23 ديسمبر، 2024 4:32 ص

خلافا للتوقعات والامنيات

خلافا للتوقعات والامنيات

دونالد ترامب الرئيس الـ 45 للولايات المتحدة الامريكية
ان فوز دونالد ترامب فى انتخابات الرئاسة الامريكية كان مفاجئة كبيرة بكل المعايير, خاصة اذا اخذنا بنظر الاعتبار سياسة وسائل الاتصال, الميديا بشكل عام, فى دول الاتحاد الاوربى, التى كانت ترجح هيلارى كلينتون لانها شخصية معروفة ولها تاثيرها فى المجتمع الامريكى, وقد تقلدت مناصب رسمية مهمة مثل وزيرة الخارجيه, عدا ذلك فانها بشكل عام تصنف ضمن التكنوقراط البرغماتيين ذات خلفية ليبرالية, انها تملك فى السياسة تاريخا وجغرافية. فى حين ان دونالد ترامب رجل اعمال كبير, ملياردير, متنوع النشاطات ولم تكن سمعته الافضل بين رجال الاعمال, انه عصبى المزاج شديد الاعتداد بالذات وذو لسان سليط. من ناحية اخرى انه لم يشغل منصبا حكوميا, بمعنى انه يجهل خصوصيات العمل الادارى الحكومى, وانه قليل الخبرة والمعرفة على بماهية السياسة والسياسية العالمية بشكل خاص. ان قادة الاتحاد الاوربى , لحد الان لم يصلوا الى “وصفة جيدة” فى مجابهة والتعامل مع الرئيس جديد, ان اكثر ما تم التعرف علية من خلال التصريحات والادعاءات الغريبة والمتعالية التى اطلقها اثناء الحملة الانتخابية, وانه رجل اعمال كبير ناجح وليس له خبرة فى السياسة
كان فوز هيلارى كلينتون بالنسبة لغالبية المثقفين الاوربيين رغبة وامل, ويكاد ان يكون فوزها بالانتخابات قضية محسومة سلفا. ان وسائل الاتصال لعبت دورا كبيرا فى التصوير الايجابى لهيلارى كلينتون, والتصوير السلبى لدونالد ترامب خاصة من نتائج استطلاعات الراى التى كانت تحصل بشكل منتظم, والتى كانت تشير, رغم بعض التذبذبات, الى اسبقية مستمرة لهيلارى كلينتون. الا ان ميلا اوغارشي, نحو” حكم القلة”يرصد من سنين طويلة فى العوائل الامريكية, نخب فى السياسة والجيش والاقتصاد, فرئاسة بوش الاب وثم الابن, والمحاولة الحالية, بيل كلينتون وزوجته هيلارى كلينتون, تبدو بالنسبة لشرائح واسعة من الامريكان قضية مملة, وكأن امريكا تيبست واصبحت عاقرا, انه نوع من التوريث والاحتكار الديمقراطى للسلطة والمكانة الاجتماعية.
