القسم الأول
لم يكن الطريق طويلا ونحن نغادر بيروت الجميلة باتجاه دمشق فال (45 كلم) لتصل الى الحدود السورية هي ذاتها منذ ان انشئ هذا الطريق عام 1857 عبر شركة فرنسية خاصة والبالغ 112طولة كم، لتصل الى دمشق .وهو يربط دمشق بريفها الغربي ولبنان، كما يربط مدينة بيروت بالبقاع والمناطق الشرقية من البلاد؛ وتعتبر نقطة المصنع الحدودية، هي الحد الفاصل بين الجزء السوري من الطريق، والجزء اللبناني.كان الطريق جميلا ومزهوا بالمساحات الخضراء والمباني الجميلة التي يزين سطوحها القرميد الأحمر وصوت فيروز من مسجلة الباص السياحي الذي يقلنا.وطوال الطريق كان سائقنا مسعد يتحدث لي عن خلو الطريق من السواح والزوار الخليجين وسياراتهم والتي كان يكتظ بها الطريق قبل ان يصنف حزب الله (ظلما) كمنظمة ارهابية وتشنج العلاقات السورية واللبنانية مع دول الخليج .كانت كلمة (يعطيك العافية ) مفتاحا سحريا لسبعة سيطرات للجيش اللبناني لنصل الى منفذ المصنع الحدودي .واشد مالفت النظر فيها هي انضباط وقيافة الجيش اللبناني ووجوههم الجميلة وأيمائتهم للسائقين دون كلمات او تشديد .حتى ان المطبات الإسفلتية التي وضعت وصنعت بعناية وبيسر وسهولة ذكرتني بمطبات سيطراتنا العراقية العبثية ومعاناة السائقين من ارتفاعها. ولم تكن ساعه من الزمن طويلة لكي نملئ استمارة البيانات التي يجب على مغادري لبنان تنظيمها .حتى دخولنا المنطقة الحرة والتي تقدر ب3 كم وهي منطقة تبادل تجاري بين البلدين . ويتواجد فيها الكثير من بائعي العملات السورية واللبنانية.واشد ما اثارني هو إصرار سائقنا مسعد ان يكون صرف ورقة المئة دولار من عملة العشرة وخمسة الاف ليرة سورية .كنت اجلس خلف السائق مباشرة مستمتعا بالجبال الشاهقة وخضرتها والتي تزين الطريق .توقفنا عند الحاجز الأول قبل الوصول إلى الحدود السورية في المنطقة الحرة، وهو فرع الأمن العسكري وتزين مدخلة صورة كبيرة للرئيس حافظ الاسد وولده بشار وعلم سوريا وعبارات قومجية اغلبها أصبحت باهتة وغير واضحة كما هو حال عالمنا العروبي اليوم ويعتبر الحاجز الأسهل، حيث تقتصر مهمته على الاطلاع على هويات القادمين، ولا يشهد هذا الحاجز اختناقاً مرورياً.حيث وقف جندي لايحمل اي رتب وحاسي الرأس وبلحية كثة سائلا السائق (شو معك ).دس مسعد ورقة نقدية في يدة من شباك الباص قائلا له (معي زوار ).تطلع الجندي في ورقة الخمسة الاف وقال له (تكرم عينك ..شرف ).كثير من المسافرين يؤمنون أن هذه الحواجز لم توضع لحماية المسافرين أو الإمساك “بالإرهابيين” المدججين بالسلاح أو “المفخخين”، فهذه الطريق لم تشهد حتى هذه اللحظة أيّ عملية مميزة لضبط المحظورات ألاماندر .ومعظم ضحايا هذه الحواجز هم من المدنيين الذين إما يشتبه بهم اعتماداً على شكلهم الخارجي أو على قيد نفوسهم في هوياتهم، لاسيّما الذين يقطنون في الأرياف التي تشهد اقتتالاً مع داعش . وبعضهم يُعتقل بسبب تشابه في الأسماء والو جوة. وكثيرا من المسافرين أصبحوا يوقنون بأن كذبة تشابه الأسماء ما هي إلا حيلة يستخدمها الحاجز لاستغلال المسافرين والسائقين ماديا.ثلاثة حواجز أخرى تنتظر المسافرين لعل ألطفهم هو الحاجز الأول التابع للجيش السوري. يشهد هذا الحاجز بعض الاختناق المروري وخاصة أيام الجمعة والسبت والأحد. تقتصر مهمته على التدقيق في الهويات ومطابقة الشكل مع صورة الهوية. يبدو الوضع مريحاً أكثر عند السفر بسيارة خاصة أو بواسطة تاكسي تتسع لـ4 ركاب، أما في حال السفر بالباص، فتصبح العملية أصعب، إذ يوقف الباص ويتم التدقيق بهويات جميع المسافرين القادمين وتفتيش جميع الحقائب، وهذا يستغرق وقت أطول.