18 ديسمبر، 2024 8:46 م

خلو منصب رئيس الجمهورية وفق الدستور العراقي لسنة 2005

خلو منصب رئيس الجمهورية وفق الدستور العراقي لسنة 2005

لقد كان لتهديد رئيس الجمهورية بالاستقالة من خلال رسالته الى مجلس النواب بتاريخ 26/12/2019 الكثير من التداعيات، من خلال المواقف المتعددة للفرقاء السياسيين والمتابعين وكذلك للمعنيين في القانون الدستوري، بخصوص ما بعد شغور المنصب، اذا ما اصبح هذا التهديد واقع حال، ومن اجل نشر الثقافة الدستورية تم اعداد هذه المادة العلمية، وهي في الاصل مقتطفة من رسالتي في الدكتوراه.
تنظم الدساتير حالة غياب رئيس الجمهورية، وكذلك عند حالة خلو المنصب والتي هي نهاية مدة بقائه فيه بشكل غير طبيعي، وذلك لما لهذا المنصب من أهمية اعتبارية، وأثره في تسيير السلطات بشكل منتظم.
وتناول الدستور العراقي هذه الحالات في ثلاث مواد منفصلة؛ وهي (61 و72 و75) ففي المادة 61 في البند السادس تطرق إلى مساءلة رئيس الجمهورية وإعفائه من منصبه، وفي المادة 72 تناول مدة ولاية رئيس الجمهورية، وحدوث حالة خلو المنصب إثنائها، ومن الأجدى ألا تزج هذه المادة بالتطرق إلى إحدى حالات تنظيم الخلو، وكان بمقدور المشرع أن يضمن مجمل حالات خلو منصب رئيس الجمهورية في المادة 75، والتي اختصت لحالة الاستقالة والغياب، وكذلك عند خلو منصب رئيس الجمهورية لأي سبب كان.
يوجد نوعان من الموانع التي تحول دون أن يمارس رئيس الجمهورية مهام منصبه، وهما: الموانع المؤقتة، والتي هي حالة الغياب، والعوائق الدائمة عند الاستقالة: العجز والموت والإقالة.
وتتطرق الدساتير لكل حالة من هذه الحالات من حيث تحديدها والجهة المختصة بالإعلان عنها، والطريقة المؤدية لها، وأيضاً تحديد من يحل محل منصب الرئيس عند شغوره، وكذلك تشخيص البديل عنه، وسيتم تناول كل حالة من هذه الحالات وفق الآتي:
الغياب:
ففي حالة المانع المؤقت والتي تعني حالة الغياب المؤقت نصت المادة 75 الفقرة ثانياً (يحل نائب رئيس الجمهورية محل الرئيس عند غيابه، وقد أوعز الدستور لمجلس النواب، تشريع قانون ينظم أحكام اختيار نائب أو أكثر لرئيس الجمهورية()، وقد صدر قانون نواب رئيس الجمهورية رقم 1 لسنة 2011 الذي نص البند الأول من المادة 5 منه (يحل نائب رئيس الجمهورية محل الرئيس عند غيابه).
الاستقالة:
لرئيس الجمهورية تقديم استقالته تحريرياً إلى رئيس مجلس النواب، وتعد نافذة بعد مضي سبعة أيام من تاريخ إيداعها لدى مجلس النواب()، فقد منح المشرع رئيس الجمهورية حق تقديم طلب الاستقالة من منصبه برسالة تحريرية إلى رئيس مجلس النواب، أي : أن الرئيس إذا قدم طلب الاستقالة عبر وسائل الإعلام لا يعتبر ذلك طلباً دستورياً، وأن تحديد فترة الاسبوع من قبل الدستور هي لعدول رئيس الجمهورية عن طلبه من خلال مجلس النواب، الذي عليه أن يعقد جلسة عاجلة بطلب رئيس المجلس؛ لغرض تناول طلب الاستقالة، وللمجلس قبل أن يبت في هذا الطلب أن يقدم تقريراً عن حيثيات هذا الطلب، وعرضه على المجلس الذي بدوره يتخذ قراره، فإذا رفض الاستقالة ينتقل مجلس رئاسة مجلس النواب إلى رئيس الجمهورية ليبلغه بقرار المجلس وأسبابه، فإذا أصر الرئيس على الاستقالة اعتبرت مقبولة؛ ليعلن بعد ذلك مجلس النواب، خلو منصب رئيس الجمهورية والإعداد لانتخاب رئيس جديد خلال شهر من هذا الاعلان.
وبالرجوع إلى النظام الداخلي لمجلس النواب وقانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم (13) لسنة 2018 لم نجد المواد التي: تتعامل مع نص المادة 75، وهذا نقص تشريعي من الممكن تلافيه من قبل مجلس النواب، مع العلم أن اللائحة الداخلية لمجلس النواب المصري قد تناولت حالة استقالة رئيس الجمهورية بشكل مناسب().
