23 ديسمبر، 2024 1:40 م

لم انم مذ نهار كامل وليلة كاملة، ونهار اليوم ايضا، حتى هذه الساعة من هذا الليل. على الرغم من ان جسدي يدعوني على ان أخذ قسطا من النوم والراحة؛ كنت متعبا تماما، إنما القلق والخوف جعلا النوم، وحتى الاسترخاء على الفراش، بعيدا جدا عني، عندما رن هاتفي. أخافني. لكن عندما نظرت الى الشاشة الصغيرة؛ شعرت بالاطمئنان، فقد كان المتصل جاري، بيته في الجهة الثانية من الشارع العريض، امام بيتي تماما.:- مرحبا اخي عمر، قلت له عندما دست على زر الاتصال، وظهر وجه أخي عمر، جاري المتبسم دوما، إنما الآن؛ كانت ملامح وجهه، تكتظ بالقلق والحزن والاضطراب. اجابني بسرعة، وبصوت مخنوق، ومرتبك :- لا تخرج. أراهم على الرصيف، مجموعة من المسلحين، مدججين بالسلاح، وأنا اتكلم معك. يظهرانهم يتحاورون فيما بينهم، اشاهد احدهم يشير بيده الى باب بيتك، الآن اختفوا. أين ذهبوا؟ :-سألني أو انه سأل نفسه، قلت لي من دون ان اتفوه بكلمة. من ثم اضاف:- لا تغلق الهاتف. انتظر. سأفتح الباب لأرى اين اختفوا؟ بعد ثواني قال:- اخي حسن لقد تجمعوا قبالة باب بيتك تماما. قلت له حين سمعت طرقا قويا على باب بيتي:- اخي عمر انهم بدأوا توا، بالطرق على باب بيتي. اغلقت الهاتف. رن هاتفي مرة اخرى، بعد ثواني، حدقت في شاشة هاتفي، كان المتصل، ايضا جاري. تكلم بتأتأة غريبة عليه، أو على نبرة صوته :– لا تخرج حتى من باب الحديقة الخلفي، ربما كان هناك البعض منهم. من ثم انقطع الخط. دقائق ربما عشرة دقائق او اقل قليلا او اكثر قليلا؛ اتصل بي عمر مرة ثالثة، قائلا :– اتصلت بأبني، من حسن الحظ كان في البيت. طلبت منه ان يخرج الى الشارع الفرعي، وراء بيتك، كما تعلم ان بيته امام باب حديقة بيتك، يفصل بينهما الشارع الفرعي. قلت له:- اخبرني بسرعة ان كان هناك احد، قبالة باب الحديقة الخلفي لبيت عمك حسن. اخبرني في التو، ابني سعد؛ ان البعض منهم ايضا، كانوا هناك، قبالة باب الحديقة. احترس منهم جدا. في هذه الاثناء، كانت الطرقات المتواصلة، قد اشتدت على باب سياج بيتي، ومن ثم، تاليا، تواصل الطرق بلا ادنى توقف، وبقوة اقوى واشد، اشعرني بالارتباك والخوف. في اللحظة التالية سمعت اصوات اقدامهم على ارضية المدخل. وضعت الهاتف في جيب بناطلي. قلت مع نفسي:- انهم سوف يكسرون باب البيت حتما. وانا اخرج من البيت الى الحديقة التي تقع في الفضاء الخلفي للبيت. تعثرت قدماي بالكنبة، فقد كانت الانوار مطفأة، اطفأتها عندما بدأوا الطرق على الباب. ترنحت ومن ثم سقطت على وجهي. نهضت بسرعة. في اقل كثيرا، من ربع الدقيقة؛ كنت هناك في الحديقة. :- انها كانت يوما ما حديقة. كنت اقول لنفسي، عندما وقفت بين النخلتين السامقتين، الحيز بينهما؛ مكتظ بالردي والقصب، ارتفاعهما وكثفتهما، حجبا اشجار وشجيرات الحديقة عن الرؤية، الا النخيلتين السامقتين. دخلت الى الأكمة. بركت على ركبتيَ، بين النخلتين السامقتين اللتان تحيط بهما عدة نخلات ارتفاعهما اكثر قليلا من قامتي، بالإضافة الى القصب والبردي النابت بينهما والملتف حولهما. من ثم في اللحظة التالية؛ حشرت جسدي بين البردي والقصب، متكأً الى جزع احدى النخلتين السامقتين، مختفيا تماما. قلت لنفسي:- من الصعوبة عليهم ان يعثروا عليَ حتى ولو فتشوا الحديقة كلها او هذه الأكمة شبرا شبرا. في هذه الاثناء كانوا قد دخلوا البيت. اسمع صياحهم:- اين ذهب؟ واخر يقول:- انه حتما هناك في الحديقة. رد عليه أخر:- لا يمكن له ان ينجو فقد طوق رجالنا البيت من الجهتين. أخذت احشر جسدي اكثر واكثر، في الحيز الذي لا يكاد يسع لجسد انسان، إنما انا تمكنت من ان اضغط فيه كلي. لم يظهر مني الا عيوني التي اخذت بها؛ انظر من بين الفجوات التي لا تتسع لأصبع اليد؛ منتظرا مجيئهم، أذ، ليس هناك امامي من اختيارات متعددة غير هذا الاختيار. أخذت ادعو بكلمات لا تخرج من فاهِ؛ ان ينقذني الله منهم. قلت لنفسي:- ان اهمالي للحديقة ولعدة سنوات، حتى توزعت الأكمات بين جنباتها؛ وفر ملاذا لي.. “مذ فتحت عيوني على الحياة، قبل اكثر من ثلاثة عقود؛ كانت هذه الحديقة موجودة وراء البيت الفخم والواسع جدا، وهي كانت الجزء المكمل له. تناهى أليَ وقع اقدامهم بين الاشجار والقصب والبردي. تأكدت من انهم حرصوا ان لا يصدر منهم أي صوت. تمتمت:- يبدوا انهم يتهامسون، حتى تحركاتهم كانت وئيده. تكورت على جسدي، صرت كما الكرة، خائفا ومرعوبا، بين أكمة من الاشجار والنخيل والشجيرات الأخرى والقصب والبردي، في ظلام ليل مخيف. في هذه الثواني، تملكني الخوف؛ من ان يطالني الموت بعد دقيقة او دقائق ربما، والأمر والأدهى، لا اعرف حتما حين اقتل من قتلني. كنت في هذه اللحظة افكر في الذي ينتظرني من مصير رأيت انه محسوما. انظر الى هذه الأكمة التي هي جزء من الحديقة الواسعة التي كانت ذات يوم غناء، كما بقية الأكمات. عندما كنت طفلا ألعب بين نخيلها واشجارها، وحتى حين اصبحت صبيا وشابا. أما بعد ذاك الزمن، قبل سنوات؛ توزعت بين زواياها وحتى في وسطها؛ الأكمات. كنت خلال تلك السنوات؛ قد اهملتها بسبب حزني وألمي على رحيل ابي، ورحيل امي قبل بسنة او بأقل من سنة، حتى تحولت على ماهي عليه في الوقت الحاضر. حين كان ابوي يتمتع في ذاك الوقت بالصحة والقوة البدنية والحيوية، قبل تقدمه بالعمر، وشعوره بالوحدة على الرغم من وجودي الى جانبه الذي لم يعوضه لفقدانه لأمي، وما فعلته الامراض في جسده، حتى اصبح لا يتمكن من ان يخدم نفسه بنفسه، الى أن رحل الى جوار رب كريم ذات ليلة بعيدة، قبل عدة سنوات. كان قبل ان تفتك الامراض به، في فترات متقاربة، بين اسبوع واخر؛ يقوم بتنظيف الحديقة هذه؛ بقلع القصب والبردي من جذوريهما. بعد موته، قبل عدة سنوات؛ تحولت في اغلب اوقات النهار وكل الليل؛ مرتعا وملاذا للكلاب والقطط وحتى الجرذان وربما الافاعي. اسمع منها، في الليل نباح الكلاب ومواء القطط ووصوصة الجرذان من بين القصب والبردي والشجيرات الصغيرة الأخرى؛ التي شكلت بمجموعها؛ مجموعة من الأكمات، خلف البيت، وليست كما كانت