(ترارة) هو الاسم الذي أطلقه خياط الفرفوري
ـ تلك المهنة المنقرضة ـ في مسرحية (البستوگة) على الفلاح (طرار)، لكنَّ هذا الاسم ظل لصيقاً بالفنان خليل عبد القادر أكثر من نصف قرن حتى صار يعرف به مع أنَّ (ترارة) ليس اسمه بل هو لفظه !!
كان دور خياط الفرفوري في مسرحية (البستوگة) أول دورٍ مسرحي يؤديه الفنان خليل عبد القادر الذي ولد في بغداد/الكرادة سنة ١٩٤٣ بديلاً عن الفنان شهاب أحمد الذي منعه إنتماؤه إلى الفرقة القومية للتمثيل من تجسيد هذا الدور لحساب فرقة المسرح الفني الحديث.
أن يكون المرء بديلاً عن آخر هو تحدٍ لذيذٌ، وقد قبل الفنان خليل عبد القادر التحدي فدخل البستوگة، ولم يخرج منها برغم أنَّ لديه أعمالاً مسرحيةً مهمةً منها :(أحلام العصافير)، و(چانت عايزه)، و(تموز يقرع الناقوس)، و(حكاية الرجل الذي صار كلباً)، و(بلبل في زهرة الأقحوان).
تعالوا لنتوقف عند مسرحية (البستوگة) التي تعني باللهجة العراقية :الإناء الفخاري الذي يُحفظ فيه الماء، والمخللات.
اقتبس فكرتها الفنان عبد الجبار عباس (١٩٢٣م ـ ١٩٩٢م) من قصة (الجرة) للكاتب الايطالي لويجي بيرانديللو (١٨٦٧م ـ ١٩٣٦) والحاصل على جائزة نوبل للآداب سنة ١٩٣٤م.
كتب بيرانديللو أول رواياته “الهاربة” ونشرها عام ١٨٨٩م.
نشر أول مسرحياته “المعصرة” عام ١٩١٠، ومن أهم مسرحياته: (هنري الرابع)،و (الحياة عطاء)، و(ديانا والمثال)، و (لذة الأمانة) يكتب بعدة أساليب هي :الرومانسية، والواقعية والطبيعية والتعبيرية والرمزية والفرويدية، وعُرف بآرائه الفلسفية ومنها قوله :
(في هذه الرحلة الطويلة من الحياة ستواجه الكثير من الأقنعة و القليل من الوجوه)
تتحدث قصته (الجرة) موضوع مسرحية (البستوگة) عن كسر جرة أحد ملاك الأراضي في الريف الإيطالي مما يثير حالة من الخوف بين الأهالي،ويسعون لاصلاحها تفادياً لغضبه،
وينجحون في ذلك، ويعم الفرح ثانيةً !
يبدو أنَّ هذه الفكرة أغرت الفنان عبد الجبار عباس لينقلها من الريف الإيطالي إلى الريف العراقي المنكوب، ويقوم بتعريقها، و يخرجها الفنان سامي عبد الحميد، ولتقدمها فرقة المسرح الفني الحديث على حدائق الجمعية البغدادية سنة ١٩٦٧م ، ويُمثلها : خليل عبد القادر، وزينب، وزكية جورج، وكريم عواد، وعبد الجبار عباس، وفاضل السوداني. وغازي القيسي. وقد سجلت تلفزيونياً، وكان تلفزيون بغداد يُكافىء المشاهدين بعرضها بين حينٍ وآخر خاصةً في الأعياد !
لكنَّ خياط الفرفوري الماهر حين نجح في لصق الجزء المكسور من الجرة فاته التخطيط لخروجه منها فصار لزاماً على المنقذين له أن يكسروا الجرة !
لكنَّ خليل عبد القادر الفنان التلقائي الموهوب اللامنتمي لم تعصمه موهبته ولا شهرته من تعرضه للاستجواب الأمني بدعوى شتمه لرأس النظام، وهي تهمة تعني الذهاب إلى ما وراء الشمس !
تعرض بيته في منطقة البلديات إلى النهب في الثمانينيات ـ حسب تسجيل صوتي على اليوتيوب ـ وأُستدعي إلى مركز شرطة الرشاد بدعوى كيدية مهلكة من الجيران، ولم ينصفه المخرجون، وتعاملوا معه تعاملاً فوقياً، ولم يُقدر جهوده إلا القليل منهم.
هل خليل عبد القادر الذي دخل الفن بإرادته فقدَ هذه الإرادة بدخول البستوگة؟ أم أنَّ مؤلف قصة (الجرة) لويجي بيرانديللو كان محقاً، وهو يرى أنَّ الحقيقة تتألف من حقيقتين :حقيقتها وحقيقتي !