23 ديسمبر، 2024 5:26 ص

خيانة إكتوبر ، لم تتوقف في حدود كركوك

خيانة إكتوبر ، لم تتوقف في حدود كركوك

قبل الإستفتاء الذي جرى في أيلول 2017، بسنوات عدة، بدأت حملات التحريض والكراهية ضد الكورد، وبدأ اللجوء لخداع المواطنين العراقيين بأن الإقتتال مع الكورد أفضل لهم بكثير من التريث والتأمل ودراسة الأضرار المحتملة والحوار السلمي والفعاليات السياسية. كما مارست الأجهزة الاعلامية الملوثة بسموم الثقافة العنصرية أدواراً قذرة بنى عليها أصحاب المواقف العدائية والمخيلات المريضة أفكارهم وثقافاتهم وأوهامهم.

أما بعد الإستفتاء، فقد إنتقلت فكرة الإضرار المباشر بمصالح الكورد وإستهداف إقليم كوردستان، من مرحلة الأمنيات الى مرحلة كسر الإرادات والصراع الدموي التي تزهق الأرواح. وإختلفت الآراء والمواقف وتحوّلت الصداقات إلى ترقب لمآلات الأحداث التي تهاوت وإنهارت فيها الكثير من المفاهيم الإنسانية.

جهات عدة غيرت الشك الى اليقين وإتحدت تحت خيام الوهم، فأدارت ظهرها لشعب وحكومة الاقليم، وأخذت تبحث عن ورقة رابحة تحقق لها ما تطمح إليه، ومن تحت قبة البرلمان العراقي صدر ضد الكورد، في يوم واحد، أكثر من عشرة قرارات يندى لها الجبين. قرارات جسدت أنانية وعفن الكثير من الشوفينيين الذين كانوا يريدون بقاء الكورد تحت رحمتهم وأمرتهم. وتحوّلت جهات اخرى الى ممارسة العداوات والتجاوزات العنيفة وفرض الحصار وضرب البنية التحتية لكوردستان، وبث الفتن لإرباك الأوضاع، وإعادة الإقليم الى المربع الأول. فخططت وصنعت الأزمات، وبعد أن تم تهيئة الأرضية الخصبة للعدوان على شعبنا جراء مؤامرة خيانية، تم إستهداف كركوك والكثير من المناطق الأخرى في 16/إكتوبر/2018، وأعاد التاريخ نفسه بإسلوب قذر ووجه قبيح، وأضيف مآساة مروعة أخرى الى مأسي الأنفال وكارثة هلبجه والإبادات الجماعية.

الخيانة الجديدة تركت جراحاً عميقة وغطت على الكثير من الخيانات السابقة التي إرتكبت ضدنا طوال التاريخ، لأن لولاها لما كانت القوات العراقية ومن كان معها من قوات أجنبية تجرؤ على مجرد الإقتراب من سواتر ودفاعات قوات البيشمركه. وفى إطار أكذوبة ( خطة فرض القانون والدستور)، عاشت الفئة الواهمة نشوة نصر متخيّل، وأصيبت بالغرور والغطرسة والشعور الزائف بالثقة بالنفس، وحاولت ممارسة الإستعلاء على الكورد .

الخيانة لم تتوقف في حدود كركوك، بل أصبحت إستراتيجية لفئة إنتهازية تتميز بالتعصب والطموح اللا محدود والمواقف المتناقضة تجاه الكثير من المشكلات بين الكوردستانيين، وكذلك بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم. تلك الإستراتيجية جمعت وجوهاً خسرت الساحة السياسية، ومكونات متناقضة ومتنافرة لا يجمعها جامع ولا يوحدها موحد، وعكست خطورة دور الخونة، وأنذرت بنتائج تهدد شعب كوردستان ومكتسباته المتحققة بأنهار من الدماء الطاهرة، ووصلت بها الوقاحة الى درجة مساندة الجهات التي كانت تصر على عدم الحوار مع الكورد. وأرادت تكريس الأمر الواقع الجديد ورفع سقف التوترات، ولي الأذرع ورمي الكوردستانيين خارج التأثير السياسي ، وسلب الشرعية والصدارة عن أي دور لحكومة الإقليم وإفراغها من محتواها، وتجاهلت المؤامرات التي تحاك بالخفاء لإفشال التجربة الديمقراطية والفيدرالية في العراق وكوردستان، فنادت بحكومة الإنقاذ من أجل السيطرة على السلطة بأي ثمن، وربطت سياساتها وحركاتها المشبوهة ومناوراتها الخبيثة وبرامجها مع التخطيط الدائم لممارسة الضغط على الحكومة والبرلمان الكوردستانيين ومحاصرتهما بعيدًا عن الأنساق الحزبية أو السياسية الدستورية المألوفة.

في مقابل تلك الخيانات، تجلت عظمة قوات البيشمركه وعزيمة وعقيدة الأيمان بالتضحية والنصر أو الشهادة من أجل قضية عادلة، فوقفوا مع المخلصين من أبناء شعب كوردستان خلف الرئيس مسعود بارزاني وحكومة الإقليم، وبحثوا عن أنبل تعبير وأكبرعلامة فارقة ليسجلوه في التاريخ، فلم يجدوا غير رفض الإستسلام وعدم الإنحناء واللجوء الى المقاومة البطولية، وبعد الاستعداد العسكري والنفسي، كسروا أنوف الحاقدين وأحرقوا دباباتهم ومدرعاتهم المتطورة في الكثير من المواقع، ووجهوا صفعة مريرة الى وجه العبادي ومن كانوا يحيطونه، صفعة أعادت تقييم صورة البيشمركه السياسية والعسكرية وصورة المواطن الكوردستاني الذي يأبى الإنحناء أمام العواصف. 

قرار عدم الإنحناء الجرىء، رغم الخيارات المحدودة، أحال رغبات الحاقدين وأحلام الخونة إلى حطام وأطلال، وأصبح بدايةً لانطلاقة جديدة تستدعي التوقف وتأمل المعايير والإشارات التي تعتمد على قوة العقل السياسي الجرىء في لحظات التحولات التاريخية الكبرى.