22 نوفمبر، 2024 6:58 م
Search
Close this search box.

خيار الكبار…

بعد مرور السنين… وبعد طول انتظار.. جاءني المنذر بالخبر اليقين.. فلا أدري هل أبكي صدقي ووفائي.. أم أنعي الإيمان ببهائك الأخاذ.. هل أنعيك لأني.. لم أعد أثق في الدنيا وفيك.. أم أبكيك لأنك لم تقم بالخيار الصحيح.. البكاء والنعي أشكال.. وحر الفراق واحد.. هل أبكيك على الفراق.. أم أبكيها على ولع الاشتياق.. هل أبكي الصبر لأيوب.. والصبر معك عنوانه العقيم.. ما أشقاني.. غدرك نال مني.. كم أشقاك، كنت في الشعر أحلى قصيدة.. اغضب كما تشاء.. هدد كما تشاء.. ارحل كما تشاء.. فلم تعد الشموع كما عهدتها تنير.. أعلم أنك نرجسي وعنيد لا تطاق.. كما أعرف أنك والسعادة علي جحود.. فليت الزمان بنا يعود.. لأعلمك ما عجزت عنه المدارس.. إذا كانت عيناك تتجاهلني.. وكان ضميرك أخرسا لا يراني.. فإلهي بك وبالأوطان كافرا لا يبالي.. والله لو كان بيدي.. لخيرتك بين الجنة والنار.. لسجنتك بين ذراعي آلاف السنين.. وحررتك من كل الأسلحة والأوسمة والشرور.. لألقنك الأدب.. بل لأعلمك النثر والشعر والفنون والآداب.. لأعلمك كيف تقف إجلال لصاحبة الجلالة.. كي تصبح القصيدة شاملة.. ودورة الحب كاملة.. وحتى يصبح الوطن لمن يستحقه حقا.. ليت الزمان بنا يعود.. لعلمتك الفرق بين الحسن والأحسن.. بين السعيد والأسعد.. بين الأبيض والأسود.. بل بين القنفذ والأملس.. الفرق بينهما شاسع.. حتى ولو بدا لك الأمر غير ذلك يا عزيزي.. دعني أعرض لك الفرق في جملتين.. كما الفرق بين الإيمان والكفر.. بين من يعلن عن ولائه للعدو ليلا.. وبين من يعلن كفره لك جهرا.. فالأول يريد تحطيمك.. والثاني يريد إصلاحك.. لك أن تختار بينهما.. فبين مصيدة الفراشات وطوق النجاة.. برزخ لا يلتقيان..
ليس كل ما يلمع في المحافل ذهبا يا سيدي.. خذها نصيحة من متمردة على المظاهر مثلي.. فإما أن تكون للعشق مخلصا ووفيا.. وإما أن تبقى عن الشر بعيدا.. فأسوء حالات العشق أن.. تبقى بين النقيضين مسحوقا.. وأسوأ درجات الغدر أن تهزم من خاض المعارك من أجلك فداء.. وأصعب الخيارات أن نبقيك في الديار مقدسا.. وأصعبها أن تبقى كذلك مدى الدهر..
أقر أنني.. آمنت بك ففي بعض الإيمان شرك بالله.. لفرط جهلي، ها أنا ذا بين يديك أنعي.. أحكي للثورات والإنجيل لوعتي.. ما أصابني من غدرك كفاني.. أقضي ما تبقى من العمر أدعو لك بالتوبة والغفران.. فهل من رب رحيم غيره يسمع ندائي.. فكلما طال انتظاري.. وزاد دعائي.. شعرت بك تهوى أمامي.. فبين رحلة المد والجزر.. ونفاذ صبري.. أعلنت استسلامي.. أسدلت ستار مسرحية ما كانت لتكون في الأصل.. إنها قصة القدر اللعين.. جدلية الخير والشر..
اخترت الترويض والتطبيع معا.. اخترت الحرب والسلم.. خيارا وحيدا لديك.. فرغم طول القوام.. والمال والجاه اختار صديقك اللعب بالنار.. فلم استغرب، الغدر في عين الصديق دفين.. أبكيك يا حجاج كما لم أبك المقربين من قبل.. أجل، صدقتك وصدقت كل الروايات التي نسجتها حولي.. آمنت بك، بل انحنيت حتى بالغت في الانحناء.. ظننتك أشرف الشرفاء.. ظننتني من البسطاء.. حقا، أن أنت أكرمت الكريم ملكته.. وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا.. ومتى كان ركوب “البورش” و”البارجات” من ركوب المجد.. ما أشقاك يا معذبي.. ضيعت عنك وعني كل الفرص.. فكم من صلاة صليتها.. كم من ورود أهديتها.. لم تصل لصاحبها.. وكم من قصيدة كتبتها لم يفهم معناها.. فمن سوء حظي أن يكون الخيار الصحيح صعب المنال..
مر وقت حينما استنطقني المحقق من أكون.. نسيت حينها أن أخبره أنني عاشقة متمردة.. اعرف جيدا كيف أحمي وطني بدون سلاح.. إلا أنني لا أنسى الإساءة أبدا مهما طال الزمان.. خاصة إذا أصابني سهم الهاشمي في كبرياتي.. كما لا أغفر لمن أساء لي حتى ولو كان الإله بعينه.. اغضب.. اعند.. انسج أكاذيب حولي.. لفق تهما كما تشاء.. شهر رشاشك في وجهي.. كما تشاء.. اجعل مني ذراعا أخضرا على الحدود.. كما تشاء.. خطط لاغتيالي آلاف المرات.. كما تشاء.. اغضب.. فلن أستقبلك بالزغاريد والورود.. أرجوك لا تكن كالكلب في وفائه.. متمسكا بالأرض وصاحبه.. بل كن مثل القطط.. تغادر المكان.. حتى ولو كان جنة وصاحبها ملاكا.. كن مثل القطط.. فهي أكثر الحيوانات أناقة وعنادا.. نرجسية.. حساسة.. لئيمة.. مخيفة للغاية.. ارحل، فبرحيلك عنا.. الشمس لن تغيب.. ارحل فقلمي.. مداده أحمر لن يجف.. ارحل، فليس في كل رحيل حزن عميق.. ارحل، شريطة ألا تترك ماضيك وراءك.. ألا تترك اللطيفات والفراشات وراءك.. ارحل فليست كل الأراضي خصبة.. لمني ذكر مهووس بالإخصاب.. ارحل.. فأرضي لا تسع إلا للرجال.. ارحل، لا تنس أن تحمل جواز سفرك الأحمر معك.. حقيبتك.. سلاحك.. ما ملكت أيديك.. لا تنسى رسائلي الكثيرة التي بعثتها في أعياد المسيح لك.. ربما ستحتاجها في وحدتك هناك.. خذ ماضيك معك.. فلم يعد يهمنا.. ذلك الماضي المحمل بانجازات عبقري يتقن كل شيء.. إلا حمل السلاح في وجه الفساد.. ارحل لربما كان رحيلك الأنيق.. خيار الكبار.. وكان ندائي لك أعظم نداء..

أحدث المقالات