سنحت لي فرصة اللقاء مع د. خليل عبد العزيز في موسكو اثناء مشاركته بالذكرى الخمسين لتخرّج دفعته من كلية الصحافة بجامعة موسكو , اذ نظمت كلية الصحافة احتفالية طريفة تكريما لخريجي هذه السنة الدراسية 2018 ولخريجي سنة 1968 , وكان د. خليل من ضمنهم آنذاك , والذي وصل خصيصا من السويد للمشاركة في هذه الاحتفالية الجميلة, ورغم ضيق وقته جدا ومحدوديته, الا اننا استطعنا ان نلتقي كي ندردش ( ولو قليلا) , ولكن هذه الدردشة (القليلة!) امتدت خمس ساعات بالتمام والكمال , وتشعبت الى العديد من المواضيع , ولهذا فاننا كنّا ننتقل من موضوع الى آخر ( بسرعة البرق!) كي نكسب الوقت . كان الهدف الاول من هذا اللقاء السريع هو (استلام وتسليم !) كتبنا الى بعضنا البعض , فهو اراد ان يهديني كتابه ( محطات من حياتي ) وأنا اردت ان اهديه اصدارات دار نوّار للنشر ( المعجم الروسي – العربي للامثال الروسية , وأمثال شرقية مترجمة عن الروسية , ودليل بلدان العالم بخمس لغات , ودفاتر الادب الروسي 1 , ودفاتر الادب الروسي 2) , وعن هذه الكتب بدأ (حديثنا السريع هذا!) , اذ قال لي د. خليل ان أحد قراء كتابه أخبره بضرورة ان تكون مقالتي حول د. خليل ( عراقيون مرّوا بموسكو) في بداية كتابه وليس في نهايته كما جاء في الكتاب, لأنها تشرح للقارئ من هو مؤلف كتاب (محطات في حياتي) , ولكني ضحكت وقلت له ان القارئ يجب ان يطّلع اولا على مضمون الكتاب ثم يتعرّف بعدئذ على كاتبه . اضاف د. خليل , ان احد القراء كان معجبا بتسميتي له في مقالتي تلك ب ( ابو يعكوب ) أذ كان اسمه عندما كنّا ندرس في جامعة موسكو بالستينات – ( يوسف الياس) وليس ( خليل عبد العزيز ), فحكى لي كيف ان السفير العراقي بموسكو آنذاك شاذل طاقة دعاهم مرة الى السفارة وأخبرهم ان الدولة العراقية سمحت بتزويدهم بجوازات سفر , ولكن القنصل العراقي أخبر السفير , انه مدّد قبل اسبوع ليس الا جواز سفر المواطن ( يوسف الياس) لصاحب صورة المواطن ( خليل عبد العزيز) هذا . احتار السفير (والقنصل ايضا ) بهذه المشكلة او (الورطة!) , وقرر السفير عندئذ ان يسحب جواز سفر ( يوسف الياس) ويمنحه جواز سفر ( خليل عبد العزيز ) , فرفض خليل تسليم جوازه السابق , وبعد مناوشات طريفة بينهما ( كانا يعرفان بعضهما من ايام الموصل في العهد الملكي, اذ كان شاذل مدرّسا وخليل تلميذا , وكان خليل يزوده بجريدة الحزب الشيوعي , بل اراد مرة حتى ان يكسبه صديقا للحزب, ولكن شاذل رفض ذلك رغم انه كان يستلم منه جريدة الحزب بكل سرور وحماس وقال له ان هذا الطريق لن يؤدي الى نتائج , وعندما التقيا اول مرّة بموسكو قال شاذل لخليل ضاحكا وباللهجة المصلاوية ( كي يذكّره بما مضى طبعا) – أنا الان السفير وانت لا زلت طالبا ! ) , وهكذا – وبعد التي واللتيا – وصلا الى حل وسط لهذه المشكلة وهو , ان يطّلع السفير على جواز سفر يوسف الياس ثم يعيده له ويسلّم له جواز السفر الجديد باسم (خليل عبد العزيز) , وقد تم ذلك فعلا , فسألته ضاحكا , وماذا قال السفير عندما اطلع على جواز ( يوسف الياس)؟ فأجاب خليل – لقد مدح شاذل (طريقة تدبير!) الحزب الشيوعي الدقيقة لهذا الجواز , ثم اوضح خليل لي , ان هذا الجواز كان حقيقيا وباسم ذلك الشخص فعلا , وان الحزب استطاع (الحصول!) على مجموعة من الجوازات الصحيحة ولكنه أبدل صور اصحابها الحقيقيين بصور اعضاء الحزب ( وتم وضع ختم دائرة السفر على الصور الجديدة بواسطة قطعة بطاطا تتنّقل من الصورة الاصلية الى الصورة الملصقة جديدا !!!) الاعضاء الذين يريد الحزب تهريبهم وتسفيرهم الى خارج العراق نتيجة لظروفهم السياسية , وكان هو واحدا منهم ( اذ كان محكوما بالاعدام) , وهكذا تمكن خليل من السفر بشكل رسمي من مطار بغداد. وقد حكى خليل لي قصة طريفة ترتبط بهذه المسألة , اذ انه قرأ مرّة في احدى الصحف البغدادية بيانا من مواطن عراقي اسمه ( يوسف الياس ) يعلن فيه , ان المقالات السياسية التي كانت تنشرها مجلات وكالة انباء نوفستي السوفيتية باسم ( يوسف الياس) لا علاقة له بها لا من قريب ولا من بعيد.
انتقلنا بعدئذ الى الحديث عن مواضيع مهمة وكبيرة بل وخطيرة ايضا , ترتبط بتاريخ العرا ق المعاصر ومسيرة الاحداث فيه, وهي عديدة ومتشعبة جدا ولا يمكن تلخيصها ببضع كلمات او جمل ليس الا, وتتطلب مقالات خاصة وتفصيلية حولها , منهاعلى سبيل المثال وليس الحصر – كيف اطلق طارق عزيز على خليل تسمية – ( عميل سوفيتي ) عندما استقبله في مكتبه في وزارة الاعلام ببغداد للحديث حول مهرجان الفارابي , وماذا كانت ردود فعله تجاه ما قاله طارق عزيز له , او , كيف كان جواب خليل على سؤالي له حول ما ذكره د. سعد العبيدي في روايته الموسومة (حفل رئاسي ) (وهي رواية حول احداث مجزرة قاعة الخلد عام 1979) بشأن برقية ارسلها بريجنيف من موسكو الى السفير العراقي مرتضى سعيد الحديثي في مدريد يحذره فيها من العودة الى بغداد ويدعوه للرجوع ضيفا في موسكو , حيث كان سفيرا للعراق , او , لماذا قال زيوغانوف ( سكرتير الحزب الشيوعي الروسي حاليا) له , عندما شاهده في مجلس الدوما بموسكو قبل فترة ليست بالبعيدة– لقد كنت يا يوسف شيوعيا في موسكو , فلماذا اصبحت عميلا للامريكان الان ؟ و..و.. و..