* ترجمة- وليد خالد احمد
يعد (مايكل لدين) احد ابرز الرواد الاوئل الامريكان ممن صنعوا ما يعرف بـ (المبادرة الايرانية). ففي ربيع عام 1985 وبعد ان عزم فعلا مجلس الامن القومي الامريكي على تحسين صورة الوضع الداخلي في ايران لدى وسائل الاعلام الاميركية، ولاجل بحث وتهيئة الاجواء والامكانيات الواجب اتخاذها عند الضرورة مستقبلا لاجراء الاتصالات مع نظام طهران، سافر (لدين) اول الامر الى اوربا من اجل هذه المهمة، حيث اجرى سلسلة من الاتصالات مع الاوساط العاملة هناك داخل الاجهزة الاستخبارية ولا سيما الفرنسية منها التي التقى فيها (اي في فرنسا) لدين مع المدعو (ووكرسوفر) مستشار الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، واجرى معه سلسلة من اللقاءات التي تناولت الوضع السياسي العام داخل ايران والذي بدا لهم انه اصبح اكثر مرونة عما كان عليه في السابق، وهذا ما سيجدي نفعا –اي الى لدين- في مهمته ولا سيما عند التباحث مع (الاسرائيليين) الذين يملكون زمام اكثر المسلمات دقة بشأن هذه المسألة.
وفي مطلع شهر مايس من العام نفسه. وبعد فترة قصيرة من لقاءاته الاوربية زار (لدين) ولاول مرة اسرائيل حيث اجتمع برئيس وزرائها وقتذاك (شيمون بيريز) واقتضت الحالة بعدها ان يكرر لدين زيارته لاسرائيل لمرتين متتاليتين خلال شهري حزيران وتموز. حيث اجرى عدة لقاءات كانت محدودة النطاق مع تاجر السلاح والوسيط الايراني المعروف (مانوشير كوربانيفار) عن طريق الوسيط الاسرائيلي (ال شويمر) وهو احد تجار السلاح المعروفين ايضا.
وقد ادت هذه المهمات المتتالية التي كانت موكلة الى لدين من قبل الادارة الامريكية الى تسليم ايران اول شحنة من صواريخ تاو الامريكية المضادة للدروع في شهر آب من عام 1985 عن طريق اسرائيل بعد ان اعطت واشنطن للاخيرة الضوء الاخضر.
كان مايكل لدين قد دخل في عدة لقاءات مع نظرائه من الاسرائيليين والايرانيين خلال الفترة التي قدم فيها روبرت ماكفارلن استقالته في الرابع من كانون الاول من عام 1985 وتولي الاميرال (جون بويند كستر) رئاسة مجلس الامن القومي الامريكي.
ولهذا فان وكالة المخابرات الاميركية والعقيد اوليفر نورث، قد ارتابوا في الواقع بخصوص مفاوضات لدين التي اجراها لصالحه بخصوص بعض التسويات المالية مع التاجرين الاسرائيليين المعروفين (ال شويمر ويعقوب نمرودي) وكذلك الايراني غوربانيفار. وقد جاءت هذه المفاوضات بشكل متزامن مع مهماته التي سخرت بالنتيجة لحساب ماكفارلن.
ومنذ الوقت الذي فند لدين هذه الاتهامات واتهامات اخرى… والمؤشرة ازاءه والمثبتة عليه، فلن تستطيع اجهزة الادارة المالية وكذلك مكتب التحقيقات الفدرالي جمع ادنى حجة او دليل بشأن هذه المسألة.
فرانسوا – مالسبب الذي جعلكم تختارون غوربانيفار للقيام بمهمة الاتصال بنظام طهران؟
لدين- اخذ غوربانيفار في السعي لدى الحكومة الاميركية لاقناعها في العمل معه، فانه ولعدة مرات اقترب من ممثلي مكاتب المخابرات الاميركية المعتمدين لدى اوربا عارضا خدماته. وبعد ان اخضعته الوكالة لاختباراتها لمعرفة صدق نياته ومن اوجهها المختلفة. فقد صنفته من بعد ان بتت بامره نهائيا بانه مضلل وممل في تعاملاته ولا يعتمد عليه في التعاون معه.
