18 ديسمبر، 2024 11:44 م

خلط الواقع بالغرائبية في رواية الراعي وفاكهة النساء

خلط الواقع بالغرائبية في رواية الراعي وفاكهة النساء

عن دار الرّعاة للدّراسات والنّشر بمشاركة جسور ثقافيّة للنّشر والتّوزيع صدرت هذا العام 2021 رواية “الرّاعي وفاكهة النساء” للكاتبة الفلسطينية ميسون أسدي، وتقع الرواية التي يحمل غلافها الأوّل لوحة للفنّان التّشكيلي عبد عابدي في 2018 من الحجم المتوسّط.

عرفنا الكاتبة ميسون أسدي ككاتبة واقعيّة، كتبت القصّة الكبيرة للكبار وللأطفال، كما كتبت الرّواية أيضا.

واضح أنّ الكاتبة هدفت من روايتها الواقعيّة الغرائبيّة هذه تبيان العلاقة بين الرّجل والمرأة، وتدور غالبيّة أحداث الرّواية في حوار دار بين هزّاع بطل الرّواية والمحامية ابتهاج أنطون، وإن غلب على المضمون اعترافات هزّاع حول علاقاته مع النّساء، وحول حاجة “الذّكر والأنثى” للجنس.

آخذ على الرّواية أنّ الكاتبة حمّلت هزّاع راعي الغنم أكثر ممّا يحتمل، فقد رأيناه زير نساء، فيلسوفا، محلّلا نفسيّا، ومثقّفا كبيرا، فكيف تأتّى له ذلك وهو من عاش في بيئة رعويّة، ولم يأخذ نصيبه من التّعليم، وكأني بالكاتبة لم تترك بطل روايتها يتحرّك ضمن قدراته، بل هي من حرّكته وتكلّمت عنه. كما آخذ على الرّواية أيضا أنّ النّساء فيها لم يكن لهنّ موقف سوى تلبية حاجة الرّجال الجنسيّة دون أدنى معارضة. حتى المحامية أريج لم تكن استثناء، فقد جاء على لسان هزّاع عنها” أيقن بأنّها أشهى امرأة تمشي على قدمين لا تمتنع عن رفعهما عاليا في أي وقت”ص 129.

ويلاحظ أنّ الرّاعي هزّاع قد اكتشف الجنس من خلال مشاهداته لتزاوج قطيع الأغنام مع ذكورها:”اكتسبت الحرّيّة من حرّيّة الحيوان ومن مراقبتي لفحول القطيع”ص40.

وشاهد هزّاع:” شاهدت بنفسي كيف كان جاري يجامع أتانا دون أن يرف له جفن.”ص52. وجاء في الرّواية تبرير “علميّ” لذلك على لسان المحامية أريج مستشهدة بفرويد:” اعتبر فرويد غريزة الجنس حاجة محوريّة في السّلوك الانسانيّ، وأنّ الانسان مجبول على تعويض الحاجة إن حرم منها…………….لذلك سعى الإنسان لتجربة أنواع أخرى من المتعة خارج دائرة الجنس البشريّ”ص 54. وبعد ذلك هناك تفسير للجوء بعض البشر لممارسة الجنس مع الحيوان جاء على لسان هزاع:”إنّ التّآلف بين الإنسان والحيوان جنسيّا أصبح ممكنا بعد أن حرّمت الأعراف الاجتماعيّة ذلك دون الزّواج وصنّفته ضمن التّابوهات الكثيرة في المجتمع!”ص 56. ومن خلال رؤية هزّاع وزميلته حسنة لتزاوج الأغنام فقد ثارت شهواتهما في مرحلة عمريّة مبكّرة، وقلّدا الأغنام في ذلك، وأقاما علاقة حميمة في المراعي بعيدا عن عيون النّاس. كما أشار هزّاع كيف كان يرى وشقيقاته وأشقّاؤة والدهم وهو يسطو على والدتهم ويضاجعها ليلا قبل أن يناموا. وبما أن محور الرّواية يدور حول الجنس، فقد جاء التّركيز على العلاقة خارج إطار الزّواج، حتّى أنّه ورد على لسان هزّاع وهو يقول للمحامية ابتهاج بعد أن اعترفت له بزواجها وبطلاقها، مهاجما الزّواج:”إذن أنت تعرفين علّة الزّواج، فأنا باعتقادي أنّ هذه المؤسّسة هي الأسوأ من بين المؤسّسات الموجودة في المجتمع.”ص 170. ولتكملة الصّورة في العلاقة بين الجنسين فقد انتقل هزّاع إلى العمل في مطعم في تل أبيب، وهناك نصحه صاحب العمل بأن يتّخذ اسما عبريّا لتسهيل علاقته مع الفتيات اليهوديّات، وصار اسمه”عزرا”، وهناك تعرّف على فتاتين عشقهما وعشقنه، على اعتبار أنّه يهوديّ، وعندما اكتشفت إحداهما أنّه عربيّ، اعترف لها بأنّه بدويّ وليس عربيّا، وفي هذا إشارة ذكيّة لتصنيف المؤسّسة الصّهيونيّة الفلسطينيّين إلى” عرب، بدو، مسيحيّين ودروز”. وبهذا فإنّ المسلمين من غير البدو هم العرب فقط!