ان نجاح ترامب بالانتخابات الرئاسية تدعو الى الكثير من الدراسة والتأمل فى بنية الهيكل السكانى والاقتصادى والتنوع الدينى وكذلك التوزيع الجغرافى, وفى اى جانب من هذه الهياكل نجد اختلافات كبيرة فى الثروه , فى الاصو القومية والديانات, , وفى توزيعهم الجغرافى : اذا كانت المدن الكبيرة المزدحمة بالسكان, مثل نيويورك, شيكاغو واشنطن …الخ التى تعتبر مركز الفكر والثقافة والصناعة ومراكز القرار القومى, وكانت مدن الساحل الشرقى والساحل الغربى تمثل بنفس الوقت الناخبين والمؤييدين لهيلارى كلينتون. الا ان الغرب والوسط الامريكى بمساحاته الشاسعة ونشاطه الاقتصادى يختلف تماما عن
المدن ومراكز الحضارة, يمكن ان تخرج من واشنطون وعلى بعد 60 -100كم فان الصورة تبدو اخرى اساسا, مناطق زراعية شاسعه تعتمد على زراعة تخصصية( زراعة محصول واحد) ويعتمد على التصدير. ان هؤلاء السكان امريكان ايضا ولكن نبض الحياة يختلف عما هو فى المدن. وتشير الدراسات الى ان هؤلاء السكاني يتمسكون بالعادات والتقاليد وغالبا ما يكونوا محافظين فى ارائهم ومواقفهم, وهم معرضون ايضا الى نكبات اقتصادية اذا حصلت اى كارثة بيئة, او لم يستطيعوا تسديد بدلات القروض التى استخدموها من البنوك, انهؤلاء لايتمتعوا بالخول العالية والمردودات الضخمة
كانت الحملة الانتخابية لهيلارى كلنتون موجهة على الاكثر نحو سكان المدن من الطبقة الوسطى من المتعلمين والمثقفين, بالاضافة التاكيد على الامريكان من اصول افريقية ومن امريكا اللاتينية, من ناحية اخرى فقد كان النقد الموجه لشخص دونالد ترامب لم يكن يؤثر فيه, فى تحجيم قدرته وكفائته وامكانياته القياديه, فهو رجل اعمال ناجح جدا فى نشاطات اقتصادية متنوعة, هذا يعنى انه يمتلك عقلا يستطيع به تقدير وحساب الاوضاع والشروط المرافقة لها, كما انه سوف يكون له فريق متكامل من مختلف تخصصات التكنوقراط, ثم انه شخصية قيادية, بدليل عدد العاملين فى مشاريعه ومؤسساته, وله القدره والرغبة على التعلم. اما ان يكون تعامله مع النساء غير حضارى, لايتفق مع الافكار السائدة لحركة تحرر المرأة , فقد ردت زوجته على هذه”الخطيئة”, قولها انها حركات شباب لايمكن البناء عليها, وهو زوج طيب القلب واب مسؤل. وفى هذا الاطار , خاصة بالنسبة لشرائح واسعة من الامريكان, نساءا ورجالا, ان هيلارى لم تكن تلك الزوجة التى تتفاعل مع زوجها, والا بماذا يمكن تفسير جنوح بيل كلينتون نحو مونيكا لوينسكى, ولماذا اكتفت بطفلة واحدة, وتوقفت عن الانجاب , خلافا لغالبية النساء الامريكيات.
كانت الحملة الانتخابية لدونالد ترامب نموذجا فى التحدى ورفض المالوف,حتى يمكن وصفها بالذكية والمحكمة فقد اعلن فى مناسبات كثيرة , انه سوف يبنى جدار بين امريكا والمكسيك لمنع المكسيكيين من الدخول الى امريكأ وهؤلاء مجرمون او اشباه مجرمين, علما بان هؤلاء يشكلون ايدى عاملة ضرورية, متوفرة دائما وباسعار زهيدة وفى نشاطات اقتصادية متنوعة,كايدى عاملة غير مدربة. كما كانت تجاوزاته على الاسلام والمسلمين كثيرة وسوف يمنعهم من الدخول الى امريكا, وانه سوف يطالب باجور الحماية لدول الخليج, حتى انه انتقد وبشكل جارح السيدة مركيل المستشارة الالمانية لسياسة اللجؤ والهجرة التى انتهجتها. هذا يعنى انه ادرك الاحاديت والنقد وعدم الارتياح الذى يوجههوا الامريكان من العاطلين عن العمل وذوى الدخول الضعيفة, عندما يجلسوا فى امسياتهم مع بعض , ويتداولوا الاحاديث والنقد وعدم الرضى فيما بينهم بكل حرية. هذا بالاضافة الذين الى الذين يسكنون فى مراكز المدن الكبيرة المتخلفة التى ينتشر الفقر والعاطلة والجريمة, ومنذ سنين لم يلتفت اليها احد المسؤلين, لقد اكد عليها ترامب, وسماهم بالمنسيين.