وفي شهر تشرين الثاني من عام 1984 عرض غوربانيفار خدماته مرة اخرى على ثيودور شاكلي الذي كان يعمل سابقا في وكالة المخابرات الامريكية وحاول اقناعه من اجل الدخول في مفاوضات مع محتجزي الرهائن ولا سيما ما يتعلق بمسألة اطلاق سراح الرهائن الاميركان المحتجزين في لبنان على الاخص منهم وليم بكلي رئيس محطة المخابرات التابعة لوكالة المخابرات الاميركية في بيروت مقابل فدية مالية. وقد بلغت من جانبي بذلك وزارة الخارجية وبواسطة الجنرال فيرنون الذي سبق ان رفض لغوربانيفار هذا الطلب.
وفي شهر مايس من عام 1985 سلمني ثيودور شاكلي نسخة من التقرير الذي عرضه على وزارة الخارجية. وقد قمت انا بدوري بتسليم هذه الوثيقة (التقرير) الى الكولونيل لوليفر نورث الذي لم يكن وقتها قد ابدى اي اهتمام بها.
ومن بعد هذا الاتفاق الجديد الذي عني به غوربانيفار بما دفع برجل القضايا السعودي المعروف عدنان خاشقجي ظاهريا على ما يبدو الى توجيه النصح والمشورة اليه بشأن المضي قدما في التعامل مع الاميركان من خلال او بواسطة (الاسرائيليين).
وقد نقلت وقتها اشارة غوربانيفار المتعلقة بالوضع السياسي في ايران، وبفضل توجيه ورعاية كل من ال شويمر وروبرت ماكفارلن بواسطة عدنان خاشقجي الى رئيس وزراء اسرائيل انذاك شيمون بيرز.
وحسب علمي. فانها المرة الاولى بالنسبة لنا التي نحصل فيها على شرح واف ومفصل لمختلف الاطراف والفصائل التي تتناحر فيما بينها من اجل اعتلاء السلطة في ايران.
وبصورة عامة فان المعلومات التي نقلها لنا غوربانيفار ظهرت انها صحيحة وجديرة بالثقة ربما لانه يتمتع باوجه عديدة من الواقعية، او لانه يحمل معلومات في الوقت نفسه كاذبة او مضللة نقلت اليه عن طريق ايرانيين من داخل ايران ممن هم في دوائر قريبة من دوائر التناحر.
حقيقة اذا كان غوربانيفار كما يوصف في ظروف معينة بانه كاذب مفتر. اذن كيف له ان يضع نفسه في هذا المأزق واعتبر كأنه الشخص الوحيد الموجود او المسؤول في هذه القضية من اولها الى اخرها؟
والجواب في هذه الحالة بسيط جدا: انه كان الوحيد الذي له القدرة على تقديم هذا النوع من الخدمات كما انه ومن جهة اخرى قدم مساعداته الى الحكومة الفرنسية بشأن رهائنها المحتجزين في لبنان التي آلت الى اطلاق سراح كل من اورل كورنو وجون لويس نورماندن.
فرانسوا- لقد تحدثت قبل قليل عن وجود اتجاهات سياسية متعددة في ايران. من هم الذين كانوا من محدثيك؟
لدين- لقد شرعنا وقتها في التعامل مع عدة اقطاب. سواء الموجودة منها على رأس الادارة الحكومية امثال خميني ورفسنجاني وموسوي او المسؤولين الذين يدعون انهم من المعارضة. لكنهم في الوقت نفسه هم جزء من النظام او ما يتعلق بالمخبرين الذين علمنا منهم الكثير بكل ما يتعلق بالمنظمات الارهابية. كل هذه القنوات افشي سرها لنا بسهولة مسؤول ايراني رفيع المستوى استطاع ان يذكر لنا، ان عامة الناس في ايران يعتقدون بامكانية تغيير طبيعة النظام، وذلك بابعاد عدد من العناصر الراديكالية التي تحتل مواقع رئيسية حساسة في السلطة.
