أن تأتي متاخراً خير من أن لا تأتي ابداً.. دائما ماكنا نسمع تلك الكلمات او نرددها لزيادة جرعة الصبر في انتظار نتيجة قد تنسينا مرارة الغياب وصعوبة تحقيق الأحلام، لكنها تجسدت بجميع معانيها واصبحت واقع حال بعد اول شعلة اطلقت باستضافة بلادنا لبطولة كأس الخليج العربي التي غابت عن ملاعبنا لاكثر من اربعين عاما وحرم جمهورنا من الاستمتاع بلقاء الاشقاء وسماع صافرات حكامها بسبب السياسيات الداخلية والخارجية والقرارات الخاطئة للانظمة في تفضيل مصالحها على حساب بلدانها وحقوق شعوبها في التواصل.
وبعد تلك السنوات “العجاف” عادت ارضنا التي ابتليت بتقلب السياسات إلى الواجهة مرة اخرى في المحافل الرياضية وحققت معجزة تضاف لتاريخها المتجدد بافتتاحية اقل ما توصف بانها “مميزة” عن جميع البطولات التي استضافتها بلدان الجوار العربي من خلال طريقة العرض والامكانات المستخدمة وحتى الشرح التاريخي للمراحل التي مرت بها بلاد الرافدين منذ الحضارات الاؤول في ”بابل وسومر واكد ” مرورا بالحضارة الاسلامية وبناء مدينة السلام “بغداد المدورة”، فكانت دقائق قصيرة نقلتنا في جولة عمرها يمتد لالاف السنين ومزجت بين جميع الحضارات بدون قيود الاختلافات في العقيدة والدين والمذهب وعكست حقيقة التنوع لارض مابين النهرين، وتمسك القائمين على تلك البطولة بتقديم افضل ما يمكن لايصال رسالة عن شعب العراق وثقافته لجميع البلدان، والتي حاولت العديد من الجهات “تشويهها” خلال سنوات من العقود الماضية، فماحصل حطم “كذبة” كبيرة اراد البعض الصاقها “ظلما وجورا” بمدننا التي يصفها مرة بانها مازالت غير امنة، واخرى يقلل من كرم اهلها في استقبال الضيوف وخاصة من دول الخليج العربي.
وكحال العديد من البطولات التي تشهد زخما كبيرا من الجماهير يضاف لها سنوات الغياب عن تنظيم هكذا محفل كروي دولي، شهدت الافتتاحية بعض “الاخطاء” التي قد لا تحسب امام “هفوات” سجلتها العديد من البلدان في هكذا محافل على الرغم من توفر العديد من العوامل في تلك الدول ومنها مواصلة تنظيم البطولات بشكل اشبه بالسنوي وتوفر الادوات التي مازلنا نفتقر لها، لكنها لم تؤثر على “ميزة” حفل الافتتاح الذي ابهر القاصي والداني وتفوق حتى على مونديال قطر، لتظهر هنا السياسة مرة اخرى ومن اقرب دولة جارة حينما اصر الوفد الكويتي على الانسحاب بحجة “الفوضى” وعدم التنظيم وبدأت بعض وسائل الاعلام و “اعلاميين مغمورين” ممارسة هواية التصيد بالماء العكر من خلال تضخيم الاحداث وحرفها عن مسارها للتقليل من حجم الافتتاح واهميته، قبل أن تتضح حقيقة موقف الوفد الكويتي وعلى لسان ابناء بلدهم وعبر محطاتهم الفضائية ليظهر السبب مطالبتهم بخمسين غرفة من الفندق الذي يقيمون فيه والتي حصلوا منها على خمس فقط، لتثبت بان التدافع الذي حصل عند بوابات الملعب من قبل الجمهور وماحصل داخل المقصورة الرئيسية لم يكن سوى حجة اراد استغلالها الوفد الكويتي لاستعراض الدراما السياسية، وقد تكون “حسد عيشة” بعد الافتتاحية المبهرة.
لكن.. بالعودة لما حصل في المقصورة من شجار بين حماية بعض المسؤولين ودخول العديد من المشجعين بدون بطاقات لا يمكن احتسابه في خانة الجرائم او الهفوات الكبرى فهو تقصير يشترك فيه الجمهور والطبقة السياسية التي عودتنا في كل مناسبة على تصدر بعض القادة وحماياتهم المشهد في الرسائل السيئة التي تؤكد حاجتهم للكثير من الثقافة السياسية في التعامل خلال هكذا محافل مهمة يكون فيها المسؤول بمواجهة “عباد الله” مباشرة ومن دون وسيط، لكنها في المحصلة لم تترك اثرها في الجمهور “المتحمس” لعودتنا ضمن قائمة الدولة المستضيفة لمنافسات البطولات الدولية او على اللوحة الفنية التي قدمها القائمون على الاحتفالية والراعون لها، فالانجاز لا يمكن حصره بحكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ولا برئيس اتحاد كرة القدم عدنان درجال او محافظ البصرة اسعد العيداني انما هي سلسلة بدايتها كانت منذ انشاء المدينة الرياضية في عهد رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي ووزير الشباب والرياضة في حينها جاسم محمد جعفر وصاحب الشركة المنفذة للمدينة وملعب جذع النخلة الراحل عبد الله عويز مرورا باول انفتاح على الدول الخليجية بعد العام 2003 الذي قاده رئيس الوزراء الاسبق حيدر العبادي والتي انتهت بحصولنا على شرف الاستضافة الذي اثبت للعالم باننا نمتلك القدرة على تنظيم المزيد من البطولات.
الخلاصة: ان ماحصل في حفل افتتاح كاس الخليج بنسخته الخامسة والعشرين، كشف الكثير من اصحاب الاقلام “المسمومة” التي تستهدف الدولة ومؤسساتها ولا تفرق بين معارضة الحكومة واحترام الدولة ومكانتها وحاولت “الاساءة” للبطولة والتقليل من اهميتها او حرف الانظار عنها ونسب الانجاز فيها لشخصيات سياسية لم تقدم سوى “الفشل” خلال فترة قيادتها للبلاد، بالمقابل كانت ردود الافعال الايجابية من قبل مواطنين وشخصيات عامة في الدول الخليجية ومنها الكويت التي وقفت بالضد من “تشويه” الانجاز الذي تحقق حينما انتقدت بقوة موقف الوفد الكويتي وطالبت بدعم العراق والبطولة وساهمت بتوفير العديد من الاعذار عن الاخطاء البسيطة التي حصلت في مبادرة لرد الجميل عن الضيافة التي وجدوها في البصرة خلال اقل اسبوع وتسابق الاهالي في الفيحاء لخدمتهم وتوفير السكن والطعام مجانا، على العكس من بعض ابناء جلدتنا “المتشائمين” الذين يعتاشون على خيراته وينكرون فضله.. اخيرا.. السؤال الذي لابد منه.. هل سيكون الانجاز الرياضي بداية لانجازات مرتقبة في الميادين كافة؟..