بعد الانخفاض الكبير في أسعار النفط بالأسواق العالمية وانخفاض إيرادات الموازنة الاتحادية وارتفاع نسبة العجز فيها ، وبعد أن عجزت الحكومات السابقة والحكومات التي تعاقبت على الحكم بعد 2003 في تنويع مصادر الإيرادات واعتماد أكثر من 90% منها على إيرادات النفط ، فقد توجهت الأنظار الحكومية إلى رواتب الموظفين لغرض تخفيضها بعنوان سلم الرواتب ( الجديد ) ، وعندما وجدت إن هناك ردود أفعال غاضبة ستخرج إذا استمرت بهذا المنهج باعتبار إن نسبة مهمة من الموظفين يستلمون رواتب لا تكفي لسد المتطلبات الأساسية للحياة ، فقد أخذت بولوج أبوابا أخرى لغرض تقليل الرواتب واستقطاعها لسد بعض أوجه النفقات ، ومن تلك الأبواب هو استقطاع نسبة 3% من رواتب ومخصصات الموظفين والمتقاعدين ، وتم تضمين ذلك في قانون الموازنة الاتحادية لعام 2016 وقد احتوى هذا القرار مجموعة من الأخطاء واليكم أبرزها :
الخطأ الأول : إن نص المادة 39 من قانون الموازنة الاتحادية لعام 2016 قد تضمن ( تلتزم الحكومة بدعم هيئة الحشد الشعبي والنازحين ) وتعني كلمة ( تلتزم ) قيام الحكومة بتخصيص المبالغ اللازمة في النفقات التشغيلية والاستثمارية فالإلزام للحكومة وليس استقطاع نسبة 3% من رواتب ومخصصات الموظفين والمتقاعدين ، كما ورد في نص الفقرة ( أولا ) من المادة أعلاه ، التي نصت على توزيع الاستقطاعات بواقع 60% إلى هيئة الحشد الشعبي و40% إلى إغاثة النازحين ، وفي نص الفقرة ( ثانيا ) من المادة نفسها تم النص ( تلتزم حكومة إقليم كردستان باستقطاع 3% من مجموع الرواتب والمخصصات للموظفين والمتقاعدين في إقليم كردستان وتناقل لقوات والبيشمركة ) ، والخطأ الذي وقعت فيه الحكومة ومجلس النواب إن أصل فكرة الاستقطاع هي للحشد الشعبي ولكن النص وزعها بين الحشد الشعبي والنازحين والبيشمركة .
الخطأ الثاني : إن الاستقطاع يتم من مجموع رواتب ومخصصات الموظفين وهذا سيرتب أكثر من استقطاع على الموظف ، إذ تستقطع من الموظف التوقيفات التقاعدية بنسبة 10% والضريبة بنسب تتراوح بين 3 – 10% والحماية الاجتماعية بنسبة 25 من الألف وغيرها من الاستقطاعات التي تذهب إلى إيرادات الموازنة ( خزينة الدولة ) ، وفي ذلك خطئا كبيرا لان الموظف سيخضع إلى استقطاع من الاستقطاع مما يخالف القاعدة العامة بعدم جواز الاستقطاع من الجزء الذي تم الاستقطاع منه ، مما يتطلب أن تحتسب نسبة 3% على استحقاقات الموظف بعد تنزيل الاستقطاعات ، ونشير بهذا الخصوص بان الحكومة غالبا ما تتعامل مع الرواتب دون المخصصات عند منح الامتيازات كاحتساب الراتب التقاعدي ، فلماذا تطرقت إلى مجموع الرواتب والمخصصات وبشكل صريح عند استقطاع نسبة 3% ؟.
الخطأ الثالث : أصدرت وزارة المالية أعمامها 4579 في 11 / 1 / 2016 الذي يلزم الوزارات وإقليم كردستان بالمباشرة في استقطاع نسبة 3% اعتبارا من 1 / 1 / 2016 ، ويمثل ذلك مخالفة قانونية لان المادة 53 من قانون الموازنة الاتحادية لعام 2016 تعد القانون نافذا بعد نشره في الجريدة الرسمية ، وهذا القانون لم يتم نشره في الجريدة الرسمية ( الوقائع العراقية ) لحد اليوم ، وكان من الأجدر أن يتم الانتظار حتى استكمال جميع الجوانب القانونية لغرض إعطاء الأمر بالتطبيق بما في ذلك صدور تعليمات وزيري المالية والتخطيط لتسهيل تنفيذ قانون الموازنة والوارد في نص المادة 51 منه ، ومما يدل على سلامة رأينا إن مجلس الوزراء لديه النية في الطعن لدى المحكمة الاتحادية ببعض مواد قانون الموازنة ، التي صادق عليها رئيس الجمهورية وبالذات المواد التي قامت لجان مجلس النواب بإضافتها ، ولكنه لم يفعل ذلك بانتظار نشر قانون الموازنة بالجريدة الرسمية لأنه لا يجوز الطعن قبل النشر باعتبار ان النشر في الجريدة الرسمية ركنا قانونيا وليس شكليا .
