18 ديسمبر، 2024 6:19 م

خليجي 25 والاستنفار الايراني

خليجي 25 والاستنفار الايراني

‏كتب الصحفي المعروف عدنان الطائي مقدم برنامج الحق يقال في قناة UtvIraqتغريدة بمناسبة افتتاح بطولة خليجي 25 لكرة القدم في البصرة :”لا أبالغ اذا قلت ان هذه أجمل أيام العراق لم اتوقع ابدا ان بطولة الخليج العربي ستخلق فينا هذه الفرحة وهذا الأمل الكبير بعد يأس طويل..لحظتان لن أنساهما أبدا لحظة تشرين ولحظة خليجي 25..شكرا للبصرة ولمن عمل على هذه البطولة شكرا لكل عنصر أمني يحافظ على فرحة العراقيين من سراق الفرح”. لخص الطائي فرحة العراقيين التي شهدناها خلال احتفال افتتاح خليجي 25 غير المتوقعة أبلغ تلخيص وهو ابن قلعة تشرين الناصرية، المدينة التي تصدر شبابها ثورة تشرين وكانوا عقلها وضميرها النقي والناصع طوال شهورها وهي ما تزال متوقدة فيهم تحت رماد الانتظار. ان كل المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها العراق منذ الغزو خلقت بحرا من اليأس لدى العراقيين من الحكومات المتعاقبة للاحتلال بضمنها الأخيرة بسبب المحاصصة السياسية المستمرة والفساد العام الذي انتشر مثل سرطان متسربا وهابطا من اعلى السلطات الثلاثة الى أصغر الزوايا في نسيج المجتمع والعائلة. منذ عشرين عاما يعيش العراقيون في ظل هذه الحكومات دون أي افق ولا امل بالتقدم والبناء والانفتاح وعودة العراق الى سابق عهده وعودة الحياة الى طبيعتها ، ان يوم العراقيين ليس يوما طبيعيا ولا الزمن الذي يعيشون فيه هو زمنهم الطبيعي بل ان كل ما يخصهم يدار من هيمنة إيرانية صارمة تفرض اجندتها واحتلالها الثقيلين في كل الميادين مع شركائها في الأحزاب السياسية والميليشيات التابعة لقيادة الحرس الإيراني. لذا لم يكن في حسبان أي منا ان تقام هذه الدورة الرياضية بسلاسة ودون تدخل سياسي ومليشياوي خاصة بسبب ظهور صور قبل الافتتاح تشي بأن أصابع الميليشيات الولائية لن تكون بعيدة عن البطولة ودس اعمالها التخريبية فيها، فقد نشر الاعلام الحكومي صورا للفريق العراقي تتصدرها صور أبو مهدي المهندس وقاسم سليماني اللذين اغتالتهما القوات الامريكية في عهد الرئيس ترامب لكن ما لبثت ان اختفت وكأن امرا صدر برفعها ! اما في الافتتاح فلم يرى المشجعون أي صورة ولا علم من اعلام هذه الميليشيات بل كان الملعب يزدحم بالعلم العراقي فيما صدحت حناجر المشجعون من شباب وشابات العراق بهتاف “بالروح بالدم نفديك يا عراق ” وهو نفس هتاف ثوار تشرين ومئات الالاف من المتظاهرين في مختلف مدن الجنوب والوسط قبل عامين وترديد هتاف آخر هو : آنا العراقي آني، ألعن أبو سليماني ” في إشارة لقائد الحرس الإيراني الذي اغتالته الولايات المتحدة في مطار بغداد. هتاف يذكر بآخر ردده ثوار تشرين منذ اللحظة الأولى لاندلاع الثورة وهو ايران برة برة بغداد تبقى حرة”. انها فرحة المحاصر المسجون الذي عبر عن فرحه بالانعتاق والحرية اول مرة اثناء ثورة تشرين واليوم يعيدها مع مباراة خليجي 25. وحالما انجلت الصورة للعراقيين وتأكدوا من “تواري” الهيمنة المليشياوية الولائية عن المباراة هبط الاف منهم من شمال العراق ومن الموصل ومن الانبار والفلوجة فرقص اهل البصرة مع الانبار والموصل على موسيقى “الجوبي او الدبكة العربية” في تلاحم رائع آخر لم نشهده الا في أيام تشرين. ليس ذلك فحسب بل ان حضور الزوار من دول الخليج وعودة اللقاء بهم قد أضاف للمشهد تلاحما أخويا استثنائيا انقطع منذ عقود حينما كان السعودي واليمني والاماراتي والعماني يزور البصرة في سنوات الستينات والسبعينات ليشارك اهل البصرة سهراتهم وحفلاتهم الغنائية ودواوين شعرهم وندواتهم الثقافية معبرين عن فرحتهم بلقاء العراقيين وزيارة العراق التي اعتبروها اهم من الفوز والخسارة وهو ما بادلهم إياها الجمهور العراقي.