لكن (مسعد) المتخصص بالتعاملات ودفع البقشيش جمع جوازتنا وطلب منا النزول لكي نستريح.وعندما سألته هل هناك ضرورة بان نذهب معه أجابني (خليك مكانك..طول بالك .. ضاحكا باستهزاء واضعا يده على جيبة المليء بالعملات السورية ).بالصدفة التقيت بضابط صغير كان يضع نجمتين فضيتين من القماش على كتفيه رادا سلامي بتثاقل.وحين بدأت كلامي معه منافقا بالترحم على روح الرئيس حافظ الأسد.انتفض وركز جيدا في وجهي ورفع يديه متمتما بسورة الفاتحة.وحينما اخبرتة بان دماء أبنائنا اختلطت مع دماء أبناء سوريا للدفاع عن ارضها ،وضع يدة على كتفي قائلا(حنا ما ببننساش جميلكم ) والسيد الرئيس (بيقول ذلك).طوال الايام الخمسة التي قضيتها في سوريا لمست احتراما وتبجيلا منقطع النظير لشخص الرئيس بشار أذ يحظى بولاء ومحبة شديدة من قبل الجيش والأمن العسكري وحاولت التبسط ولأبعد الحدود مع بعض عناصر الحراسات والحمايات لاستدل على مكنونات هذا الولاء.أذ كنت أتصوره نفاقا نفعيا او خوفا .لكنني لم افلح وعلى الأقل تلمست الصدق والموالاة الحقيقة رغم الظروف الصعبة وقلة مرتبات الجيش والقوى الامنية .وكانت كلمة (السيد الرئيس ..يرحم بيه ) تسبق كل حديث عن بشار بل إن البعض تصل به المغالاة والموالاة الى حد اعتباره بأنة القائد العروبي الو حيد من بين (خرفان العرب )على حد قولهم .وبحديثي مع الضابط السوري ونحن ننتظر ختم جوازتنا في الحاجز الأمني ، وبعد ان تبادلنا اطراف الحديث عززت الثقة ورفع حواجز الشك والريبة بيننا ، سالتة لماذا تتلقون (رشاوى وانتم مسئولون عن امن سوريا في المنافذ الحدودية).لم يثر سؤالي اي انفعال اواستغراب لدية!! بل اجابني بكل برود.(نحن نحمي سوريا ونعاني ظروفا مادية صعبة وعلى المواطن او الوافد ان يساهم معنا في دعم تعزيز الجهود وتحصيننا ماديا.أنا أتقضى راتبا بما يعادل 70 دولارا وهي غير كافية حتما لمعيشتي وتامين قوت عيالي ,بالتالي مساهمة الآخرين يحول دون أن نخون سوريا ).جواب خبيث ومثير فيه الكثير من الشرعنة لابواب الفساد والرشاوى أذ يعتبر انتشار الرشوة في المجتمع السوري، من أبرز المظاهر التي تتم سرا وفي العلن، حيث يشير مراقبون إلى أنه قبل العام 1970، كانت هناك مظاهر للرشوة لكنها تتم في الخفاء وعلى نطاق ضيق.ويفسر مراقبون أسباب انتشار الرشوة الى غض الطرف من قبل الحكومة للظروف المعيشية الصعبة واستنزاف موارد الدولة للحرب ضد داعش وهي تحتل اربعه محافظات سورية ، الأمر الذي دفعها للتراخي عن باقي حالات الرشوة والفساد بل وتشجيعها حتى أصبحت مجالاً للتفاخر والتندر بين الناس.رغم ان دراسات سابقة تشير إلى أن الفساد تسبب منذ العام 1980 الى العام 1995 بخسارة الاقتصاد لأكثر من 50 مليار دولار وفي كافة القطاعات الحكومية.. بينما استقر جزء كبير من هذه الأموال في جيوب المقربين من مراكز القرار والمتنفذين في الحكومة.وان الحالات التي انتفض فيها لمكافحة الفساد والرشوة في أجهزة الدولة، لم تتعدى الخطابات الجماهيرية، ويقول مسؤولون انها ارتدادات طبيعية لاحوال سوريا وانها سوف تزول بزوال هذه المسببات.يتبع