ان اسلوب كلام ترامب, فى هيئته, الصحة التى يتمتع بها, الزوجة الجميلة التى كانت ملكة جمال سابقا, والاولاد والبنات المهذبين والذين يبدون بصحة جيدة وقد حصلوا على
دراسات جامعية, كل هذا يمثل للناخبين مؤشرات الثقة ومصداقية الشخص وامكانية الاعتماد علية. من ناحية اخرى فهو قد لعب بشكل جيد فى مخاوف والمشاكل التى يعانى منها السكان التى تشمل نواحى كثيرة من التطورات البشعة التى افرزتها الرأسمالية المتوحشة (الفقراء يزدادون فقرا والاغنياء يزدادون غنا), بكل ازماتها الهيكلية والاساليب الخبيثة التى تستخدمها خاصة البنوك وبيوت المال, (الربح للبنوك, والخسائر يتحملها الشعب , دافعى الضرائب). كما ان قضايا العولمة , حرية انتقال المال والايدى العاملة وحرية والتجارة قد فتحت السوق الامريكية لمنتجات صينة واوربية, وعملت على انتقال مجالات واسعة من الاقتصاد الامريكى للانتاج والاستثمار فى الصين وجنوب شرقى اسيا. واوربا, ان امريكا تكاد تخلو من صناعات لها تاريخ طويل كصناعة النسيج والملابس.
فى تصريحه حول قضية الرسائل الالكترونية التى استخدمتها هيلارى كلينتون, انها يجب ان تحاكم, وسوف يضعها فى السجن, لانها شخص لايمكن الاعتماد علية. انه يقدم صورة ايجابية عن شخصه للنائب الامريكى العادى الذى مازال يعتقد بالمسؤلية والامانه فى السلوك والعمل. انه من سؤ حظ هيلارى كلينون ق اصابتها بوكعة صحية فى فترة مهمة من الحملة الانتخابية, والتى كانت مؤشرا الى ان السيدة كلينتون, خاصة, لاسباب صحية غير مؤهلة للقيام بمهام الرئاسة الامريكية. هذه الاشارات والنقد المجه الى شخصية هيلارى كلينتون قد اضعف مكانتها وحفز اعداد كبيرة من الناخبين للتشكيك فى شخصها.
, من القضايا المهمة التى تحتاج الى دراسة وتحليل, بان النساء البيض قد صوتوا بنسبة عالية لدونالد ترامب. ان هذه الواقعه تشير الى التطورات الاخيرة التى حصلت فى امريكا, الحريات الواسعة, قضايا الجنس, المثليين, وزواج المثليين لم تكن مقبولة وانها مرفوضة اصلا لشرائح واسعة من المجتمع الامريكى, كما نسبة 37% من الشباب الذين تترواح اعمارهم 18-36 قد صوتت لترامب ايضا, ويقدم هؤلاء وصفا ونقدا دقيقا لاوضاع امريكا الاقتصادية والاجتماعية, خاصة ترهل الطبقة السياسية .
ان التطورات المجتمعية تشير الى تباين ساسع فى اوضاع السكان فى جميع حقول الحياة, فى مدن ناطحات السحاب والكثافة السكانية العالية, والغرب والريف الامريكى بمساحات زراعية تكاد ان تكون خالية من السكان,الاعداد الهائلة من السيارات الخاصة والشاحينات التى تقوم بنقل البضائع بين الولايات, تجد شوارع بمئات الكيلومترات تحتاج الى تبليط واخرى لم تصلها الصيانة منذ زمن, ناهيك عن الجسور التى تتجاوز عددها المئات التى تحتاج الى صيانة وتجديد. امريكا كدولة ومجتمع تمثل حالات عديدة متناقضة, من ناحية “تطورالهايتيك ” الرائع وثورة المعلومات( سيلكون فالى) والاف محطات البث التليفزيونى والاذاعى, وفى نفس الوقت اوجه وحالات من العالم الثالث فى امريكا: انجازات وفعاليات الحكومه فى قضايا البنى التحتية غير وافية للحاجة وتستهلك بشكل سريع, على العكس ما تقدمة الشركات والبنوك من بنايات ومعالم حضارية تثير الاعجاب والتى تعبر عن مواقعهم وقوتهم الاقتصادية والسياسية, كذلك فان عدد من الجامعات الامريكية تعتبر فى العديد من التخصصات رائدة عالميا, وليس اخير التقدم الطبى والاكتشافات المذهلة التى
تحققت فى الحقبتين السابقتين. هذه امريكا الحلم الذى رواد النازحون من كل العالم من اجل حياة افضل واموال اكثر, كان حلما ايام زمان, ان امريكا الان مثقلة بالمشكل والصعوبات, ومثقلة بالديون بالرغم من كونها القوة العالمية الكبرى.