بالنسبة لي، اعتقدت وقتها كما انني على يقين دائما بان الذي تهمه فائدة الولايات المتحدة الاميركية والحفاظ على مصالحها، عليه التعامل مع هذه القوى المعتدلة. فان ابرز احد الاخطاء المرتكبة في هذه القضية هو عدم السعي لتقييم هذه الامكانات بصورتها الواقعية. والنتيجة كما ترى اليوم. لا احد حددها ليبدي النصح والمشورة لنا، خاصة اذا ما تعلق بالاكاذيب المعنية وهو اننا قد خدعنا حقا. وعليه فان هؤلاء الاشخاص المعنيين موجودون فعلا في المراكز التي بامكانها تغيير كل شيء.
فرانسوا- ما هي الاسباب التي من اجلها اهمل اتباع مثل هذه الوسيلة؟
لدين- قبل كل شيء لان ماكفارلن كان وقتها يعاني من ضغط نفسي شديد وقد جعله صعب المراس لا سيما في اتخاذ القرارات. كما انه هيأ نفسه للاستقالة من منصبه كمستشار لشؤون الامن القومي.كما ان الحذر- وليس العداوة والبغضاء- الذي اثير من قبل غوربانيفار لا سيما داخل اوساط المخابرات الاميركية ايضا لعبت دورا هي الاخرى في النهاية.
كما ان محصلة رونالد ريغان المتعلقة بمصير الرهائن، استولت على الجانب السياسي والاستراتيجي حول وضع اسس خاصة لعلاقتنا مع ايران.
فرانسوا- اذن والحالة هذه لم يكن الرئيس ريغان يدرك وقتها امكانية الانفتاح الاستراتيجي؟
لدين- لقد اهتم الرئيس ريغان وقتها اهتماما بالغا باطلاق سراح الرهائن، لكني اعتقد بانه لن يبلغ ابدا بتفاصيل الاتصالات التي استطعت اجراءها والفرص التي سنحت لي من اجل ذلك كما انه لن يأخذ جانب الحذر والحيطة بشأن التبصر في مواجهة اختيار المعلومات الموثق بها من اجل اتخاذ اجراء حسن يجعل ماكفارلن يصمم على اتخاذ هذا الحذر بخصوص هذه القضية تجاه ريغان.
اما من جانبي فقد تحفظت وقتذاك (صيف 1986) هذه المشكلة مع كاسبر واينبرغر الذي ابدى دهشته قائلا: “لماذا لم يبلغني احد بخصوص هذه القضية باسرع وقت؟”.
فرانسوا- ماذا كان تصورك بشأن ما يتعلق بتسليم الشحنة الاولى من الاسلحة التي تمت في شهر آب من عام 1985؟
لدين- كنت قد فضلت بيع (500) صاروخ من نوع تاو لانني رأيت في الصفقة المذكورة الصورة الوحيدة التي جعلتنا نحصل على جواب لكل الاسئلة التي طرحناها بشأن ما يتعلق بشرعية اتصالات غوربانيفار.
كما ان للحكومة الايرانية تأثيرا فعليا على محتجزي الرهائن في لبنان ورغبة القادة في طهران في وضع حد لهذه الاعمال الارهابية الموجهة ضد الرعايا والمصالح الاميركية.
وبعد ذلك فانني قد عارضت بيع صواريخ هوك وكذلك عارضت اسلوب السياسة المترتب عليها في هذه الصفقة.
فرانسوا- في اي من الاوقات رفع الحساب الاستراتيجي خطوة نحو مفاوضات بناءة بشأن ما يتعلق بمسألة الرهائن.