العجز:
وهي الحالة التي لم يعد رئيس الجمهورية يمارس مهام واجباته بشكل دائم، وقد تناول الدستور في المادة 75 حالة الغياب والاستقالة، ولم يتطرق إلى الحالات الأخرى؛ حيث نصت الفقرة ثالثاً من هذه المادة على أن: يحل نائب رئيس الجمهورية محل رئيس الجمهورية عند خلو منصبه لأي سبب كان.
يوجد اتجاهان عند التطرق إلى حالة الخلو في دساتير الكثير من دول العالم؛ فهناك من يردها بشكل متسلسل ومنها الدستور الأمريكي الذي نص عند إقالة الرئيس من منصبه، أو في حالة وفاته أو استقالته، أو عجزه عن أداء سلطات ذلك المنصب أو واجباته يئول المنصب إلى نائب الرئيس()، أما الدستور الروسي فقد نص على أن : تنتهي سلطات رئيس الاتحاد في حالة استقالته أو عجزه المتواصل نتيجة لظروفه الصحية من ممارسة سلطاته، أو في حالة توجيه اتهام جنائي له()، والمشرع المصري ذكر تفاصيل حالة الخلو وختمها ب (لأي سبب آخر) وفق النص الآتي: (عند خلو منصب رئيس الجمهورية للاستقالة أو الوفاه، أو العجز الدائم من العمل أو لأي سبب آخر يعلن مجلس النواب خلو المنصب()) وهناك دساتير لم تتطرق إلى تفاصيل حالة الخلو، ومنها الدستور الفرنسي لسنة 1958 الذي نص في حالة شغور رئاسة الجمهورية لأي سبب كان()، وأخذ بهذا النهج الدستور الصيني: (في حالة شغور منصب رئيس جمهورية الصين الشعبية …يتولى نائب الرئيس منصب الرئيس()، من هذه النماذج لبعض المواد الدستورية يتضح بأن المشرع العراقي اختار أن يختصر حالات الخلو في الاستقالة والإقالة دون ذكر حالة العجز.
إن وضع العراق الذي لم يعتاد التعامل مع القواعد الدستورية الدائمة لفترة طويلة، وافتقاره إلى أعراف تؤسس انتقال سلس عند حالة الخلو في مناصب السلطة التنفيذية، يلزم تناول تنظيم حالات خلو هذه المناصب، بشكل تفصيلي ودقيق لتجنب أي اجتهادات لضمان تسيير مؤسسات الدولة بشكل مضطرد؛ ولذلك عند تعديل الدستور على نحو يتضمن احكام خاصة بالعجز المؤقت والنهائي وعدم الاكتفاء بالإشارة الضمنية بالعجز الدائم( خلو منصب رئيس الجمهورية لأي سبب من الاسباب)، وأناطت صلاحية إعلان العجز النهائي للرئيس لمجلس النواب بأغلبية ثلثي اصواته، مراعاة لخطورة ومفصلية هذا القرار وضماناً لجديته وحيادته واستقلاله().
وقد حدثت حالة خلو للمنصب دون الإعلان عنها عندما تعرض الرئيس جلال الطالباني إلى جلطة دماغية في شهر كانون الأول /ديسمبر 2012 حالت دون ممارسته لسلطاته الدستورية حتى انتهاء مدة دورته في 24 / 7/ 2014، أي: أكثر من سنة ونصف، وقد تم السكوت عن إعلان حالة خلو المنصب تفادياً من تداعيات غير مرغوب بها من قبل مؤسسات الدول والكتل السياسية المتنفذة، والتي كانت على حساب تفعيل النصوص الدستورية.
إن نقص تحديد حالات الخلو في النص الدستوري، ومنها : حالة العجز، وتحديد الجهة المختصة بالإعلان عنها، وتنظيم إجراءاتها، ساهم في فراغ دستوري لمنصب رئيس الدولة، وقد تم تمشية حالة الفراغ باعتبار أنها مجرد غياب وليس حالة عجز دائم، وما زاد من الإحراج في الموقف، الاستقالة المبكرة لنائب الرئيس الدكتور عادل عبد المهدي في 24/5/2011، واستقالة النائب الآخر السيد طارق الهاشمي في 30 كانون الأول / ديسمبر 2013 بعد هروبه وبقى النائب الثالث الدكتور خضير الخزاعي الذي أخذ على عاتقه تصريف أعباء المنصب حتى انتخاب الرئيس فؤاد معصوم في 24 يوليو 2014.
حددت المادة 75 بأن يحل نائب الرئيس محل رئيس الجمهورية عند خلو منصبه ()، ومن خلال الممارسة التطبيقية عند نفاذ دستور 2005 يتم توزيع مناصب الرئاسات الثلاث ونوابهم عبر صفقة واحدة، ولذلك يختار رئيس الجمهورية عند تسلمه مهامه الدستورية نائباً أو أكثر على أن لا يزيد على الثلاثة()، وعالج قانون نواب رئيس الجمهورية الإشكالية التي قد تحدث عند حالة عجز الرئيس بوجود أكثر من نائب، من خلال نصه أن يكون هناك نائب أول للرئيس من بين النواب الآخرين، وأن يحل النائب الأول لرئيس الجمهورية محل رئيس الجمهورية عند خلو منصبه لأي سبب كان().
