بعد عقد من اندلاعها، لا تزال أزمة المهاجرين في أوروبا تُعامل على أنها مرض مؤقت، وهو مرض مزعج يمكن علاجه حتى لا يعود. تواصل الحكومات الأوروبية بذل جهودها للحد من تدفق المهاجرين وتمهيد أسس لعودة أولئك الذين يعيشون في الاتحاد الأوروبي كلاجئين. عادة ما يتم تبرير هذه السياسات باعتبارات اقتصادية التي تهيمن بشكل متزايد على جدول الأعمال حيث تتوقع أوروبا الظل البارد الذي تلقيه الحظر المحتمل للنفط والغاز الروسي في فصل الشتاء بسبب الأزمة الأوكرانية.
المهاجرون من سوريا ولبنان والعراق وليبيا والسودان وأفغانستان – القائمة تطول – الذين لجأوا إلى أوروبا على أمل الهروب من الحرب والفقر في وطنهم يواجهون الآن مصيرًا غير مؤكد. إن وضعهم الضعيف وعدم قدرتهم على التغلب على التحديات التي يمثلها الاندماج في مجتمع جديد يضعان المهاجرين في حلقة مفرغة ويؤججان مشاعر كره الأجانب.
ولعل المملكة المتحدة لديها أكثر السياسات مثيرة للجدل بشأن المهاجرين. عندما اندلعت الأزمة السورية، اتُهمت حكومة ديفيد كاميرون بالنفاق لأنها وافقت في السنوات الخمس الأولى من الحرب على دخول 200 لاجئ سوري فقط. تحسن الوضع بعد تطبيق ما يسمى بـ «مخطط اللاجئين» الذي تعهدت المملكة المتحدة بموجبه بقبول 20.000 سوري بحلول عام 2020.
ومع ذلك، بعد وقت قصير من اكتمال المخطط، أعلن رئيس الوزراء بوريس جونسون عن خطة لترحيل السوريين مع المهاجرين من أفغانستان والصومال إلى رواندا في صفقة مصممة خصيصًا بعد آلية مماثلة طورتها إسرائيل. أثارت هذه الخطة الخوف بين اللاجئين وأدت إلى سلسلة من الاحتجاجات العامة. على الرغم من إلغاء الرحلة الأولى إلى الدولة الأفريقية كان من المقرر إجراؤها في 14 يونيو في إشعار اللحظة الأخيرة، تعهدت سلطات المملكة المتحدة بمتابعة الخطة الأصلية.
مثال آخر على سياسة الهجرة غير المتسقة هو قرار الدنمارك بإعادة السوريين إلى عاصمة حكومة بشار الأسد دمشق بغض النظر عن دعم كوبنهاغن للمعارضة السورية وادانة الأسد. مثل ما مبادرة المملكة المتحدة بإعادة المهاجرين إلى رواندا، لم يتم تلقي القرار بشكل جيد. افترضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن مثل هذه الخطوة ستشكل سابقة خطيرة، مما سيؤدي إلى طرد لآلاف اللاجئين السوريين من الدول الغربية.
حتى السويد أكثر مما ميزت نفسها كدولة أكثر ترحيباً حيث أن ما يقرب من 20 بالمئة من سكانها هم من المهاجرين واللاجئين بدأوا في التراجع عن حرية الدخول. تسبب عدم اندماج ثقافي والاجتماعي للمهاجرين في نمو نفوذ الجماعات اليمينية المتطرفة. من جانبها قررت السلطات السويدية بتطبيق قيود إضافية للهجرة. منذ عام 2016، أصبح لم شمل الأسرة أكثر صعوبة ولم تعد الحكومة السويدية تقبل المهاجرين الذين ليس لديهم بطاقات هوية صالحة.
وهناك وضع مماثل في ألمانيا، التي استقبلت على مدى العقد الماضي 3.3 ملايين لاجئ، معظمهم من الشرق الأوسط. الموقف الرسمي للحكومة الألمانية هو أن استضافة المهاجرين مفيدة لألمانيا لأنهم يساهمون في النمو السكاني ويشكلون مصدر للقوى العاملة. في عام 2022، بسطت برلين عملية حصول على الإقامة للمهاجرين. لماذا تم إقرار مشروع القانون الآن فقط؟ فإن الحاجة إلى ذلك كانت موجودة منذ سنوات عديدة. الجواب الواضح هو أن ألمانيا تستضيف حوالي 900000 لاجئ أوكراني وليس من السهل إيواؤهم. يظن بعض المحللين أن برلين تتبع طريق الدول الأوروبية الأخرى في التخلص من اللاجئين الآخرين غير مرغوبين فيهم.
تزعم السوريين الذين يعيشون في ألمانيا أن العديد من المنظمات غير الحكومية تقدم للاجئين السوريين عقود عمل قصيرة الأجل مع وعد بمساعدتهم في الحصول على الجنسية الألمانية عند إتمام العقد. توصف الوظيفة بأنها «الحفاظ على الأمن»، وهي العبارة الغامضة لا تختلف عن العبارات في الأوراق التي وقعها السوريون مع تركيا من أجل إرسالهم للقتال إلى ليبيا وناغورني كاراباخ. يؤكد شخصان اطلعا على العقود أن الوظيفة هي المسافرة إلى الخارج كمرتزق. على الرغم من أنها غير محددة في العقد يقيل أن الوجهة هي أوكرانيا. في حالة واحدة على الأقل، تعرض لاجئ سوري في ألمانيا لتهديدات الترحيل قبل أن اُقترح عليه توقيع مثل هذا عقد كبديل.
هذه المعايير المزدوجة المطبقة على اللاجئين من الشرق الأوسط غير ممثلة بشكل كافٍ في الخطاب العام الألماني. يتجنب السياسيون الألمان التحدث عن هذه القضية أو يؤيدون ضمنيًا استقبال الأوكرانيين الذين يُنظر إليهم على أنهم قادمون من خلفية ثقافية ودينية مشتركة.
بينما يتوقف المسؤولون الألمان عن القول إن العرب غير مرحب بهم، فإن مثل هذه التصريحات يتم الإدلاء بها علنياً من قبل شخصيات سياسية رفيعة المستوى في فرنسا. صرح المرشح الرئاسي اليميني المتطرف إريك زمور على التلفزيون الوطني الفرنسي أنه يجب منح الأوكرانيين تأشيرات دخول إلى فرنسا لأنهم «أقرب من الأوروبيين المسيحيين».
“هناك أشخاص مثلنا وأشخاص يختلفون عنا. الآن الجميع يفهم أن المهاجرين العرب أو المسلمين يختلفون عنا كثيرا وأن دمجهم أصعب وأصعب”.