وقد ورد في الرّواية أنّ هزّاع قد تزوّج من بنت عمّه شيحة خضوعا لأعراف القبيلة، ولمّا أنجبت منه ثلاثة معاقين تزوّج بتحريض من والده ثانيّة وأنجب منها بنتا. ولتكتمل وتتشعّب دائرة الجنس في الرّواية، فإنّ هزاع افتتح صالونا لتجميل النّساء، ومن خلاله عاشر العديد من النّساء، ومن خلال السّرد الإنسيابي الذي يشبه حكايات ألف ليلة وليلة شاهدنا كيف احتالت إحدى خليلاته التي شاركت بمؤتمر في إيلات على زوجها، كي يرسل مصفّف وحلّاق الشّعر، فأصرّ على هزّاع أن يلحق بها ليواصل علاقته معها هناك.

وهزّاع هذا الذي لم يوفّر أنثى مهما كان عمرها، كاد أن يقيم علاقة مع صبيّة في الرّابعة عشرة من عمرها لولا أنّ والدتها هاتفته؛ لتخبره أنّ هذه الصّبيّة هي ابنته!

واضح أنّ الكاتبة اختارت راعي أغنام “هزاع”؛ كمبرر للحديث عن تزاوج الحيوانات، وعن معاشرة بعض البشر للحيوانات أيضا، ثمّ انتقلت به إلى تل أبيب لتطرح ثقافة أخرى مغايرة في التّعامل مع الجنس، وأعادته إلى قريته، ليفتتح صالون تجميل للسّيّدات؛ لتروي لنا أنّ أيضا هناك علاقات بين الرّجل والمرأة في المجتمع العربيّ، لكنّ هذه العلاقات سرّيّة. وفي تقديري أنّ الكاتبة ميسون أسدي التي تعمل باحثة اجتماعيّة قد استوحت مضامين حكايات وقصص روايتها من مشاهداتها العمليّة، فألبستها جميعها لشخصيّة واحدة هي “هزّاع”.

وأحسب أنّ انصياع النّساء لرغبات هزّاع في الرّواية وعدم رفضهن لتلبية رغباته جاء لتبيان أنّ المرأة مضطهدة ومحرومة وبالتّالي فإنّه يسهل الإيقاع بها. ويلاحظ القارئ للرّواية أنّ هزّاع لم يتعاطف مع امرأة إلا مع والدته ومدى شقائها وتضحياتها كما ورد في الصفحة 66، وأثناء معاشرة والده لها أمامهم بالقوّة وكأنّه يغتصبها.

الأسلوب واللغة: جاء أسلوب الرّواية حكائيّ انسيابيّ يطغى عليه عنصر التّشويق، واللغة كانت فصيحة لكنها لم تخلُ من الأخطاء اللغوية والنّحويّة.