الخطأ الرابع : من المتعارف عليه إن رواتب المتقاعدين لا تخضع لأية استقطاعات ، والسبب هو إن المتقاعد وصل إلى حالة من اللياقة البدنية والصحية والنفسية أو العمر مما لا يسمح له بالعمل وزيادة إيراداته خارج الراتب التقاعدي ، أو إنهم من الخلف ، والخلف لهم شروط فعمرهم اقل من 18 سنة أو طلبة مستمرين في الدراسة أو من البنات غير الموظفات وغير المتزوجات ، مما يتطلب عدم الاستقطاع من رواتبهم التقاعدية مهما كان مقدارها لتكون على درجة من الثبات وتخضع للزيادة انسجاما مع معدلات التضخم وليس العكس ، فالاستقطاع من الرواتب التقاعدية يعد خطئا يوقع بمشكلات اقتصادية واجتماعية يتوجب تجنبها ، علما بان الحالة الحالية بالاستقطاع تعد الحالة النادرة التي يتم فيها الاستقطاع من الرواتب التقاعدية خلال العقود السابقة ، ناهيك عن انه يخالف جميع التصريحات التي صدرت ومفادها إن رواتب المتقاعدين خطا احمرا لا يمكن تجاوزه ، مما قد يشير إلى عدم وجود خطوط بأية ألوان في بلدنا العزيز .
الخطأ الخامس : إن العنوان العريض للاستقطاع بنسبة 3% من رواتب ومخصصات الموظفين والمتقاعدين هو لمصلحة الحشد الشعبي ، ولكن واقع الحال إن الجهات المستفيدة من الاستقطاع هي وزارة الهجرة والمهجرين ( النازحين ) وقوات والبيشمركة والحشد الشعبي ، ونعتقد بان هذا يشكل خطا كان من الممكن تلافيه من خلال إعطاء تسمية للاستقطاع مثل ( الدفاع الوطني ، دعم الموازنة الاتحادية ، المساهمة في المجهود الحربي ، غيرها ) ، علما بان وزارة المالية لم تضع تسمية لهذه الاستقطاعات بدليل إنها طلبت بكتابها المشار إليه في أعلاه إيجاد تسمية له لأنه سيوزع على جهات عديدة وليس جهة واحدة ، وكان من الأجدر عدم زج اسم الحشد الشعبي بهذه الأمور لان المهم أن يتم توفير متطلبات عمل هيئة الحشد دون الحاجة لهذه التفاصيل حالها حال جهات الصرف والإنفاق في الموازنة الاتحادية .
ونحن إذ نعرض هذه الأخطاء الخمسة ، فلا يعني ذلك عدم وجود أخطاء أخرى فمن اكبر الأشياء التي سيرتبها هذه الاستقطاع ، الذي يعتقده البعض ( قليلا ) وغير مؤثر على شرائح كبيرة من الموظفين باعتبار إن الاستقطاع هو 30 ألف دينار من كل مليون ، هو القلق الذي بات يسكن في نفوس الغالبية العظمى من الموظفين والمتقاعدين ، لان هناك من يعتقد إن الرواتب لم تعد آمنة ومن الممكن تخفيضها في أي وقت من الأوقات تحت عنوان التقشف وعجز الإيرادات ، ودون الخوض في التفاصيل الاجتماعية والأمنية لهذا الاعتقاد ، فان من النتائج المتوقع ظهورها هو تقنين المصروفات والعزوف عن الشراء وحصره بجدول الأولويات ، وان أضرار ذلك ستنعكس على العاملين في التجارة وبعض الأعمال الحرة والنقل لان الطلب سينخفض عليهم ( وتقل حركة الأسواق ) وهم من فئة الذين ليست لديهم مدخولات ثابتة وليس لديهم مدخرات تعينهم لمدة طويلة ، وبالمجمل فان من المفيد أن تتم دراسة القرارات التي تتخذ في ظل الأزمة المالية الحالية دراسة متأنية من حيث تأثيراتها وانعكاساتها على مجمل أمور الحياة ، ولا نعتقد إن ذلك سيحصل فعلا لان الجهات المعنية بإدارة الأزمة من المفترض معايشتها لتفاصيل حياة المواطنين من الجياع وشبه الجياع باعتبارهم باتوا يشكلون الغالبية في العراق .