لا أعرف سر اللون الأخضر، ولا أعرف علاقته بالقداسة التي تخضر في القباب، وفي العمائم، وفي المناديل التي يلفها زوار المراقد حول رقابهم. ربما من القرآن الكريم ((عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَأوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَأباً طَهُوراً))، ولكنني أعرف تماماً سخرية العبارة التي تقول: حينما يحكم البيت الأبيض رجل أسود، وحينما يكون القصر الجمهوري رمزاً للظلام. وأعرف أيضاً أن القصور الكبيرة التي شيدها الطغاة، يسكنها طغاة آخرون، بينما البيوت التي تحيط بالخضراء لا تتسع لأحلام ساكنيها، فالفقراء يحشرون مرتين، مرة في الدنيا في بيوت الحواسم المشادة بالطين وبالصفيح، ومرة ثانية في الآخرة.يحكى أن علي بن أبي طالب لم يسكن في دار الخلافة بالكوفة واختار بيتاً متواضعاً – وقيل استأجره- ليسكن فيه مع ولديه وسبطي رسول الله الحسن والحسين وهما سيدا شباب أهل الجنة، وكان علي يأكل مما يأكل الفقير، ويرتدي الخشن من الملابس حتى لا يكون هناك فرق بينه وبين رعيته في الملبس والمأكل والمسكن، وقد نسي ميراث علي ذاك، السياسيون الذين يرفعون في وجوهنا شعارات علي وهم يعيشون عيشة معاوية.ويحكى أن حماة الإمبراطورية البريطانية، أمثال السير ونستون تشرشل، كانوا يستشيطون غضباً وهم يرون غاندي ملتحفاً مئزره وشاله المصنوعين من قماش (الخادي) حتى في مواعيد شرب الشاي في قصر بكنغهام. وذات مرة، سأله أحد المراسلين الصحفيين الإنكليز: سيد غاندي، ألا تعتقد أنك كنت ترتدي القليل من اللباس مما لا يليق بمناسبة لقائك بجلالة الملك؟ فأجابه غاندي: لقد كان جلالته يرتدي ما يكفي لكلينا. وأن المفاوض البريطاني قال لغاندي: لماذا لا ترتدي ما يستر عريك؟ وكان المهاتما غاندي – أي القديس أو صاحب الروح العظيمة- يصر على ملابسه الشديدة البساطة تلك ليكون مثل أفقر رجل في الهند.ويحكى أن عبد الكريم قاسم الذي بنى آلاف البيوت للفقراء لم يسكن قصراً ولم يشيد له داراً. نحن لا نحسد الساكنين في الخضراء، ولكننا فقط نذكرهم بآلامنا وبكاء النازحين والمهجرين والنائمين تحت المطر، وها قد إقتربت خيامنا الخضراء من قصورهم المنيفة. أليس غريباً أن تطل الخيمة التي تقطر الماء على منظر قصر؟