لقد جاء تنظيم دورة خليجي 25 في نفس الوقت الذي اتخذت فيه الخزينة الامريكية قرارات مهمة بشأن المصارف العراقية التي تهرب الدولار الي ايران وشملت هذه العقوبات خمسة عشر مصرفا جلها يعود لسياسيين وأدوات لهؤلاء السياسيين ممن يهربون الدولار الى ايران عبر عمليات تزوير لسرقة المال العام العراقي بتواطئ البنك المركزي العراقي، كما تم اكتشاف تزوير دقيق للدينار العراقي من قبل ايران وتسويقه عبر سوريه لشراء الدولار لحساب ايران بحسب سياسي معارض، لترد ايران على ذلك عبر استنفار حكومي، وتذكير بانها موجودة وانها صاحبة الأرض والمهيمنة الأولى وهي من تقوم بتعيين رئيس الوزراء والحكومة ، متحججة بتسمية المباراة بمباراة الخليج العربي اذ قام عدد من البرلمانيين الإيرانيين بالاحتجاج على التسمية مؤكدين ان الخليج فارسي، ويعتزم اتحاد كرة القدم الإيراني تقديم احتجاج للفيفا بهذا الشأن، كما استدعى وزير الخارجية عبد اللهيان سفير حكومة الخضراء وابلغه احتجاج حكومته على “هذه التسمية الزائفة التي تمس مشاعر الشعب الإيراني”! ان خليجي 25 يقام منذ أربعين عاما وطوال هذه السنوات لم تحتج ايران على هذه التسمية لكن ما يؤلم طهران في هذا الوقت العصيب المهدد لوجودها وشرعيتها التي زعزعتها التظاهرات المستمرة في اكثر من 130 مدينة منذ أيلول ليس تسمية الخليج العربي بل الخوف من تبخر عقود المليارات مع العراق وضياع الهيمنة على اقتصاده وعلى تجارته وصناعته والخوف من عودة علاقات متوازنة مع المحيط العربي وبالأخص مع السعودية التي تشيطنها ايران واتباعها في العراق لكي لا تقوم بمد أي يد لمساعدته ومد يد العون لشعبه. انه تذكير للحكومة العراقية ولرئيس الوزراء الذي استدعاه الرئيس الإيراني بعد توزيره وطلب منه تعويضات عراقية لإيران للفترة السابقة التي لم تستفد ايران من وجودها في العراق قيمتها أربعة مليارات دولار مما اغضب الولايات المتحدة التي أبلغت رئيس الوزراء السوداني بعدم تسليم الباقي بعدما قدم مليارين منها مجانا.
وفي حين رضخ رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لاحتجاج وزير الخارجية عبد اللهيان واوعز باستخدام تعبير اخر غير الخليج العربي فقد ردد الجمهور العراقي كله في الملعب اهزوجة هزت الملعب : ” هذا الخليج العربي ميصير اسمه اجنبي ” وتهكم العراقيون على وسائل التواصل الاجتماعي بتعليق انتشر بشكل واسع يقول : ” عاجل ، ايران ترفع مذكرة احتجاج وتطالب بتغيير اسم الكيمر) القيمر( من كيمر عرب الى كيمر عجم . خليجي 25 هي فعلا المناسبة غير المتوقعة لهبة عراقية جديدة التحم فيها أبناء العراق من الشمال الى الجنوب غنوا ورقصوا وابتهجوا وتعانقوا واكلوا مع بعضهم ومع إخوانهم في الخليج العربي في أجواء الترحاب والحب والمودة المتبادلة والانفتاح ، انها مناسبة مفرحة لعودة للحياة الطبيعية التي سجنها الاحتلال الأمريكي الايراني بعد غزو بلاد الرافدين ، خليجي 25 احدث ثغرة في القبة الحديدية التي تجثم على صدر العراق ليتنفس اهله وشعبه لكنه اظهر مرة أخرى ان تعطيل شعب بأكمله وتعطيل حياته ومستقبله وتوكيلها لمحتل هو امر لا يدوم،
مثلما وبعد أكثر من أربعين عاما من قبضة حديدية في إيران تخرج نسائه وشبابه وطلابه ينادون بالحرية ويكسرون السلاسل الحديدية التي تخنقهم وتخنق اجيالا جديدة تتوق للمساواة والتطور وللحداثة وللأمل وللانفتاح ولمستقبل خالي من الحروب والتدخلات في شؤون الشعوب المجاورة، رأينا الشعب العراقي في ملعب البصرة متعطش للحرية واسترجاع بلده وارضه من هيمنة طهران.