23 ديسمبر، 2024 3:41 م

خلط الاوراق بعد تحرير تكريت

خلط الاوراق بعد تحرير تكريت

ربما كان متوقعا ان تأخذ الحملات الاعلامية والسياسية التسقيطية ضد قوات الحشد الشعبي بعد تحرير مدينة تكريت من عصابات داعش مديات وابعادا اوسع واشمل، كردة فعل على تلك الانتصارات ومن كان ورائها، وكتعبير عن هواجس الخوف والقلق مما يطلق عليه التمدد الشيعي الى المحافظات والمناطق ذات الهوية السنية، واكثر من ذلك تمهيد الارضيات والنفوس لدى ابناء محافظات الانبار ونينوى ودفعهم الى رفض مشاركة قوات الحشد الشعبي في تحرير محافظاتهم من داعش، كما حصل في محافظة صلاح الدين.

   وفي المرحلة الاولى للحملات الاعلامية والسياسية التسقيطية التي بدأت مع تحقق الانتصارات في امرلي وجرف النصر وبلد وسامراء والضلوعية وبلغت ذورتها مع انطلاق معركة تحرير تكريت، لم يتحقق المراد، رغم ضخامة وتعدد الوسائل الاعلامية والمنابر السياسية العالمية والعربية والاقليمية التي شاركت بتلك الحملات، لذلك كان لابد من مرحلة اخرى علها تحقق المطلوب، وبالفعل فأن المرحلة الثانية انطلقت مع بزوغ فجر الانتصارات في تكريت.

   وابرز عناوين المرحلة الثانية للحملات التسقيطية ضد الحشد الشعبي، كانت السلب والنهب والحرق، وذات الاطراف والجهات التي تبنت المرحلة الاولى، تبنت المرحلة الثانية.

   فهناك اشخاص يشغلون مواقع تنفيذية او تشريعية في السلطات الحكومية، سواء الاتحادية في بغداد، او المحلية في بعض المحافظات، وتحديدا صلاح الدين ونينوى، راحوا يسردون قصصا ووقائع عن جرائم وتجاوزات ارتكبها الحشد الشعبي في المناطق المحررة من داعش دون ان يتمكنوا من اثبات ادعاءاتهم بأدلة وارقام وشواهد يعتد بها، وحينما توجه اليهم اسئلة واستيضاحات بهذا الخصوص، يقولون ان القنوات الفضائية الفلافية والفلانية عرضت تقارير مصورة عن عمليات السلب والنهب والحرق.

   والملفت في هذا الخصوص، ان تلك القنوات، كانت ابرز المساهمين في الحملات التسقيطية، وهي ذاتها لايمكن ان تثبت ان قوات الحشد الشعبي هي التي كانت تحرق وتسلب وتنهب في التقارير التلفزيونية والصور التي بثتها ونشرتها.

   فقنوات الجزيرة والعربية والشرقية وcnn  وغيرها، لم تكن حاضرة في ميادين المعارك من جانب، ومن جانب اخر كانت –ومازالت-تقوم بشراء مقاطع فيديوية مسجلة بواسطة الهواتف الذكية من اشخاص مدنيين لقاء مبالغ كبيرة، ناهيك عن كونها تلجأ الى فبركة مقاطع لانتهاكات وتجاوزات في دول اخرى غير العراق، وتبثها على انها تجاوزات لقوات الحشد الشعبي على ابناء المناطق المحررة. في ذات الوقت لم تكلف تلك القنوات نفسها لبث ولو جزء مما ارتكبته الجماعات الارهابية المسلحة من جرائم فضيعة، لعل ابرزها واوضحها للعيان جريمة قاعدة سبايكر الجوية التي راح ضحيتها الف وسبعمائة شخص من طلبة كلية القوة الجوية، ومعظمهم من محافظات الجنوب والفرات الاوسط.  

  المفارقة ان الساسة، وبعضهم من العراق، وبعضهم عرب، واخرين اجانب، يستندون في ادعاءاتهم على ما تبثه القنوات المشار اليها ومن يتبنى نفس النهج من قنوات اخرى وصحف ووكالات ومواقع الكترونية، وبدورها تعمد الاخيرة الى تسويق واجترار مايقال على لسان هؤلاء، حتى ليبدو للمتتبع ان القضية منسقة، وان هناك من يدير ويوجه الامور من خلف الستار.