لم يحدد الدستور الجهة المختصة بإعلان حالة خلو المنصب، وفي مثل هذه الحالات، تكون الجهة المختصة بانتخابه هي المعنية بذلك، وبما أن الرئيس ينتخب من قبل مجلس النواب، فهو الأولى بذلك خاصة وهو المعني بانتخاب الرئيس الجديد خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوماً من تاريخ الخلو().
ورغم من وجود النص الدستوري على وجود نائب للرئيس، وكذلك وجود قانون لنواب رئيس الجمهورية، لكن ظروف البلاد وتجاذب الأطراف السياسية وللحد من النفقات وتقليص عد المسؤولين تحول أحياناً دون أن يكون هناك نائب للرئيس، وفي ظل الازمة الاقتصادية وتصاعد المطالب الاحتجاجية ضد الفساد والترهل في اجهزة الدولة وباقترح من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة مجلس النواب، تم الاستغناء عن نواب رئيس الجمهورية ()، وهذا أوجود رئيس جمهورية بدون نائب له، وتنبأ الدستور لحدوث ذلك، أي: عند حالة خلو منصب الرئيس، وعدم وجود نائب له؛ حيث عالجتها المادة 75 رابعاً: (في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية، يحل رئيس مجلس النواب، محل رئيس الجمهورية في حالة عدم وجود نائب له…)، وقد الغت المحكمة الاتحادية قرار مجلس الوزراء رقم 307 لسنة 2015، الذي وافق عليه مجلس النواب، بالاستغناء عن نواب رئيس الجمهورية، باعتبار أن ذلك يشكل مخالفة للمادة 69 من الدستور التي الزمت مجلس النواب اصدار قانون ينظم احكام اختيار نائب أو اكثر لرئيس الجمهورية مخالفا لأحكام قانون نواب رئيس الجمهورية رقم (1) لسنة 2011 الذي نظم آلية اختيار وإعفاء نواب رئيس الجمهورية، والذي حدد عددهم بان لا يزيد عن ثلاثة نواب وأن لا يقل عن واحد.
وقد أثيرت حول حلول رئيس مجلس النواب محل منصب الرئيس عند حالة الخلو وعدم وجود نائب للرئيس بعض التساؤلات ()، أن يحل رئيس مجلس النواب محل رئيس الجمهورية عند عدم وجود نائب له، خلال فترة الخلو؛ حيث يلاحظ في ذلك خرق واضح لمبدأ الفصل بين السلطات، الحقيقية أنه من غير المعقول إسناد مهام رئيس الجمهورية ورئاسة مجلس النواب المكلف بانتخاب رئيس الجمهورية الجديد لذات الشخص ().
تمنح دساتير بعض الدول مهام رئيس الجمهورية عند خلو المنصب إلى رئيس الغرفة الثانية من السلطة التشريعية حتى انتخاب رئيس جديد، وعادةً ان هذه الغرف التشريعية لا تساهم بشكل مباشر في انتخاب رئيس الجمهورية؛ فالقانون الأساسي الألماني لسنة 1949 ألزم رئيس اتحاد الولايات (البوندسترات)، أن يحل محل الرئيس عند خلو المنصب له حتى انتخاب الجمعية الاتحادية لانتخاب رئيس جديد()، وكذلك الدستور الفرنسي ألزم رئيس مجلس الشيوخ أن يحل محل الرئيس عند حالة خلو منصبه()، وبوضع متقارب أيضاً؛ فقد أوكل الدستور الهندي لرئيس مجلس الولايات ممارسة مهام الرئيس عند حالة خلو المنصب حتى انتخاب رئيس جديد للدولة ()، وكذلك منح الدستور الإيطالي لرئيس مجلس الشيوخ قبول مهام رئيس الجمهورية عند خلو المنصب()، ويدعو رئيس مجلس النواب إلى انتخاب رئيس جديد، ومن هذا فإن من الطبيعي أن يوكل لرئيس أحد غرف السلطة التشريعية مهمة رئيس الدولة، عند حالة خلو المنصب، وهذا لا يضر من مبدأ الفصل بين السلطات؛ لأن من سمات النظام البرلماني هناك علاقة تعاون متبادلة ما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
إن تكليف رئيس مجلس النواب مهمة رئيس الجمهورية عند خلو المنصب في الدستور العراقي، جاء بفعل عدم تفعيل المنصب الدستوري الخاص بمجلس الاتحاد، فإذا صدر قانون مجلس الاتحاد، سيكون رئيسه هو الأولى لهذه المهمة بعد أن يقوم المشرع العراقي بتعديل النص الدستوري بما يعزز من وجود ومكانة هذا المجلس ومكانته، ويمكن أن يغني من أعباء منصب نائب الرئيس ونفقاته.