23 ديسمبر، 2024 1:57 ص

خفايا تقارب السيستاني وميلادينوف

خفايا تقارب السيستاني وميلادينوف

“لديَّ شعور لا يُمكِن أن أصفه وأنا أغادِر العراق، أفكـِّر في ما يجمع بين مَن يعرفون العراق، وقلة من هؤلاء الذين يعرفون العراق لن يتمكـَّنوا من نسيانه، فالعراق جزء من ذاكرة العالم، والعراق من خلال مَن يُتابعون السياسة، والسياسات الدوليّة، وفي الحياة بشكل عامِّ العديد منهم كانوا يتساءلون: هل كان يجب أن يُطرَد صدّام من الحكم، هل المُسلِمون والعرب قادرون على الديمقراطيّة، وهل المُسلِمون والعرب يجب فرض الدكتاتوريّة عليهم”؟!
بهذه الكلمات ودع المبعوث الأممي نيكولاي ميلادينوف العراق.
إنتهت فترة المبعوث الأممي نيكولاي ميلادينوف العراق، وهو بلغاري مولود في صوفيا عام1972م، وغادر بعد تعينه للضرورة الدولية، وحين التطلع له تجده كأنه عراقي يتواجد في معظم المحافل والنشاطات السياسية والإجتماعية؛ يتنقل بين القادة لدعم المصالحة الوطنية، وحتى صفحته في التواصل الإجتماعي باللغة العربية، ومعظم أصدقاءه من العراقيين.
زار ميلادينوف ضريح الإمام علي عليه السلام، والمرجع السيد السيستاني، والسيد عمار الحكيم،ورئاسة الوزراء والبرلمان والجمهورية، قبل أن يودع العراق، وأكد على توصيات المرجع السيستاني، التي تقول: لا بديل للعراقيين؛ إلا المصالحة الوطنية، وفق الدستور ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم، وأن داعش يسعى لتدمير العراق.
شكر مبعوث الأممي السيد السيستاني؛ لما له من دور النصح والتوجيه، والحث على إحلال السلام، والإلتزام بالحوار لحل الخلافات السياسية، وتعاون الكتل لسن التشريعات، ومعالجة الفقر، والإهتمام بالنازحين، وحصر السلاح بيد الدولة، والسماح للعوائل بالعودة بعد إنتهاء العمليات العسكرية، وأن العراقيين متساويين بالحقوق والواجبات.
أشار ميلادينوف مثلما قلنا مبكراً لساسة الداخل والعالم، أن تدمير العراق أرض الحضارات ومهبط الأنبياء؛ يُراد منه بناء دولة الإرهاب والفكر المنحط، ولا سبيل للمواجهة؛ إلاّ بوحدة الكلمة وتشخيص العدو، وحشد المواطنيين للدفاع عن مصير مشترك ولا حياد في المعركة، ونجحنا في حشد المجتمع الدولي وفرض قيود تسهم في إيقاف الريح السوداء، وتم تدويل الجرائم البشعة وأهمها جريمة سبايكر، ودور الأمم المتحدة يأتي بعد تحرير وتطهير المناطق، بأيادي عراقية.
ليس غريب أن يكون وباء الدكتاتورية قد أصاب من يعتقد أنه في مركب الديموقراطية، وجربنا التعتيم يأتي بالنتائج العكسية، وحين مُنعت مواقع التواصل الإجتماعي بعد أحداث الموصل، فُتحت صدورنا لتلقي الضربات، وأيادينا مكتوفة بسياسة غير مدروسة، واليوم صارت جزء من المعركة، ويشارك الكبير والصغير، سواء بنشر صورة، مقطع بطولي، بيت شعر أو حتى بإعجاب، ونقطة إستقطاب لشحذ الهمم الوطنية، وجزء من الممارسة اليدموقراطية.
العراق والد الحضارات، ورحم لكل القيم الإنسانية، وصرح شامخ منحوت في ذاكرة الشعوب الحية.
يخطأ من يتصور أن سياسة تكميم الأفواه؛ تنفع في كبح جماح الشعوب الحية، وفشلت نظريات قمع الإرادة والفهم الحقيقي لمعنى الوطن، وحري بشعب نالته سياط الدكتاتورية؛ أن ينتج أبطال شجعان لا يهابون الوغى، ولا يهمهم وجود شراذم بقايا حركات مشوهة فكرياً، وأن الإسلام الحقيقي لا يقبل الإعتداء على المدنيين، أو قطع شجرة لا تقف في الطريق، وللمرجعية منهج، من علي صوت العدالة الإنسانية، وحشدت شعب لقضية سلام إنسانية، وأن لم يكن ميلادينوف أخ لدنا في الدين، فهو نظير لنا في الخلق.