مشهد الاستجواب البرلماني لوزير الدفاع في يوم الاثنين المصادف 1/8/2016 وما ورد فيه من اتهامات على لسان الاخير للرئاسة والى حفنة من نواب اتحاد القوى دون غيرهم، لم يكن حالة عفويا صنعتها سجالات الحوار الساخن بين الاطرف على ما يبدو. فالعيبدي مطلع على النوايا والاتفاقات المبية. وان ثمن استجوابه هو اقصاءه عن منصبه الوزاري في احسن التوقعات.. خصوصا وان خصومه من طراز رئيس البرلمان واطراف سياسية اخرى.
ورغم ان بداية الاستجوابة كانت تسير وفق برنامج مخططيه، حبث رفعت النائبة عالية نصيف الجاسم اشكالاتها المدونة بخصوص المستشفى العسكري موضحة ارتكاب الوزير لمفارقات وتجاوز السقوف المحددة للمقاول، الا ان ثمة هرج ومرج صاحبة اشكالات النائية مما دفع بالعبيدي ان يدس السم بالعسل في اشارة الى وجود ابتزازات من مجلس النواب.
النائبة حنان الفتلاوي دخلت سباق الاستجواب قبل غيرها لتسلط الضوء على كلمة الوزير مطالبة الافصاح عن المتورطين. حركة الفتلاوي جاءت سريعة وخاطفة، واذا استطاعت ان تحرف مسار الاستجواب وتنقله الى اعترافات، الا انها اثارة شبهات عن حجم علمها المسبق بعترافات الوزير بعد اصرارها وتهديدها غير المباشر بين كشف الاسماء او المقاضاة.
وقد لا تقف خلفيات استجواب الوزير على الساعة الاخيرة من انعقاد الجلسة، خصوصا وان العبيدي قام بعدة لقاءات مكوكية بين مفردات الكتل السياسية ليؤمن سلامة بقاءه في منصبه. ورغم ان الوزير لا يمتلك رصيدا سياسيا يقيه صولة المتربصين به الا ان ترتيب ما ترشح لدعم اعترافاته ليس حرصا عليه بقدر ما هو تحقيق لغايات اخرى طالما ظلت معلقة.
رئيس الوزراء المتمسك بالعبيدي والمطلع سلفا عن معظم اعترافاته جاهد نفسه بدعوة المالكي وكتلة الدعوة البرلمانية في اجتماع طارىء ليلة جلسة الاستجواب لحثهم بعدم سحب الثقة عن وزيره. ورغم ان المالكي لم يفصح الكثير عن نواياه في الجلسة الطارىء الا ان العبادي كانت لديه معلومات كافية عن توجه المالكي ومساعيه للاطاح بالعبيدي، مما دفع برئيس الوزراء يتنازل لصالح الاستجواب ورفض سحب الثقة. والغريب وما يثير غريزة التساؤل والاستفهام، ان العبيدي توسل بجميع السبل والوسائل ولغاية صباحا يوم جلسة الاستجوابة للقاء بالمالكي لكن الاخير تفنن في عدم اللقاء به.
تهرب المالكي من لقاء العبيدي ورغبته في حجب الثقة عنه اهدافا غير مقطوعة الصلة عن خلفية ملف سقوط الموصل بيد داعش ابان حكومة الاول. فالعبيدي مرشح اسامة النجيفي الغريم للمالكي مقابل مرشحين اخرين للوزارة من امثال جابر الجابري من قبل كتلة تحالف القوى. وما يثير المالكي ويزعجه ويعمق رغبته في الاطاحة بالعبيدي هي تلميحات الاخير عن امتلاكه معلومات خطيرة ومهمة للغاية عن اسباب سقوط مدينة الموصل. وهي اشارة لا تخلو من الاتهامات المبطنبة.
ويبدو ان معارك وزير الدفاع وخصوماته بدات منذ توليه الوزارة. فكتل الحل اتهمته بالتنصت على مكالماتها الهاتفية بعد تلكأ محاولات التعاون. وحنان الفتلاوي اصرت على استجوابه، مما اتاح الفرصة للنائب حيدر الملا للقيام بحملة الواساطة مقابل عقد مع الوزارة يترب عليه مليوني دولار عمولة، كما زعم العبيدي في اعترافاته.
الغريب في المشهد ان الكتلة السنية هي المتربص بالوزير للاطاحة به بعدما كانت المرشح له للمنصب. وان وزير الدفاع وجه اتهامته لبعض مفردات الكتل السنية حصرا. وما عزز الشكوك والظنون ان قوى الاصلاح لقت في اتهامات سليم الجبوري فرصة ذهبية لتحقيق ماربها القديمة الجديدة. واذا كان هناك جناح برلماني عزم على النيل من الوزير فان الاخير قلب الموازيين باعترافاته وافرز جناحا برلمانيا اخرا راح يحتمي تحت عباءات اتهامات رئيس المجلس وبعض نوابه من اجل تصفية حسابات واعادت ترتيب اوراق.
واذا كان البعض لا يعول كثيرا على النزاهة والسلطة القضائية لفقدان مهنيتهما واستقلاليتهما فان واقعة اعترافات وزير الدفاع بحدها الادنى قد زعزعت الثقة برئيس البرلمان – بغض النظر عن براءته – وستعيق امكانية عودته الى منصب الرئاسة، ناهيك عن رفع مستوى الشكوك والتهاتر بين البرلمانيين مما سيؤثر على استمرارية ثقة الشارع العراقي بالعملية السياسية برمتها.