19 ديسمبر، 2024 11:34 م

تحدثت لي سيدة عراقية مرة وهي تعقب على أيام عمل والدها معلما في مدارس الاهوار ، ذات يوم تم اعتقال والدها في سبعينات القرن الماضي بتهمة الانتماء الى حزب ديني ، وعندما فتشوه وجدوا في جيوبه صورة للمطربة احلام وهبي الذي كان يعشق صوتها وابتسامتها وغنجها الانثوي الجميل وهي تؤدي الاغنيات بالأسود والابيض على شاشة التلفاز.

أحلام وهبي أيضا كانت ملهمة اقدم معلم في مدرستنا وكان هذا المعلم عازبا ومضربا عن الزواج ومن الذين يهتمون بهندامهم بصورة عجيبة بالرغم أن بيئة الاهوار التي نعيش فيها كمعلمين لا تحتاج الى بدلة الافندي و( الباينباغ ) الأحمر ، فمرات يداوم المعلمون بالدشاديش بالرغم من اعتراض المدير ورفضه ذلك ، ولكنهم يتحججون بالمطر والوحل الذي لصق ببدلاتهم الوحيدة ، هذا المعلم كان يضع صورتها بين الكتب التي يقرأها ، ويقول أن صوتها البغدادي الشهي يمنحني القناعة ان العواصم وحدها تصلح لأناقتي وربما قرب اجد فرصة لأرى ملهمتي احلام حين اجلس في واحدة من مقاهي الصالحية وانتظر طلتها واقفز اليها متخليا عن أي وقار وسأقول لها : وقعي لي على دفتر خواطري ، فكلها مكتوبة اليكَ.

أحلام وهبي المولودة (1938) من المطربات العراقيات اللواتي أبدعن في الأغنية البغدادية في زمن ازدهارها. اسمها الحقيقي (سهام) ولدت في البصرة وعاشت في بغداد، وهي ابنة الفنانة الكبيرة منيرة الهوزوز التي عاصرة زكية جورج وسليمة مراد وعاشت العصر الذهبي للألحان الملحن العراقي اليهودي صالح الكويتي . وكوالدتها امتازت بصوت مميز لا يشعر من يسمعه سوى بالألفة إذ امتازت بصوتها الجميل.

هذا الموجز يذكره صديقنا كلما أراد التفاخر بمطربته المفضلة فيما كان اغلب المعلمين تسكن قاع مدن الحنين لديهم أغان اخرى هي اكثر قربا لعاطفة البشر عندما نهرب عن عاشق احلام وهبي بأغنياتها الخفيفة التي لا تطرب ذاكرة المعدان ومزاجهم مثلما يفعل سلمان المنكوب ونسيم عودة وعبد الزهرة مناتي وناصر حكيم .

لكنه يصر على أن يعيش غنجها الغنائي وبحتها البغدادية وكأنه يعتقد أن احلام وهبي وحدها من تستطيع ان تحمل اليه نشوة السماع ونسيان لسع ( الحرمس ) في ليالي الصيف ونحن نشاهده يهز اكتافه في نشوة ثم يكتب في دفتر خواطر رسائل ود سري ربما يعنونها اليها وربما لا يعنونها لأنه يعلم أن المكاتيب القادمة من الاهوار سوف لن تلتفت اليها ثقافة العاصمة ومطربتها التي تعتمد على ابتسامتها وحركت كتفيها .

اليوم لا أحد يتذكر أحلام وهبي ، فالجيل الذي كانت تسحره شاشة الابيض والاسود والاغاني البغدادية الخفيفة التي تتحدث عن الجفاء والغرام لم تعد له ذائقة هذا الطرب الذي صُمم وكتب ولحن لتلك الرومانسيات التي بَهُتَ سحرها مع تطور العولمة ووسائل الاتصال .

ولكن ذلك الذي عشق صوت احلام وهبي واغراءات صوتها المغري لجوانحه ظل وفيا لملهمته.

وحين سألت عنه بعد كل هذه السنين قالوا :هو اليوم متقاعد ، وقد اختار لعمره قبل أن يتقاعد شريكة هي معلمة ارملة كانت معه في نفس المدرسة يوم تم نقله من مدرستنا الى مركز الناصرية والغريب أن اسم المعلمة هو : أحلام . وربما بسبب هذا الاسم الذي يذكره بصوت أحلام وهبي قرر أن يغادر العزوبية ويتزوج….!

أحدث المقالات

أحدث المقالات