يقال ان ، نوري باشا السعيد ، الذي شغل منصب رئاسة الوزراء 14 مرة في العهد الملكي بين 1930 – 1958 إعتاد إحتساء الخمرة ليلا مع عديله وزير الدفاع ،جعفر العسكري ، وذات ليلة نفد الشراب فقررا عبور النهر بقارب خشبي – بلم – كان يقف قريبا من دار الباشا المجاورة لنهر دجلة في منطقة الكرادة لقضاء سهرة خمرية على الضفة الأخرى ، إلا أن – البلام – الذي لم يتعرف عليهما بسبب ضعف البصر والظلام الدامس ، تذرع بشدة الريح وعلو مناسيب النهر فعرض عليهما احتساء الخمر داخل القارب كونه يحتفظ بزجاجة من المشروب المحلي –العرق المستكي – مع المزة وبالفعل قبلا دعوته وشربا بضع كؤوس إلتفت بعد معاقرتها الجعفري الى البلام قائلا له : ” ألم تتعرف علينا ؟ انا العسكري وهذا الباشا نوري السعيد !!فضحك البلام وهو يهز بيده ، ساخرا باللهجة البغدادية ” بكاسين مستكي صار احدكما رئيسا للوزراء والآخر وزيرا للدفاع ، لو شربتو بطل كامل شتصيرون ؟!” فأخرج السعيد من جيبه مبلغا من المال ودسه بيد البلام ثم عادا الى المنزل وهما يقهقهان لطرافة الموقف الذي مر بهما على غير العادة !!وبالعودة الى عجائب وطرائف عراق ما بعد 2003 يتضح لنا جليا ان ” خمرة السلطة” أخذت تتعتق بمرور الزمن عراقيا داخل براميل غربية وشرقية وأخذت تعبث ليس بعقول شاربيها فحسب وانما بأخلاقياتهم وقراراتهم ومقترحاتهم ايضا ، حتى وصل الأمر وبدلا من الاستجابة الى مطالب الشعب الملحة ، الى تبادل إطلاق ” الإقالات ” بين الأعلى والأدنى ، البرلمانيون المعتصمون داخل مجلس النواب وعددهم 171نائبا عقب اعتراضهم على كابينة العبادي الوزارية يريدون إقالة الرئاسات الثلاث ” رئاسة الجمهورية ، رئاسة الوزراء ، رئاسة البرلمان ” وقد نجحوا بالفعل في اقالة الأخير ونائبيه – مؤقتا – لأن اميركا ستعيدهم ثانية من جهة ولعدم وجود نص دستوري يسمح بمثل هذا الإجراء من جهة أخرى – اقول نجح النواب المعتصمون في مسعاهم الذي يحركه بشكل او بآخر رئيس الوزراء السابق ،نوري المالكي – بحسب مراقبين – تحت يافطة إلغاء المحاصصة من خلف الكواليس رغبة منه لعزل رفيقه في حزب الدعوة الإسلامية ، حيدر العبادي ، للعودة الى الحكم ثانية لأن سكرة الكرسي ومزة السلطة مازالت تفعل فعلها يصدق فيها قول ابي نؤاس : ” فما العيْشُ إلاّ سكرَة ٌ بعد سكرة ٍ،
فإن طال هذا عندَهُ قَـصُــرَ الـدهــرُ”بدورها فأن رئاسة مجلس النواب كانت ومازالت حتى بعد اقالتها – شكليا – لأن المحكمة الاتحادية بحسب خبراء في القانون سترد اية اجراءات غير دستورية معتمدة في تنصيب الرئاسات واقالتها وهي تحتاج الى اغلبية مطلقة، كما ان جلسة البرلمان التي اقيل خلالها ،سليم الجبوري ،انما عقدت بغياب هيئة الرئاسة وهو اجراء غير دستوري لا قيمة له على الأطلاق – وبناء على ذلك فإن رئاسة البرلمان ستتخذ من خطوة اقالة الجبوري غير الدستورية منطلقا لحل البرلمان بموافقة الرئاستين” الجمهورية والوزراء ” وشعارها – اتغدى بك قبل ان تتعشى بي – ليدخل العراق في