تدور في الأذهان خاصة، ومحيطنا عامة، تساؤلات عديدة، وينشغل التفكير بها وبشكل جاد، وذلك امر ايجابي ومحمود، فالسؤال هو أساس الإحساس بالمشكلة، وهو الدافع للبحث عن الاجابة (العلاج)، بل ان السؤال دليل وجود وتأكيد حياة، فأنا اسأل إذن أنا موجود!.
وكثيراً من اسأل نفسي وأنا أشاهد بعيني الواقع المؤلم الذي يعيشه العراق في جميع جوانب الحياة، كيف السبيل إلى إصلاح هذا الحال؟!
سؤال الاصلاح العميق هذا يؤرقني دوماً، ويدفعني للتفكير في الكيفية، والامكانية قبلها، فكثيراً ما كانت الخطوات تضل طريقها، وتنحرف عن مساراتها، لأنها اخطأت التشخيص، ووصفت خطأ ما اعتقدته انه العلاج.
واجد هنا بعد كثير تأمل، أن انقاذ العراق في معناه العام ــ إذ يجمع في بحره الزاخر التفاصيل الكثيرة ــ يرتكز على خمسة أساسيات لا بد من جعلها نصب أعين كل ناشد للإصلاح، وساعٍ له، وعاملٌ من أجله، فما هي خماسية انقاذ العراق؟:
أولها: أن الإصلاح لا يمكن أن يكون دون دراسة وافية، تجيب على اسئلة مصيرية تدور حول أسباب الأزمة، ومحاورها، وأشكالها التي تتمظهر فيها، وهذه الدراسة المبنية على التفكير العميق، والتأمل الدقيق، إنما هي تحدد لنا المسار اللازم بشكل صارم، فلا اصلاح جاد او يحقق أهدافه دون سكة يسير عليها وفي ضوئها، والدراسة المقصودة والمعنية، هي التي ستحدد لنا من أين نبدأ، وكيف، ولماذا، واين هي نقطة الوصول!.
وثانيها: تفكيك الأزمة، ذلك ان الواقع العراق وصل حداً نهائياً من التدهور والضعف بعدما نخره الفشل والاخفاق والفساد، وترك تأثيره حتى على البناء النفسي للمواطن العراقي، فغدا مثل النظام السياسي بالضبط، هشاً، واهياً، ولا قدرة له على الصمود ومجابهة أي تحدي مهما كان بسيطاً، وكثير الهم وضخامته بات ينسي خفيف المرض!
لذلك فإن تفكيك المشاكل يساعد على وصف العلاج كما ينبغي، وتوزيع الجهد والموارد، دون الدخول على العلّة بشكل كامل، فذلك ينهي كل امل بالقدرة على النجاة، فليس هناك علاج واحد قادر على شفاء كل تلك الأمراض، بل انه لم يخترع بعد حتى في ميدان الطب فكيف الحال والمريض وطن كبير مثل العراق؟!
وثالثهما: التدرج ومرحلية العلاج، فالعراق بكل ما ينطوي عليه هذا الاسم من ضخامة وعمق وتاريخ وموارد، لا يمكن علاجه في لحظة، او عبر دواء واحد، بل ان ترياق أزمته يجب ان يكون دواءً مركباً موصوفاً بدقة، ومعتنى به بشكل كبير، وأن يتم تناوله واستخدامه وتنفيذه على مراحل، توصل إحداها إلى الأخرى، وتسير به شيئاً فشيئاً وبهدوء ورفق نحو التعافي الشامل والتام، وفي ضمن ذلك القبول ببقاء بعض الأعراض السلبية لمرحلة معينة، فليس التعافي يأتي جملة واحدة ودون سابق إنذار.
ورابعها: الصبر، والصبر، والصبر، فطريق الإصلاح طويل، والخراب الذي حققه أعداء الوطن، والفساد الذي استشرى حتى أضعف البناء العراقي برمته، لن يتم التخلص منه في يوم وليلة، ويجب أن نضع خططنا ونحن ندرك أننا قد نستغرق قرابة 10 سنوات أو اكثر ربما حتى نحقق غايتنا، وان كل واحد منّا يحقق جزءاً يكون بمجموعه انجاز مشهود، وليس بالإمكان ذلك إلا بالصبر الطويل.
وخامسها: عدم مغادرة التفاؤل، صحيح جداً ان واقعنا المحيط بنا لا يبعث على شيءٍ من ذلك، ولكن الاصلاح لن يكون إلا على وقع التفاؤل والإيمان بإمكانيته، وهذا التفاؤل يجب ألا نغادره ويغادرنا مهما أثخنت الجراحات أبداننا، وارهقت خطوات العلاج أنفسنا.
واخيراً: ان هذه الخماسية المنشودة، إنما هي اركان مشروع الانقاذ المطلوبة، وهي تضم تحتها مشاريع وخطط وتوقيتات لازمة، فلن يكون الاصلاح مجدياً إذا لم يخطط له، فلم تضيع الجهود ولا الموارد سابقاً إلا بسبب الارتجالية والعفوية والمشاريع الجزئية المتوهمة أنها طريق الخلاص.