“الثلث المعطِل” بالطاء المكسورة ،وفقا لنعيم برجاوي وهو صحافي لبناني يعني حصول فصيل سياسي على ثلث عدد الحقائب الوزارية في الحكومة، ما يسمح له بالتحكم في قرارتها وتعطيل انعقاداجتماعاتها،والثلث المعطًل بالطاء المفتوحة وفقا ل حسين العنگود يعني حصول كيان سياسي على ثلث مقاعد البرلمان ،ولعدم قدرته على تشكيل الكتلة الاكبر بفعل تحالف الفائزون الاقل مقاعد منه وتشكيلهم كتلة اكبر ، فانه يناى بنفسه لتحطيم عمل البرلمان نقمة لخسارته .نفّذ المصطلح بشحمه ولحمه في لبنان وفتح ازمة كبرى بين الحريري وميشال عون بدات تأكل ماتبقى من بيروت ، حيث ابتدأت بأزمة الاقتصاد ولم تنتهي بتفجير المرفأ الذي نثر نترات الامونيوم على العاصمة الجميلة بسخاء بالغ.
يبدوا ان تجربة بيروت استهوت كيانات وفصائل بغداد ،فالعراق المعاصر مفتون باستعارة التجارب الفاشلة ، الارض خصبة وصالحة لزراعة الازمات ولدى بغداد اكثر من حريري واكثر من عون ،ولدى بغداد ثلث معطِل ولديها ايضا ثلث معطَل،
لكن ثلث بغداد المعطِل يمكنه ان يتبادل الادوار مع نفسه ،لايستدعي الامر اكثر من فتح الطاء المكسورة بفتحة قابلة للتغيير ايضا وفقا للمواقف المتغيرة تغير امزجة السياسيين الجدد ،فزعيم التيار الصدري الحائز على اكبر نسبة من المقاعد البرلمانية وفقا للنتائج الاولية المعلنة والغير قابلة للنقصان مهما تأخر الاعلان الاخير .والمالك لاكبر اسطول بشري مسلح من الفصائل التي تعمل ضمن اطار خاص ،والقادر على استدعاء مليون من اتباعه الى طرقات بغداد وشوارعها بأشارة واحدة ، هو الوحيد الذي يمتلك القدرة على المناورة والجري كلاعب منفرد في الميدان السياسي العراقي المختنق ،فالخصوم منهمكون الى اقصى حد في اجتماعات ساخنة تحت مظلة ماتم تسميته اخيرا ب(الاطار التنسيقي ) في محاولة منهم لحشد اكبر عدد ممكن من الفائزين لاجل اخماد مشروع صاحب الثلث المعطل ،والشركاء يجلسون في اماكنهم بانتظار مايمكن ان تتمخض عنه تلك الحرب الناعمة بين أولئك وهؤلاء،في المطبخ السياسي العراقي يتحول الخصوم الى شركاء ويتحول الشركاء الى خصوم ،تبعا للمواقف والتنازلات ،في المتجر السياسي العراقي كل شيء وارد الحدوث.
في بغداد كل شيء يتحرك بدينامية مخيفة ،الحكومة تتحرك لتوديع آخر ايامها دون خسارات ،المفوضية تتحرك داخل محيط ضيق لتلافي الحرج والبحث عن مظلة آمنة قبل ان تفجر آخر ماتملكه من العتاد ،الكتل الفائزة تعيش لحظات أثيرية في الحلم وعندما تصحو تصطدم بواقع أحمر ،الكتل الخاسرة تحتاج الى نهارات اطول لتفريغ شحنات الخيبة تجاه الخصوم .الجالس الوحيد بوقار تلميذ مبتدأ هو الشعب ،لبى نداءات مرجعياتهم الدينية والساسبة والقبلية وخرج للانتخابات ،وماذا يريدون منه اكثر من ذلك وقد انهكته الخيبات مايقارب من عقدين.
المتحركون في بغداد يتمنطقون بعدة خيارات لكنها ليست مطلقة ايضا ،فالوقت يمضي ،والمؤسسات الاممية تراقب ،والمفوضية ترغب بمغادرة مكاتبها والبدء باجازة التقاط الانفاس بعد اكبر ازمة في تاريخها . والتحالفات بين الشركاء والخصوم والخصوم والشركاء والخصوم والخصوم والشركاء والشركاء جميعها لازالت تترنح في مكانها دون اية نتائج تذكر ،بل انها مجرد احاديث تندرج ضمن حوارات مواقع التواصل الاجتماعي وكلام الليل يمحوه النهار.
اربعة محاور رئيسية تمسك خيط الرجاء الاخير في بلاد الرافدين ، التيار الصدري الفائز باكبر عدد من مقاعد البرلمان من جهة ، والاحزاب الشيعية متمثلة بالاطارالتنسيقي الحائزة على ارقام مخجلة في مقاعد البرلمان من جهة اخرى ، يقابلهما الكورد الذي نالوا مقاعد تمكنهم من الجلوس في البرلمان بجدارة كما في جميع الدورات البرلمانية السالفة ،والسنة متمثلين بكتلتي تقدم وعزم اللتان ظفرتا بمقاعد تؤهلهما للمناورة مع جميع الاطراف .
ليس هناك مشهد اكثر تعقيدا من فك تلك الشفرة العصية على الحل ،بين التيار الصدري والاحزاب الشيعية الخاسرة حروب صامتة اقل خسائرها كسر العظم ،وبين الحزب الديموقراطي الكردستاني (الفائز الاول على الاحزاب الكردية ) وبين كتل الاطار التنسيقي رصيد من الخيبات المتراكمة خلال سنوات حكم الاخيرة ،وبين الكورد والصدر توجس من اول تجربة للحكم يمكن ان يتزعمها الاخير ،وبين الكتل السنية وبين كتل الاطار التنسيقي ثمة مشارب مشتركة وخيبات مشتركة وتوجسات مشتركة ايضا .وبين الكورد والسنة وحدهما رغم حضور كل شروط التوافق ،تحالف مستحيل خشية من فقدان الشريك المهم الثالث ،مثل استحالة تحالف الشيعة والكورد دون شريكهما الثالث رغم حضور كل شروط التوافق .
المشهد الذي تمخض عن الانتخابات التشريعية العراقية الاخيرة اكثر قتامة من كل ماسبقه من كوارث ،
المشهد العراقي محاصر بين حلين لاثالث لهما ،النار او الثلث المعطل ، وكلاهما نار.