18 ديسمبر، 2024 7:04 م

خلق آدم وحواء والخطيئة الأولى

خلق آدم وحواء والخطيئة الأولى

روايات الكتب المقدسة فيما يتعلق بخلق الإنسان الأول بشخصَي آدم وحواء [وجدت أن القرآن ذكوري بامتياز، فعلى سبيل المثال ذكر آدم باسمه، لكنه لم يذكر حواء باسمها، إنما ذكرها بـ «زوج آدم»]، إذا ما فهمت بصورتها الحرفية بحسب ظاهر النصوص، فإن الحقائق العلمية التي أصبحت ثابتة ترفضها قطعا. وبقطع النظر عن الدارونية، فقد ثبت وجود الإنسان بملايين السنين قبل ما تحدثنا به هذه الكتب. ولكن إذا كان المقصود بآدم وحواء رمزية بداية الإنسانية الراشدة، وبالتالي المسؤولة أمام عقلها وضميرها وربها، وهو ما يسمى بالمصطلح الشرعي بالتكليف، فيمكن أن نتصور بداية النوع الإنساني العاقل والمسؤول من هذه الفترة، لاسيما أن الحضارات الإنسانية المكتشفة – مع التسامح – تقارب هذه الفترة من بداية المسيرة الإنسانية المتمثلة بآدم كرمز للإنسان الذكر، وحواء كرمز للإنسان الأنثى، وبالتالي يمكن اعتبار حتى الجنة التي تتحدث عنها الكتب المقدسة مسألة رمزية، باعتبار أن الله سبحانه وتعالى قد أودع في الإنسان من ملكات وقابليات في العلم والخلق والإبداع، ما يؤهله لصناعة جنته وجنة الإنسانية عموما، إلا أنه وكما يعبر القرآن بسبب أنه كان ظلوما أو جهولا، ضيع على نفسه هذه الفرصة، من خلال أن الشيطان الذي يمثل هو الآخر رمزا لنوازع الشر والجهل في داخله، جعله يخرج من تلك الجنة التي كان من الممكن أن يصنعها لنفسه، أي للنوع الإنساني، والتي يحدثنا القرآن أن الله قد خاطب الإنسان متمثلا رمزيا بآدم، ليس خطابا مباشرا، بل عبر عقله: «إِنَّ لَكَ أَلّا تَجوعَ فيها وَلا تَعرى، وَأَنَّكَ لا تَظمَأُ فيها وَلا تَضحى». أما إذا كان ثابتا أن المعنى المقصود من ذلك هو نفس المعنى الظاهر، فهذا وغيره الكثير يضع القرآن محل شك في إلهية مصدره، لأن الله سبحانه يتعالى عن أن يجهل شؤون الكون الذي خلقه، أو أن يصوره للإنسان على خلاف الواقع. وفي كل الأحوال ربما يبقى تصوير القرآن – في هذا الجانب بالذات – أقل بعدا عن العقل من تصوير العهدين القديم والجديد، من حيث خلق حواء من ضلع آدم، ومن حيث الخطيئة الأولى التي يُحمّل العهدان حواء مسؤوليتها، ومن حيث معاقبة الإنسانية بما يفترض أن أبويهما اقترفاه، لأن القرآن في هذه الأمور يعالج القضية نسبيا معالجة عقلية، أكثر مما هو في العهدين القديم والجديد، تنسجم مع ضرورات العدل الإلهي بقوله «لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِّزرَ أُخرى»، ولو إنه ينقضها في التفاصيل. ولا أريد أن أتناول القصص الأخرى التي تمتلئ بها الكتب المقدسة، من قصص الأنبياء ونزول الله إلى الأرض، وغيرها، مما يتقاطع كليا مع العقل الفلسفي. كما إن من اللامعقول نجده في الكثير مما روي عن الأنبياء في القرآن، وإن كان مؤلفه قد حاول إجراء عمليات تنقيح وتجميل وتصحيح وحذف وإضافة فيما رآه، ولكنه لم يفلح تماما في عرض قصصهم وشخصياتهم بكل تفاصيلها، لتكون مقبولة من أشخاص يفترض أن الله هو الذي اختارهم، واختارهم لأخطر المهام، ألا هي مهمة التبليغ عنه، وهداية الناس، مما يوجب نُموذجيتهم وقدوَوِيّتهم بحكم الاختيار الإلهي، لأن الله لا يمكن أن يخطئ الاختيار، باعتبار أن أسباب خطأ الاختيار كلها ممتنعة على الله، من أمثال عدم العلم أو نقصه، أو عدم الحكمة أو نقصها، أو عدم اللطف، أو السهو، أو غيرها.