   الى جانب ذلك فأن الماكنة الاعلامية والسياسية التي تصدت للحملات التسقيطية، تعمل جاهدة على تغييب الرأي الاخر، وكل ما يتعلق به من ارقام وحقائق ومعطيات، واذا قررت عرضه واظهاره، فأنها تقوم بذلك بصورة فيها مغالطات وتشويه وتحريف.   

   وحينما يندد ساسة ومسؤولون حكوميون ووجهاء عشائر في صلاح الدين بالحملات التسقيطية ضد الحشد الشعبي، فأن ذلك امر يستحق التوقف، لاسيما حين تغيب مثل تلك الادانات عن شاشات وفضاءات وصفحات القنوات الفضائية والمواقع الالكترونية والصحف الورقية.

   فرئيس مجلس محافظة صلاح الدين احمد عبد الجبار الجبوري، يرى ان الاخبار عن عمليات السلب والحرق مبالغ فيها، وان اتهام الحشد الشعبي بأرتكابها شيء غير صحيح، لاسيما في ظل غياب الارقام والادلة التي تثبت ذلك.

   في حين يندد نائب محافظ صلاح الدين عمار البلداوي بالهجمة الشرسة ضد الحشد الشعبي، معتبرا اياها اساءة لكل عناصر ذلك التشكيل، ويقول “قد تكون هناك بعض التصرفات المسيئة من قبل المندسين في الحشد الشعبي، لكن بعض القنوات تعمل على إظهار أن تلك التصرفات بأنها منهج الحشد، في حين ان الاخير براء من كل ذلك”.

   وتربط بعض الجهات بين الحملات التسقيطية، وجريمة سبايكر التي اتاحت عملية تحرير مدينة تكريت الكشف عن الكثير من ملابساتها، وتقول، ان مناصري “داعش” قاموا بالحرق والنهب في تكريت وهم من نفس المناطق، وهي عبارة عن استعدادات دفاعية من قبل منفذي جريمة سبايكر، من اجل خلط الاوراق وتضييع معالم الجريمة، وصرف انظار الرأي العام عنها. 

   والمسألة المهمة التي ربما تتعمد بعض الجهات التغاضي عنها، هو ان سيطرة داعش على بعض المناطق وتعاون بعض ابناء العشائر معها ضد عشائر اخرى رفضت نهج وسلوكيات داعش، ومن ثم اندحار داعش، ولّد مشاعر حقد وانتقام وكراهية، ونزعة للانتقام والثأر وتصفية الحسابات وفق المنطق العشائري، الذي غالبا ما ترافقه اساءات وتجاوزات، وهو مانبهت اليه وحذرت منه المرجعيات الدينية في النجف الاشرف وفاعليات سياسية وعشائرية من كلا المكونين السني والشيعي على السواء.

  ويتساءل البعض قائلا، هل يعقل ان يقوم من ترك اهله وعائلته وضحى بكل شيء وتحمل الصعاب والمخاطر، وواجه الموت بكل شجاعة وصلابة، ان يقوم بسرقة اسطوانات الغاز السائل واجهزة التلفاز وسلع منزلية قد لايعني ثمنها شيئا؟.  

   ويتساءل البعض كذلك، هل يعقل ان يسلب وينهب ويحرق، من يوزع المساعدات الانسانية على النازحين، ويهيء الظروف المناسبة للعوائل النازحة من اجل العودة الى مناطقها وبيوتها لتجد ممتلكاتها من اثاث ومواشي وسيارات كما تركتها دون نقص؟.

   وتتضح حقيقة الحملات التسقيطية حينما تعثر الاجهزة  الامنية على وثائق في اوكار داعش التي هربوا منها بعد هزيمتهم في تكريت، تؤكد صدور تعليمات مشددة من قيادات التنظيم الى عناصره تقضي بتخريب وتدمير مايمكن تخريبه وتدميره من المناطق التي يتم الانسحاب منها، وبحسب المعلومات، فأن الاجهزة الامنية حولت بعضا من تلك الوثائق الى قنوات فضائية لعرضها الا ان تلك القنوات رفضت وتمنعت بحجج وذرائع واهية.  

   ومن غير المتوقع ان تنتهي وتتوقف تلك الحملات، بل علينا التحسب لمراحل اخرى، خصوصا عندما تنطلق عمليات تحرير الانبار وبعدها نينوى، فكلما زادت انكسارات داعش، وتفاقمت هزائمه، كلما اتسعت حملات التسقيط البائسة ضد الحشد الشعبي.