ان هذا التباين فى مسيرة التطور يفرز اوضاع اجتماعية واقتصادية شديدة الاختلاف, خاصة فى مجتمع متعدد الاصول القومية والديانات, وتظهر الحاجة, فى ظروف الازمات الى اليد القوية, الى الرجل الحازم الذى يمكن الاعتماد عليه,
كان نجاح دونالد ترامب غير متوقع وغير مرغوب فيه من قبل المثقفين بشكل عام, وعلى الرغم من ان دونالد ترامب لا يتمتع بشخصية كارزماتية ومؤثرة, الا انه رجل اعمال ناجح جدا وثرى وملياردير, هذا لوحده يكفى ان يكون موضع احترام وتقدير واعجاب المواطن الامريكى بشكل عام. انه ومستشاريه فى الحملة الانتخابية كانوا اكثر فاعلية فى الوصول الى الناخب الامريكى, خاصة فى التفاعل مع همومه ومخاوفه وما يفكر به. انه قد وعد.
, يظهر بين الحين والاخر شخصيات بعيدة عن الكتل النخبوية التقليدية المعروفة وتفوز فى انتخابات الرئاسة وتقدم مسيرة جيدة لتطور امريكا, كان رولاند ريغان احد هؤلاء الرؤساء ويمكن ان يكون ترامب مثله ناجحا. انهم سوية من الحزب الجمهورى بتاريخه الطويل وسياسته المعلنة والمتسترة.
كيف ستكون سياسة ترامب عالميا, ان ماذكره بعد فوزه, ي يشيرالى تفهم للاوضاع الدولية ودبلوماسي اننا لانستطع الجزم بما يمكن ان يكون, هذا بنفس الوقت لا يعنى انقلابا جذريا فى السياسة والستراتيجية الامريكية, وذلك لان امريكا دولة مؤسسات وتوجد خطوط عريضة لستراتيجة وسياسة المصالح والامن الامريكى. ان الرؤساء لا يستطيعوا “قلب الطاولة” وانما ان يضيفوا ويؤكدوا على اراء ومباحث, ولكن يجب النظر ايضا الى النظام الامريكى نظام رئاسى ويتمتع الرئيس بصلاحيات واسعة.
ان سياسة ترامب تجاه العرب , لننسى موقفة من اسرائيل, فهذا امر محسوم من جميع الروساء الامريكان, ويجب ان لايكون موضع تحفظ وترقب وريبة وشكوك. ان السياسين والرؤساء العرب يجب ان يدركوا اساسا, ان السياسة الامريكية تعتمد على “الاصدقاء الاوفياء” الذين يفهمون الدور المناط, وبنفس الوقت يحاولا ان يحصلوا ايجابيات من امريكا, التفاعل الودى وتوضيح المواقف العربية دون تشنج وعياط. الدول العربية وقضايا الارهاب, يجب التاكيد فى العمل سوية مع امريكا. اما عن الوضع العراقى, فأن الامر فى غاية الوضوح, الامريكان يسقطون صدام وتستلمه ايران. والنخب الحاكمه فى بغداد يجب ان تدرك بان ازدواجية الولاء تعتبر من وجهة النظر الامريكية خيانة ونذالة, وهؤلاء لا يستحقوا الاحترام. وعلية فانهم سوف لا يستطيعوا ان يقدموا للعراق شيئا ايجابيا.