في زمن ازدهارها حديقة جميلة جدا، ومناظرها أخاذه بما فيها من اشجار ونخيل، جرى ترتيبها وزراعتها بإنساق مستقيمة، بينها ممرات مرصوفة بالحجر. صار وجودها، قبل سنوات؛ يبعث في نفسي الخوف منها، او مما فيها من كائنات الليل التي جبلت نفسي على الخوف منها، كالأفاعي او غيرها..” دفعت جسدي عميقا بين جذور سيقان القصب والبردي، الى جذع النخلة السامقة، التي اتخذت من جذعها متكأ لي. دمدمت:- وحيدا أنا، في هذا الليل المشحون بالخوف والرهبة والرعب. نظرت متأملا السماء التي تومض فيها النجوم، مما جعل العتمة تنجلي عن سمتها، في هذه الساعة من الليل؛ الى الدرجة التي ظهر بها وفيها سعف النخيلتين وقلبهما، مرئيا بما فيه الكفاية التي بها؛ رأيت افعوان، بدأ بالنزول من قبلها. أخذت انصت الى صمت السكون هذا، خائفا ومترقبا الي اين يتجه هذا الافعوان. انقطع هذا الصمت والسكون، عندما اقتربوا مني. بدأوا بالتفتيش عني بين النخلتين وحولهما. حركت جسدي، مرعوبا، بهدوء تام كي لا تصدر من حركتي هذه، حتى لو نأمة؛ بحشر جسدي اكثر واكثر بين القصب والبردي، مقتعدا على عجيزتي وعيناي تنظران الى جذع النخلة، متابعا نزول الافعوان، وفي الوقت ذاته انصت الى تحركاتهم على مبعدة اشبار عني. تأملت مرة اخرى، اعماق السماء البعيدة، المرصعة بمصابيح الله. فحيح افاعي على مقربة مني، نباح كلاب في البعيد. تأكدت من أن الافعوان لم يكن وحده، فقد كان هناك افاعي كثيرة، عندما تناهي لي كم هائل من الفحيح. استسلمت لمشيئة الله. لم يكن في امكاني ان اعمل أي شيء، أو أفعل أي فعل يخرجني حيا من هنا. لم ار عددهم. إنما تحركاتهم تشير بان عددهم لم يكن قليلا. اخذت عيناي تتجول بين نجوم السماء التي بدت رمادية، اقرب الى السواد. دخل احدهم الى العرين الذي كنت مختفيا فيه. سلط المصباح الذي كان يحمله بيده عليَ، أو على القصب والبردي الذي كنت قد لبدت فيه، في الحقيقة دفنت تماما؛ جسدي فيه. ثم في اللحظة التالية؛ بدأ بفتح حزم القصب والبردي، ووجه ضوء المصباح من بين الفجوات التي فتحها بيده الأخرى نحو المكان الذي غرت بكامل جسدي، فيه كما الميت، لم يظهر مني حتى لو فروة رأسي. وجدتني ارتجف من الخوف، إنما لم أأتي باي حركة، حتى تنفسي بسبب الخوف، سيطرت عليه، أي لم ادع تنفسي يغلبني، ويتحول الى تنفس مسموع. كنت اقرب الى الميت مني الى الحي؛ حين صرخ الذي كان يبحث عني، مستعينا بضوء المصباح، على مقربة مني، شبران، وربما اقل، تفصله عن الامساك بي؛ كي يقتلني. سمعت حشرجة الغضب في تنفسه. لكنه لم يرِني. كان مستمرا في تحريك ضوء المصباح في عدة اتجاهات عندما صرخ :- افعوان قرصني. حدثت جلبة بينهم واضطراب وفوضى. سمعت احدهم يقول:- دعونا نخرج، حتى نقوم بإسعاف…لم اسمع اسمه. من ثم حل، بعد خروجهم؛ السكون على الحديقة، وعلى الأكمة بالذات، التي اتخذت منها درعا يحميني منهم. الافعوان عندما انتبهت الى وجوده على مقربة شبر مني؛ وجدته، يتلمظ بلسانه، ويحرك رأسه يمنة ويسرة، ثم اخذ يتلوى