروج تظاهرة لنصرة “مختار عصرهم” ، يقول المطلبي “ليروا أنا قادرون على إقامة خميس حاشد يرهبهم ويقمع ضلالهم وبغيهم وليرى العالم أن هؤلاء الشراذم ما هم إلا أقلية خاسئة حاقدة، هبوا ياعراقيون لنصرة دولتكم يوم الخميس القادم”.؟ و لم تخبرنا “دولة القانون” الجهات التي وصفها المطلبي بـ”الشراذم والأقلية الخاسئة والحاقدة”، وبالتالي هل من الصحيح أن نبني دولة مدنية ، نقوم بإرهاب وقمع الآخر ؟ بربكم ، أليس المطلبي ومن معه يشبهون هؤلاء الذين يدعون التقدم من جهة ، ومن جهة أخرى ينتظرون أوامر زعيمهم ، لقطع أعناق الخونة بأسنان مناشيرهم ؟!
أما عن مختار عصرنا الذي ابتلانا الله به أشد بلاء، فقد خبرنا تناقضاته أيام 25 شباط ، والآن في تظاهرات المناطق الغربية .السيد يتعامل مرة بالعصا ومرة بالجزرة ، بالقوة مع المتظاهرين ومرة بالمرونة والتجاوب مع مطالبهم . في وقت يعلن عن أن”المتظاهرين يطالبون بأشياء لا تجد الحكومة ضيراً من أن تتحرك بقوة لتفعيلها وتنفيذها خدمة لهؤلاء المواطنين لأنهم لا يحملون أجندات سياسية لا طائفية ولا يريدون إلغاء الدستور”، وفي وقت آخر يصفهم “بالفقاعات وخرجوا بمئة دولار ” ، ولديهم “أجندات خارجية” ،وهددهم قائلا “الانتهاء قبل الإنهاء”، أشار إلى وجود “أجندات خارجية لبث الفوضى داخل البلاد”. أحد الصحفيين قال”هو يهدد باستخدام القوة لفتح الطرق، ثم يطلق بعض المعتقلات من أهالي الأنبار. يشكل لجاناً للتدقيق في ملفات المعتقلين كبادرة حسن نية، ثم يلوح للطيف السياسي المعارض بـ «ملفات الفساد والإرهاب»، ويقول إنه ينتظر «نضوجها» لعرضها أمام القضاء. يحمل البرلمان مسؤولية إلغاء القوانين التي تثير غضب السنة مثل «الاجتثاث» و «الإرهاب»، ويعتبر رئيسه أسامة النجيفي «فاقداً للشرعية» بسبب تأييده التظاهرات”.
وعندما تكون الطائفية متاجرة سياسية ،السيد رئيس الوزراء يتفاخر مرة ويقول”شبح الطائفية قد ولى” وهنا أذا أراد أضافتها إلى بطولاته ولانجازات دولة القانون ، ويقول أنا “المختار”و”المنقذ”. ومرة يصرح لنا ويقر بوجودها ، وهذا أذا رأى منتقديه يزعجون سياسته ويهددون سلطته و استقراره “المنصبي”. و يقول”الدستور يحمل ألغاماً طائفية” وسبب ذلك “أذا مختارنا ما كَعد حظه مع مادة من المواد” ، وفي وقت آخر يدعوا القوى والإطراف السياسية للاحتكام بالدستور !!
ولا نعرف هل يحتكمون لدستور ملغم بمواد طائفية وقومية ، أم لدستور مدني ؟
الخلاصة ، يحدثنا المختار بوضوح في برنامج تلفزيوني، حيث يقول أذا استمرت ألازمة أننا أمام ثلاث خيارات ، هي «تقسيم العراق» و «الحرب الأهلية»و «الانتخابات المبكرة» .المختار في الخيار الأول والثاني يقصد بأنه لم يتنازل ويترك منصبه لو أدى ذلك إلى “تقسيم العراق” أو “إلى حرب أهلية” ، أما الخيار الثالث ، هنا يكون مسيطر وأن كان هذا الخيار دستوري ، فالرجل مستحوذ على أعلام الدولة وسلطته القضائية والوزارات الأمنية والقائمة تطول .أن مثل هكذا حلول في الحقيقة ، إنها حلول بربرية ، متعنتة ، لا تساهم في التهدئة ووضع العراق الجديد على سكته المدنية والديمقراطية .
يا مختار عصرنا ، اعلم بأنك تشعر بغثيان وتنزعج ، وراء اطلاعك على مثل هذه الكلمات ، وعمر كاتبها بعمر أحفادك أو أصغر ، واعلم بأن الأزمة لا تتمحور بشخصك ، وإنما هي أزمة حكم . ولكن يا مختار عصر القانون ودولة المؤسسات . ألا ترى فيك عورة الشخص الإمبراطوري ، المستبد ، المنعزل ، المتعنت ؟ عورة أهلكت العراق ودمرت شعبها ووضعته في مؤخرة العالم ؟
انفتح ، وافتح عقول أتباعك على الآخر ، كن مختاراً وسطياً مرناً ، يساهم في بناء نخبة تداولية ، تعددية .
تغيّر يا مختار لكي تسهم في تغيير الآخر ….
تغيّر وغيّر، لكي لا تروق لجنودك قطع أعناق الخونة بأسنان مناشيرهم !!