27 ديسمبر، 2024 4:57 ص

عند نهاية الشارع الطويل الممتد الى ما لانهاية حيث عمره الذي قضاه وقد اشبع قصص وحكايات بنات الهوى، توقفت مركبة نزلت عنها فتاة فائقة الجمال شبه عارية تترنح، ممسكة حقيبتها الصغيرة بعد ان دفع بها من كان جالسا الى جانبها قائلا: هذا هو مكانك الجديد اعملي جيدا وأمتعي الزبائن فرواد هذا المكان من أصحاب المناصب الكبيرة هيا ..
كعادته لم يرغب ان يغير من إضاءته ذلك العمود الذي اخَفَتَ نوره بغية عدم جلب نظر على من دخلت حيزه….
هي اثقلتها مضاضة حتوف لم تعي لطماتها، خاصة انها كانت تتلقاها الواحدة بعد الأخرى، اُبلي درعها الذي كانت تتقي به عفة جردت منها حين نهبوها واغتصبوا عذريتها في يوم ما أو في سنة لاتعلم تأريخها، غير انها توجز كل ذلك في لفافة أفيون مخدرة تمتصها بشدة حتى تجبر براعم انفها على العراك ايها تتلقفها كي تسبح في عالم اللاهوت الباغي البعيد… غريبة هي الحياة!! حتى وجعها يدفع بنا للرغبة الى الهروب عن مواجهة الواقع تخاطب ظلها… أما أنت يا من شهدت ظلي يتراجع في كل مرة حين يأتي من يساومني على بضاعتي التي لا أقوى على رد بيعها، خوفا من قوادين باتوا زعماء تحاصصوا الشوراع والقانطين فيه كسوق نخاسة، بتنا ياسيدي الضياء نحفر اسمائنا آهات على جسدك القديم كسابقيك، والذي مللت من تمثيل دورك فيك كشاهد عيان اخرس وأعمى، ألزموك الخرس بعد ان عقفوا رقبتك، دَلّوا لسانك وعلقوا على طرفهِ شعلة توحي إليك وناظريك بأنك ذوفائدة بإنارتك الخافتة التي لاتتسع اكثر من ظلي المتهالك، انظر حتى هو لا يمكنه التحرك ابعد من مساحة الدائرة التي وضعني فيها القدر وباعة الاجساد وإياك، اما أنت لا زلت تقف متسمرا، تعي وتشاهد، لكنك لا تحرك ظلك المعقوف كإشارة رفض، حتى عندما يقتلون آدميتنا، لعلك لا تشعر بأحاسيسي حين تراودني الهواجس فدعني افضي إليك بهمومي، كم حَيَرتَني بعجزك وتشابهكم كأعمدة نور عمياء!؟ اورثتموني الانصياع قهرا حينما رأيت ذلك الكلب الأجرب يتبول على من هم على شاكلتك، كان يقف بهالة وأرتياح على من هم بطولك عاجزين دون ان يجرؤا على طرده… يا لضعفكم الذي تعكسونه من خلال خفاتة ضياء، اعلم جيدا أنك تحاكي الأنواء الجوية، الريح وحتى حرارة الشمس متوسلا منها الاسراع في تآكلك، كي تقع وتنهي وقفتك وعجزك… لا اعلم لعل عبارة كُتِبت على جسد احدكم قرأتها ذات مرة مصادفة، أظنها جعلتني اتعاطف معك كي ابقى مثلك اتحمل بيع جسدي دون روحي وعقلي بأفيون مخدر، اعتدت ان لا استغني عنه كأنه سنارة اتقافز كالسمكة حتى ارمي نفسي عليها مغرزة إياها بجسدي كي اقع فريسة صيد سهلة لمن يطرحني ويعمد الى اكل لحمي الميت، لعلك تظن اني حية؟؟ لا.. اُطمئنك بأني ميتة منذ زمن بعيد… لكن هلا اخبرتني عن نفسك وماشهدته من احداث عمن كن قبلي بائعات الهوى؟
طن وأز جسد العمود وقد شحب ضيائه أكثر، بات طنينه يوجع رأسها فابتعدت عنه، صَمَت أذنيها مسرعة عن دائرة النور.. سارع الى رد لسانه مبتلع طنينه صائحا بعد ان اهتز.. ماذا تريدين مني؟؟ يا حسرتي عليكم ما باليد من حيلة، أنظري حولك دعي بصرك يمتد الى نهايات وبدايات الشارع… كم هي عدد الاعمدة الملقاة على ارصفته؟ وكم منها لازال يبصر النور؟ أظنك ستفشلين بالرد، كون بني جلدتك اخصوا واغتصبوا الضياء حين استباحوا الحرام، بعدما عكفوا عبادة في طواحين الليالي الحمراء، يبتاعون البغاء حلالا طيبا، لا جرم فإنسانكم راقت له فكرة العبودية حين وجد نفسه ربا مالكا يبيح لنفسه السطوة بزرق الابر المخدرة أفيون خوازيق صغيرة اعتاد عليها ضعاف النفوس… قد تقولين أجبرت على فعل ذلك.. لا لوم عليك، لكن مالذي يبقيك على فعله؟ اخوفا من الموت؟ وهل تظنين أنك حية؟ ام تنتظرين يد من السماء تنتشلك، تبعدك عن عالم الحيوانات البشرية، اخبريني أنت.. كم من خنازير ولغوا في جوفك وراغوا قذفا حيامن موءدة بحجة متعة جنسية لهدم هيكل محرم، نعم شهدتُ الكثير من بائعات الهوى يقعن في بئر الرذيلة نتيجة عوز وفاقة.. لا تلوميني بل لومي من كان بإمكانه منعها من السقوط، غير ان اختيارها اودى بها الى هاوية الموبقات والرذيلة، فكثيرا ماسمعت أنات تناجي الله وسؤاله لماذا ابتلين بواقع وجريرة الحرام؟ مالذي جنَينَهُ كي يدفعن ثمن خطيئة غيرهن؟ لِمَ هن؟؟ برغم التحضر لازالت النظرة بإنهن خلقن بضاعة، أين عدل الله في ذلك؟ متناسيات ان المجتمع والعالم بات يجري نحو الرذيلة والمحرمات، باتت مصالحه تتداخل كمظاريف سرية الى باعة الدين بحجج حَلل وافتي ما عليك من حرج، إن العالم يقوده القوادين شئتِ أم ابيتِ، تماما كما احلوا النور والظلام، فلا تلومي من يبتكر ويخلق الطائرة، لكن عليك ان تلومي من يسقطها بحجة او بعذر قضاء وقدر… ربما هناك أيدي خفية تكون سببا للقضاء والقدر واظنها بعيدا عن متناول البعض فهي من صنع الله في ابتلاءات اكبر من ذلك هكذا أعتقد… إن عالمكم بات يغص بالارباب، والرب نفسه يبحث عن رب يعبده أيا كان الثمن، أما انتِ وبائعات الهوى قد تكونن ضحية، لكن احيانا يراد الوقوف بوجه الرب الدنيوي كي يعي خطأه، لا اوعز لك بأن تكون المرأة الخارقة لكن عليك باتخاذ قرار كصاحبة تلك العبارة التي اردتِ اخباري عنها وجعلتك لا تلوميني، لقد اخبرني من كَتَبت عليه تلك العبارة بأنها عكرت الحياة حتى ازهقت الموت بداخلها فقتلته، رغبت الموت كخلاص، صلبت نفسها عارية، أسملت عيناها واخاطت فمها كي تبوح لمن يراها عن حقيقتها، فلا زالت العبودية تتجدد، ولازالت الجاهلية تتعامد كالشمس ساعة الظهيرة حين يختفي ظلها موحية ان النهار قد انتصف، وما ان تنتهي الصلاة حتى تدخل القرابين والنذر محراب أئمة المصلين، الطواحين الحمراء تلك، الغريب ان الرجال يتشاطرون على من يشتري ويدفع اكثر لحواء في يوم ما وزمن ما، ربما كانت أماً، أختا، زوجة، خالة او عمة وربما حتى خليلة لأحد من اصلابه، هذه هي حقيقة الحرام.. فقوادين الشيطان أمتازوا بصنع سفينة تجري في الصحراء على رمال متحركة نحو الربع الخراب، ألبسوها اشرعة سوداء تمجد اسم الله وصاحب نشر دعوته، تلك هي حقيقة زمن الجاهلية الذي يلبس عباءة الحضارة وإن لوي لسانه متحدثا بلغة غير لغة العرب… فالسفينة التي مخرت عالمكم اقتبسوا سياقاتها من قوادي زمن الجاهلية، زمن نخاستهم، فاستعاضوها مورثات زنا بعناوين الرايات الحمراء الى عناوين زنا جهاد النكاح رجالا ونساء، فما عاد يميز الباغي ذلك الذي لايميط اللثام عن وجهه كونه يخاف كشف معالمه رغم انه كشف عورته… فلا ترددي في نفسك عبارة خلسة ابكي وجعي، لكني سأترك لك فسحة النور الخافت كي لا تفقدي الأمل، أما العبارة التي قرأت فأختزنيها بداخلك، لأنها لابد ستكون سبب في اعادتك للحياة بعيدا عن اعمدة ليلية.