18 ديسمبر، 2024 8:02 م

خيمة “شهيد” ترعب الحكومة

خيمة “شهيد” ترعب الحكومة

في مقطع فيديو يحمل الكثير من التساؤلات عن معنى الديمقراطية ومهمة القوات الامنية في الحفاظ على البلاد والعباد، يظهر عناصر من الامن معهم ضباط كبيرهم برتبة عميد تجمعوا لازالة خيمة صغيرة نصبتها والدة الشهيد ايهاب الوزني قرب مبنى المحكمة في محافظة كربلاء للمطالبة بالكشف عن قتلة ابنها ومحاسبتهم بعد اربعين يوما على اغتياله، بسبب “فشل” جميع الاجهزة الامنية والقضائية بإنصافها على الرغم من وجود العديد من الادلة والتسجيلات التي تكشف الجهة القاتلة ودوافعها، لتسجل عملية الاعتداء على سيدة عزلاء لا تريد سوى كشف حقيقة واحدة الا وهي صورة من صور التعامل غير الاخلاقي التي تعاني منه العديد من مؤسساتنا الامنية التي غالبا مع تقف مع السلطان الظالم.

لكن.. اكثر ما يثير السخرية العذر الذي قدمته القوة الامنية التي اعتدت على والدة الشهيدة وازالت خيمتها بانها تريد الحفاظ على “الامن العام”، وكأن خيمة صغيرة وامراة “مفجوعة” ممكن ان تربك المشهد الامني المستقر و “تهين هيبة الدولة”، في حين تقف القوات الامنية وقياداتها وحتى قائدها العام مصطفى الكاظمي “عاجزة” امام الاستعراضات العسكرية التي تنفذها فصائل السلاح في بغداد وبقية المحافظات، هل تناست القيادات الامنية اقتحام المنطقة الخضراء و “إهانة” رئيس الوزراء في اكثر منطقة محصنة امنية، كيف يمكن وصف ممارسة حق قانوني كفله الدستور من خلال الاعتصام باعتباره واحداً من ادوات التعبير عن حرية الرأي، بانه يؤثر على “الاستقرار الامني” بينما نسمع ونشاهد يوميا مئات القصص التي لا تعترف بوجود الدولة، هل اصبحت ام ايهاب تشكل خطرا على الدولة وهيبتها بخيمتها الخضراء ومطالبها البسيطة التي لا يمكن وصفها بغير الحقوق.

علينا ان نعترف بان الحكومة واجهزتها تمارس معنا دور “الجلاد” الذي يتمتع باهانة كرامة المواطنين بينما يفسح المجال للاحزاب السياسية واصحاب السلاح بممارسة الديمقراطية في اختيار اهدافهم مع كافة الصلاحيات التي تضمن سلامتهم وعدم محاسبتهم باعتبار ان حرية التعبير وجدت اساسا لخدمة الطبقة السياسية وليس للمواطن المغلوب على امره، فلنفترض جدلا بان خيمة ام ايهاب لو كانت لزعيم سياسي او ديني خرج للاعتصام من اجل المطالب بالمناصب وتقاسم الحصص هل سنشهد “انزعاج” الاجهزة الامنية وقياداتها بهذه الطريقة التي واجهت فيها والدة الشهيد، ام سيكون التعامل بطريقة مثالية، كما حصل في العام 2016، حينما اعتصم زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر بخيمته داخل المنطقة الخضراء، وشاهدنا في وقتها كيف تعاملت القوات الامنية مع الموقف الذي وصل إلى قيام قائدها “بتقبيل” يد السيد الصدر، كيف سنواجه العالم بهذه الازدواجية التي تتعامل بها مؤسسات الدولة الست التي خرجت عن مهمتها الاساس في الحفاظ على المواطنين الى حماية الزعماء وتكريمهم.

لا اعرف.. لماذا لم يتدخل السيد الكاظمي لاصدار اوامر تمنع الاعتداء على السيدة والدة الشهيد وتركها تمارس حقها الدستوري في التعبير عن حزنها، او حتى قائد عمليات كربلاء او محافظها، الذين فضلوا “الصمت” خلال مشاهدة “فضيحة” الاعتداء على سيدة في مدينة تشهد سنويا مراسيم لاحياء ذكرى عاشوراء التي ترفض الظلم وتساند المظلوم، وتروى خلالها القصص على شقيقة الامام الحسين (عليه السلام) السيدة زينب التي وقفت بوجه الظالمين تطالب بدم شقيقها واهل بيته، من العار على الحكومة والزعامات السياسية التفرج على والدة فقدت ابنها البكر وهي “تهان” بهذه الطريقة لثلاثة ايام متتالية، في وقت ترفع الحكومة شعار محاسبة قتلة المتظاهرين وانصاف عوائلهم، لكن السلطة لم تكتف بتلك “الفضائح” وذهبت لادانة ما فعلته اسر شهداء تشرين حينما تجمعت داخل محكمة استئناف ذي قار تلبية لدعوة والدة الشهيد ايهاب الوزني، وطالبت بمحاسبة ذوي الشهداء بعد اصدار مذكرات اعتقال ضدهم، بسبب مواجهتهم رئيس محكمة الاستئناف وانتقادهم فشله بتحقيق العدالة، هل يعقل أن يصبح الضحية مدانا والاجهزة التي تعجز عن ممارسة دورها، مظلومة ويجب نصرتها، لم نسمع بتلك “المهزلة” حتى في قصص الف ليلة وليلة.

الخلاصة:. ان احتجاجات تشرين اوجدت الكثير من الامثلة الحية عن الشجاعة والتضحية ولعل ام ايهاب الوزني وام مهند القيسي وام عبد القدوس، واحدة منها التي اثبتت للعالم بان الحقوق لا يمكن التنازل عنها مهما كانت قوة الظالم وجبروته حتى لو استخدم سلطته وسلاحه لتهديد تلك الاصوات او اسكاتها فانها ستبقى تذكر الحكومة و “جهابذة” العملية السياسية بفشلهم وضعفهم امام كراسي المناصب، لكن الاكثر غرابة هناك من يحاول التفريق بين قضية ام مهند وام ايهاب ويتهم الاولى بانها مدفوعة لاستهداف جهة معينة في حين، نجد ان القاتل نفسه الباحث عن المناصب حتى لو اختلفت التسميات… اخيرا… السؤال الذي لابد منه… متى تتوقف الحكومة واجهزتها الحزبية التي ارعبتها “خيمة” عن التسلط على رقاب الناس؟