واقفا، كأنه يرقص. لكنه، عندما سلطت عيوني عليه، انسحب ودخل في بطن القصب والبردي الملتف حول شجيرة قريبة من النخلة السامقة. شعرت بالأمان، وبالدفء، وبالسلام. اعتدلت في جلستي، بين القصب والبردي. استرخيت تماما. تنفست بعمق.. ” تدفقت اقوال صديقي وجاري عمر من خزين ذاكرتي القريبة جدا بأحداثها، من القطع الاخير من هذا الليل، بصوته المملوء دفئا وحبا وقلقا على حياتي وسلامتي منهم؛ قال لي :- عليك ان تغادر بأسرع وقت، في الليل قبل النهار. عندها حضرت امامي جميع تحذيراته وتنبيهاته.. فقد كان يقول لي في كل مرة التقيه في هذه الايام، الايام الأخيرة، وتحديدا من ثلاثة ايام مضت :- اخي حسن غادر… ظل يكرر ويعيد تحذيراته في كل مساء لثلاثة اماسي، انما في مساء اليوم الذي سبق هذا اليوم، كرر واعاد ما قاله لي قبل يوم، في مساء هذا اليوم، قبل ساعات؛ لح عليَ بقوة، اكثر قوة واصرارا من ذي قبل. الشيء الذي جعلني، اهتم بالأمر، واتفكر مما قاله صديقي، بجدية وتمعن في الذي أنا فيه، من خطر على حياتي؛ كان حين تحدث معي في هذا المساء، المساء الذي انقضى، قبل عدة ساعات من الآن، شاحبا وكان يختض وهو يتكلم ويحثني على المغادرة. مما جعلني اعد العدة بالرحيل في الصباح الذي سوف يحل عليَ قريبا.” حاولت ان انهض واغادر الأكمة، لكن جسدي لم يساعدني. فقد كنت متعبا ومنهكا. عيناي اغمضتا على الرغم مني. جاهدت فتحهما، لم افلح فقد كان الوسن شديد الوطأة على جسدي… اطبقتهما بإرادتي، فليس عندي من اختيار امام قوة انطباق اجفان عينيَ. وضعت رأسي، وأنا في جلستي، على جذع النخلة السامقة، متخذا منها وسادة لرأسي المثقل بالسهاد والتعب والخوف والحزن والألم… “ركضت الصور بين تلافيف دماغي، في البداية كانت الصورة شبحية، غير واضحة، صاحًبها صوتا مشوشة غير مفهوم في البدء، لكنه الصورة وصوتها، تاليا، صارتا واضحتين بما فيه الكفاية؛ لذا تعرفت على صاحب الوجه وصوته بالكامل؛ انه ابي، سمعت صوت نداءه:- ألم تستيقظ بعد من نوم القيلولة، فقد حل المساء. قلت له:- أنا لم انم يا ابي، كنت اقرأ. عندما دخلت الى الصالة، وقفت في وسطها، ناظرا الى ابي وامي. قالت امي:- تعال اجلس بيننا. اخذت مكاني قبالتهم، وليس بينهم كما طلبت امي مني. اقترب ابي مني، جلس الى جانبي، ونحن نشرب الشاي، امي غادرت الصالة، بعد ان وضعت امام ابي وامامي على المنضدة استاكنين من الشاي. قال:- لا تنشغل بقراءة الكتب كثيرا. اعط الجزء الاهم من وقتك الى حياتك، رتب امورك بعيدا عن صخب المواجهات مع الاخرين. ابتعد قدر استطاعتك عن مناطق الاحتكاك. لم اقل له كلمة، كنت الوذ، او احتمي بالصمت من طوق الحصار الذي يريد ابي ان يفرضه عليَ، بدافع هاجس الخوف على حياتي ومستقبلي. كنت اقدر هذا الحرص من ابي عليَ، في داخلي تقديرا كبيرا، انما وفي ذات الوقت، لا يمكن لي؛ ان اترك ما ارى انه طريقا، اعثر فيه، على نفسي وكياني.” فززتني خشخشة على مقربة مني. عيناي لم تزلا مغمضتين على الرغم مني، حاولت فتحهما، لم تستجابا كما قبل دقائق. من ثم فركتهما بقوة حتى اني شعرت بألم في داخلهما. وجدتني اصحو قليلا او هكذا تصورتني، إنما لم ازل لا اقوى على النهوض والمغادرة. لذا، أخذت انصت الى سكون الليل في الخارج ووحشة البيت على بعد امتار عني. كنت منهكا جدا، ومتعبا، وقلقا، ومضطربا، وجسدي استمر في خذلاني، لذا تمددت على ظهري هذه المرة، انظر الى جذع النخلة القريب جدا مني، شبران لا اكثر؛ مسترجعا ما جرى لي قبل دقائق، في هذه الساعة من هذا الليل المحمل بالكثير من الشك والريبة في الذي يحمله لي من مخاطر على حياتي، ولا اعرف من اين تجيء، أو من هم هؤلاء الذين، كانوا قبل دقائق يمسكون بأيدهم اداة قتلي… “سمعت صوت ابي ونواح امي، كان صوت ابي حزينا وباكيا، كما لم اره في حياتي، او في حياته حين كان يعيش معي، في هذا البيت؛ باكيا بهذه الدرجة العميقة من الشجن، بتناغم مخيف مع ندب امي الذي فطر قلبي. اخذت افتر في غرف البيت، واتوقف، وأنا احدق مليا في صور ابي وامي، فقد كان في الصالة عدة صور لهما وحدهما، وهناك صور اخرى كثيرة تضمني معهم. تسمرت امام صورة لنا نحن العائلة الصغيرة؛ كانت الصورة قد اخذتها لهما، قبل رحيلهما، او قبل رحيل امي بسنة ورحيل ابي بعدها. كنت في وقتها، رجلا، وكانا في سنوات ما بعد خريف العمر. تناهي لي من الصورة اومن بعيد، او من جوف هذا الليل، او من جدران هذا البيت، فلم اعد اعلم على وجه اليقين من اي جهة او مكان كان يأتيني صوت ابي، وهو يقول: ألم اقل لك، ابتعد عن الخطر، ألم اقل لك ايضا؛ تزوج. لكنك لم تبتعد عن مكامن الخطر، ولم تتزوج، وها انت تقف وحيدا، وخائفا، وحياتك مهددة، ان لم تستعجل الهروب من الموت الذي، ربما في انتظارك وراء الباب، او في ناصية الشارع. بحلقت في المكتبة الصغيرة، خاصة ابي؛ كانت تضم عدد من الكتب. هناك، في الزاوية من المكتبة دفتر من النوع المتوسط، كان ابي يكتب فيه، مذكراته، او شيء من هذا القبيل. فقد كنت حريصا على المكتبة كونها، تجعل منه؛ حيا يعيش معي. بدأت اقلب في صفحات الدفتر لا على التعين، اقلب في اوراقه كيفما اتفق. تسمرت عيناي امام احد الصفحات، جذب انتباهي، العنوان الذي تصدر الصفحة: الخراب سيحل على الوطن، في المقبل من الزمن. قرأت الصفحة حتى وصلت الى نهايتها، او الى الجملة التي ختم بها ابي؛ رؤيته:- امريكا تهندس الخراب.. اغلقت الدفتر، ومن ثم وضعته في مكانه في المكتبة. اغلقت باب الصالة، وتحركت اجر خطوي بأسى، شلني ومزق روحي. نظرت الى الليل والظلام من الباب الخلفي الذي ينفتح على الحديقة المهجورة من زمن بعيد. فتحت الباب الخلفي.” جفلت مرعوبا. فتحت عينيَ. فركتهما بكلتا راحتيَ. كان قرص الشمس الاصفر، قد ظهر وراء غيوم تتحرك ببطء. تجولت عيناي على النخيل والاشجار والقصب والبردي؛ كان هناك، على مقربة اشبار عني، افعوان ينظرني. ازيز مروحية امريكية، من نوع بلاك هوك، تدور فوق هامات النخيل، ارعبت العصافير والحمام، في قلب الاشجار والنخيل، لتحدث فوضى اضطراب، من جراء هذا الرعب.