نفق مظلم آخر لم يكن بالحسبان ودوامة جديدة تسير به الى الهاوية بخطى متسارعة من غير كوابح دولية او اقليمية – ربما لأنها جاءت متوافقة مع السيناريو التي وضعته سلفا لتقسيم العراق – مع ركن مطالب المتظاهرين المشروعة على الرفوف لحين انتصار احد طرفي النزاع على الآخر – من دبش – من دون النظر مليا أو التفكير جديا بالفترة الزمنية الطويلة والعراقيل الهائلة التي تعترض تطبيق أحد المطلبين لحساب هذه الجهة او تلك و” هل رأى البغض السياسي سكارى بخمرة السلطة ..مثلنا ؟!” .وانوه الى ان دستور سيء الذكر والصيت ، الحاكم المدني ، بول بريمر ، المتهم بسرقة 60 مليار دولار من خزينة العراق لسنة 2005 تناول استقالة واقالة رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورؤساء الهيئات ، كما حدد في المادة (64) منه الاحكام الخاصة بحل البرلمان بطريقين ، اولهما ان يتولى مجلس النواب حل نفسه بطلب مقدم من ثلث عدد اعضاء مجلس النواب و موافقة الاغلبية المطلقة (اكثر من نصف عدد اعضاء البرلمان) وثانيهما بطلب مقدم من رئيس الوزراء الى رئيس الجمهورية لحل مجلس النواب وهذا لعمري أمر لا يمكن تطبيقه واقعا في حال اصرت رئاسة البرلمان على حل مجلس النواب ، علما ان حل البرلمان يعني ازالة صفة النائب عن جميع اعضائه وتجريدهم من الامتيازات الخاصة بضمنها رفع الحصانة عنهم وجواز إلقاء القبض على المتهمين منهم بجرائم ما قبل وبعد العضوية ” ورب سائل يسأل وهل يعقل حصول متورطين بجرائم على عضوية مجلس النواب ” في بلد الغرائب والعجائب العراق .. نعم !!” . اما بشأن اقالة الرئاسات الثلاث على وفق ما يطالب به النواب المعتصمون فقد تناوله النظام الداخلي في الفقرة (ثانيا) من المادة 12 (لمجلس النواب اقالة اي عضو من هيئة الرئاسة وفق القانون) من دون تحديد اسباب الاقالة ولا كيفيتها ،ولا الاغلبية المطلوبة لانفاذها ، فيما نصت المادة (61) ب ـ على اعفاء رئيس الجمهورية، بالأغلبية المطلقة لعدد اعضاء مجلس النواب، بعد ادانته من المحكمة الاتحادية العليا، في حال الحنث في اليمين الدستورية ، انتهاك الدستور، الخيانة العظمى.ويجوز لرئيس الجمهورية بحسب – دستور بريمر – تقديم طلبٍ الى مجلس النواب بسحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء بناءً على طلب خُمس اعضائه ، ولا يجوز ان يقدم هذا الطلب الا بعد استجوابٍ موجهٍ الى رئيس مجلس الوزراء، وبعد سبعة ايام في الاقل من تقديم الطلب ، ويجوز لمجلس النواب سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، بالأغلبية المطلقة لعدد اعضائه وتُعدُ حكومته مستقيلةً تستمر في عملها لتصريف الأعمال لمدة لا تزيد على 30 يوماً، الى حين تأليف مجلس الوزراء الجديد وفقاً لأحكام المادة (73) من الدستور البريمري ، والى حين إسدال الستار على مسرحية نجحت حتى الآن في تشتيت الأنظار عن مئات الآف من ملفات الفساد التي تدين وبالوثائق والأدلة اعضاء بارزين في مواقع المسؤولية وسدة الحكم . اودعناكم اغاتي