19 ديسمبر، 2024 6:58 ص

خيار الحكم الديني ليس عراقيا!!

خيار الحكم الديني ليس عراقيا!!

مفارقة عجيبة غريبة هي الجهود المبذولة وغير المتجانسة لتفعيل مبدأ أسلمة الحكم في العراق، والذي يخصصه السياسيون لبناء عروش حزبية تذبح نسيج الوطن الجميل، ويهدمون البيت من القواعد، من خلال عدم  احترام خصوصية وطن لا يمكن اختزاله بتوجه ديني مغلق، والمصيبة أن الشعب يتفرج و يصفق ويسلي النفس بانتظار المحظور، و المتمثل بكيان دولة جديد وأسس تعامل اجتماعي غير متوازنة و مستقبل تحكمه مرجعية سياسية بثوب ديني غير متجانس!!

أشد ما نخشاه وقوع الكارثة التي ستحرق الأبرياء فقط ويتنعم بثمارها الجافة سياسيون، فبين التلويح بالحرب الأهلية وتقسيم العراق تبرز تحديات غير محسوبة من تدويل الأزمة الحالية الى الغاء العملية السياسية والدخول في متاهات العمل العسكري بشقيه،  ردة الفعل والفعل المباشر،  في أعمق ازمة هوية يواجهها العراق ، بسبب النزوع الى أسلمة الحكم في توقيتات خاطئة، لا سيما وأنها ليست نتاج ثورة شعبية بل نتيجة حرب خارجية حركت مياه راكدة باتجاه غير صحيح، لان المجتمع العراقي تعود علمانية الدولة وتعايش مع مدنيتها، ما يجعل منه ضحية مباشرة لمبدأ خلط الدين بالسياسة على النحو الذي يجري، بفضل العقلية الأمريكية غير الناضجة التي اسقطت مشروع العولمة و قدمت على طبق من ذهب السلطة الى  الاسلام السياسي بمختلف اتجاهات الاقصاء و الانغلاق، وهو ما يقول عنه أحد دعاته السابقين” انه الخطر الذي رحبنا للوصول الى ما نحن عليه، حيث حصدنا ما لم يخطر ببال دون التفكير بحجم الكارثة التي تلوح بالأفق اليوم، فقد استفقنا في وقت متأخر”، ونحن نتسائل أليس من الواجب الشرعي والانساني استفتاء الشعب على ما يفضله من أشكال الحكم، طالما يتحدثون عن عراق ديمقراطي بعد نضال سنين عجاف!!؟
لقد حول مفهوم ” أسلمة الحكم” في العراق على الورق ، نقول حول البلاد الى دولة منهكة تعالج جراحها بشق الأنفس، بعد غياب قوة الدفع الأمريكية عن الميدان بشكل مباشر، والتي حققت مكاسبا مرحلية على رمال متحركة،  لأن أسلمة الحكم في قاموسها السياسي والعسكري  تمثل خطرا مستقبليا على مصالحها، لكنها قبلت به مرحليا دون حساب النتائج جيدا، فقد أخطأت بوصلتها حيث أجتهد الربان، فغياب الاستقرار بسب أسلمة المجتمع أحرج رجاحة العقل الأمريكي في تونس وليبيا ومصر و في سوريا لاحقا، فيما يمثل  العراق درس الأمية الأمريكية الأول في منطقة تعودت ليبرالية المؤسسات،  وعندما اشتاقت للتغيير وقعت في سوء التقدير، حيث تتعالى الأصوات المناهضة لفكرة اللون الواحد في الحكم!!
نحن مع احترام قيم الدين بالمطلق من الأشياء، وأول ذلك ابعاد ثوابت الاسلام النبيلة عن براثن سياسة اللامنطق القائمة حاليا، و رفض ارتداء السياسي لعباءة الدين ، ومنع خطب التحريض على الجميع، و التعجيل باعادة النظر بنصوص دستور المحاصصات والتوافقات المذهبية قبل السياسية، وحذف صور التهميش و الاقصاء من أولويات سياسيين  يتحدثون عن الدين وكأنهم فقهاء فيه، ويجتهدون في السياسة فيفشلون، لذلك بات واضحا خطورة ما يفعلون، فالهروب الى الأمان لا يبني وطنا مثل العراق ، جعله الله نموذجا للتعايش السلمي من خلال نسيج اجتماعي متميز في المنطقة.
و هنا تبدأ مسؤولية المواطن في تحدي الصعاب والخروج من عنق زجاجة المذهبية والعرقية التي تؤسس لدولة خلافات أبدية، خاصة وأن العراق لم يستعيد أنفاسه من مركزية الرأي الأوحد، و أنتقل بلا حسابات مدروسة الى فضاء مفتوح جدا على كل شيء سوى حرية المواطن ، فاختلطت الأوراق على الجميع، ما ترك الأبواب مفتوحة لتوجهات أخرين وجدوا من مصلحتهم زج العراق في فتنة مذهبية، فروجوا لاقحام الدين في السياسة العراقية ، وحظروا ذلك في بلدانهم، وهو ما تلقفته عقول سياسيين وجدوا فيه فرصة لتسويق أنفسهم كمنقذين آلهيين من الأمس ، لكن بثوب سياسي مبرقع، وهي أولى خطوت الفشل التي أسست لما يعاني منه العراق حاليا، هوية دولة تضيع بين الدين والسياسة مثل الأغلب من كبار قادة ما بعد الاحتلال!! وسيبقى الحل في العودة الى ليبرالية دولة تحترم قدسية الدين بعيدا عن تنوع المرجعات!!
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات