18 ديسمبر، 2024 8:35 م

خواطر سيارات الفولكا

خواطر سيارات الفولكا

الفولكا نهر في روسيا ، ونعرفهُ في العراق أحد موديلات سيارة روسية استوردها العراق في عام 1970 ووقتها كانت تسمى ( البعيرة ) كون كان تصميمها بسقف محدودب ومنفوخ .وابتداءً من موديل 1974 ابتدأت بتصميمها الجديد وشكلها المعروف هذا ، فنسي العالم البعيرة وظل اسم فولكا ملتصقا بذاكرة العراقيين لأنها عاشت معهم سني الحروب والحصار والمحن واعانتهم كثيرا.
مدينة الناصرية 360 كم جنوب بغداد كانت زاخرةً بهذا النوع من السيارات ، وبسبب متانتها وثقلها كانت البلدية تكرهها جدا لأنها تحملها مسؤولية تخريب شوارع الأسفلت وعمل الحفر والمطبات .لكن الناس كانت تعشق خدمات الفولكا اكثر من خدمات البلدية لقوة حديدها وسعتها وهي الوحيدة التي توصلهم الى مقاصدهم وكذلك توصل زائري اضرحة السادة والاولياء وتمخر عباب البساتين والطرق المتربة ومستنقعات الاهوار لتوصل الفقراء مع نذورهم واحلامهم البريئة وكذلك كان معلمو المدارس الريفية من سكنة المدينة يعتبرونها الوحيدة القادرة على تحملهم ماديا ومعنويا نظرا لسعتها واجرتها القليلة. وكان سواقها لا يتوانون عن جعل ركابها عشرة افراد في حين أن المصمم لها خمسة نفرات اضافة الى السائق ، ولا اعرف كيف يتم حشر هؤلاء الركاب العشرة دون أن ( تتضعضع ) اضلاعهم او يختنقوا وحين يصل السائق الى محطته الاخيرة ينزل الركاب بكامل اريحتهم وكأنهم نازلين من طائرة اير ــ باص وليس من قبو ضيق.
كانت مرجعية السيارات الفولكا اغلبها في الناصرية حتى ادواتها الاحتياطية متوفرة فيها .فيما اشتهرت النجف بسيارات الفولفو .والحلة بسيارات اللادا الروسية ، فيما ابقت البصرة ريادتها بالاحتفاظ بسيارات الدوج الخشبية من موديلات الاربعينيات والخمسينيات عاملة في خطوطها الداخلية حتى اليوم ومنها السيارات الخشبية الكبيرة والتي تسمى ( دك النجف ) . حيث اختص الحي الصناعي في مدينة النجف بصيانتها وصناعة ابدانها الخشبية ومنها موديلات لسيارات الفولفو السويدية.
صبرت سيارات الفولكا مع صبر العراقيين وعاشت معهم كل شغف الحياة . وفي الثمانينات عندما كانت نشيطة ولم تهرم كما في تسعينيات القرن الماضي . وقد ذرفت انهارا من الدموع مع نحيب العراقيين وهي تنقل فوق قمارتها نعوش شهداء حروب العراق ، وهي السيارة الوحيدة في عالم السيارات منذ فورد وشيفروليه وحتى الهمر والتويوتا والبورش من تكيفت مع التحويرات التي أدخلت عليها لتلائم البلد المحاصر وعن طيب خاطر من أجل أن تعين الناس في حياتهم بعد ان مُنع على العراق ان يستورد أي ماكنة حيث سمح له ان يستورد الغذاء فقط ، واي ادوات احتياطية يحتاجها يتدبرها من سكراب أعوام الرخاء السبعينية او من مقابر السيارات المتضررة في الحروب واغلبها سيارات الايفا الالمانية الشرقية والواز والزيل والكاز 66 والأورال الروسي والداك الروماني . حتى وصل الامر عند بعض السواق أن جعلوا هذه السيارات الصبورة تتعود على زيت الطعام بدلا من زيت المحركات لتمشي .
تذكرت هذه السيارة الطيبة والمحصنة ضد كل دلال العولمة وكماليات التبريد والدفع الرباعي والكراسي المخملية وشاشات المرئية والفول أوتوماتيك وانا اقرا عشرات المقالات التي كتبت عن سيارات النواب المصفحة التي تُشترى لهم من موازنة الشعب ونفطه.
واعتقد أن الامر حُملَ اكثر من وزنه وأعطوه قيمة مدفوعة الثمن بإيعاز من بعض المشاركين في العملية السياسية لأثارة الناس بهامش صغير من الم أكبر لينسى الناس ضحاياها المقتولة بغدر الكواتم والمفخخات ، بنقص الخدمات ، بمليارات الدولارات التي لا يعرف حتى البنتاغون ولجان النزاهة والرقابة المالية اين ذهبت وعلى أي بند تم صرفها .
ولم نرَ غير ( عجاجة ) السيارات المصفحة التي صوت من اجلها الكل وفي نفس الوقت تبرأ منها الكل في مشاهد ساخرة شعر فيها النواب أن هذا الامر هو حد السيف في مصداقيتهم واهتزوا فيه كثيرا بينما كانت هناك مواقف اكثر حراجة من تلك السيارات الميكانو لم تحرجهم . وكان عليهم ان يُفهموا الناس ان هذه السيارات المصفحة ليست بالأمر النادر في ليل وشوارع ونزهات بغداد ، فرئيس البرلمان لديه منها ووزراء الدولة لديهم والوكلاء والمدراء العامين ووكلائهم وبعض موظفي الدرجات الخاصة وابناء بعض المسؤولين والكثير من النواب لديهم هذه السيارات التي اعطي لها سعرا مبالغا 160 الف دولار فيما الصين تبيع الواحدة بذات المواصفات الامريكية ب( سبع دفاتر ) يعني سبعين الف دولار.
إذن الامر كله من بعضِ كوميديا اليوم العراقي الساخر .اللعب بمشاعر الناس .الضحك على الذقون .استخفال البساطة الوطنية وشيمتها واختراع هكذا بند في الموازنة ثم تحريك الناس ضده من اجل اجندة لكتلة ما ويكون الضحية الرأي العام وهذا العراقي الذي تشفع له دمعته وابتسامته امام المرايا حين يحصي كم مرة يُخدعَ في اليوم من خلال برنامج الفضائيات ومؤتمراتها ومناظراتها وقنواتها الرسمية والحزبية والمنوعاتية.
لا أريد ان اترحم على سيارات الفولكا ولكني امدح طيبتها ومتانتها وشيمتها لأنها حمت العراقيين واوصلتهم الى شاطئ لم يبيعوا ثمن الوصول اليه اثداءهم وثيابهم . فقط هم باعوا طيبة قلوبهم ونقاءهم الى وجوه ارادوا ان يتحصنوا بها من كل ما كان يعانوه ومازالوا يعانون منهم .ولكنهم قد يشعرون بخذلان من هذه الوجوه التي قد اتت من المريخ وصوتت من اجل شراء السيارات المفخخة ………!