لدين- ليس قبل خريف عام 1986، اي بعد رحلة ماكفارلن الى طهران في شهر مايس عام 1986. ففي هذه الفترة بدأ فيها ممثلو الطرف الثاني في السلطة (اي الاميركية) من القيام بالاتصالات واللقاءات عن طريق الوسيط القريب من هامشي رفسنجاني رئيس البرلمان الايراني، بينما الاساليب المسخدمة من قبل ممثلي الطرف الاول والمتمثل في شخص غوربانيفار كانت على العكس. اما ما يتعلق بممثلي الاطراف الاخرى فانهم لا يملكون من زمام امورهم تحقيق اي من الغايات المتبادلة بين الاطراف المتنازعة، كما انهم يخشون اي اجراء بامكانه ان يؤدي الى انهاء التخصيصات المالية.
ان هذه الخلافات تعلل الانهزام الذي قاد الى الكشف عن وجود مفاوضات ايرانية – اميركية نشرت تفاصيلها على صفحات مجلة الشراع اللبنانية في عددها الصادر في تشرين الثاني عام 1986.
ابتداءا من ذلك الوقت اخذت كل القضايا تكرس اهتمامها حول اخراج الرهائن والتي اصبحت مسألة جوهرية. ثم ان الانفتاح الاستراتيجي لم يكن اكثر من وسيلة تنظيم عرضية للافراج عن الرهائن.
خلال فترة المحادثات التي كانت تجري في هذا الخصوص والتي كنت قد اجريتها مع وليم كيسي مدير المحابرات المركزية الاميركية، وقتها لم امتنع من ان اقول له بانه قد قلب الموضوع راسا على عقب كأنه، كالذي وضع المحراث امام الثور. بهذا الوجه او باخر اذا كانت المفاوضات المتعلقة بتطبيع العلاقات بين اميركا وايران بالامكان ان تقود الى النجاح، فان مشكلة الرهائن اليا بصورة او باخرى ستجد لها الحل.
فرانسوا – هل يشاركك وليم كيسي وجهة النظر هذه؟
لدين- من حيث المبدأ. كان وليم كيسي موافق على الانفتاح نحو ايران، ولو انه ذكر بشأن ما يتعلق بمجمل القضية التي هي مثار حديثنا هو اننا اصبحنا مشغولي البال بكل ما يتعلق بمسألة الرهائن.. وعليه فانه اعتقد بان موقفه كان على النقيض من موقف الرئيس ريغان.
صراحة انني اعتقد ايضاً بان كيسي قد ضمن في قرارة نفسه انه في حالة اذا المفاوضات الخاصة بشأن اطلاق سراح الرهائن افضت الى النجاح بفضل مساعدة غوربانيفار، فان هذا النجاح سيعطيه من الادلة ما يذلل به صمت وكتمان المخابرات الامريكية بشأن ما يتعلق بشخص غوربانيفار ومهماته في هذه القضية والسماح بالعمل معها في مسألة السعي نحو تطبيع العلاقات بين واشنطن وطهران.
فرانسوا- من الذي برأيك كان المهندس الحقيقي لمفاوضات (السلاح مقابل الرهائن)؟
لدين- انهم الايرانيون وحدهم. لقد ارادوا مقايضة السلاح مقابل اطلاق سراح الرهائن. وللعلم فان هذه المبادرة لم تبادر بها الولايات المتحدة الامريكية ولا (اسرائيل). انها ايرانية بحتة.
فرانسوا- بشأن ما يتعلق بالملف الخاص بالعلاقات الامريكية –الايرانية، والملف الخاص بالرهائن. ما هي برايك النصيحة التي ترغب في طرحها في المستقبل لاي رئيس للولايات المتحدة؟
لدين – بصراحة، سانصحه بان الشيء المهم بالنسبة لمصلحة الولايات المتحدة، هو محاولتها اقامة اتصالات مع (الداخل الايراني) بكل ما يمثله من اطراف وتجمعات وانه لمن الممكن تغيير العناصر الاكثر راديكالية في النظام الايراني من خلال اشخاص مناسبين ليحسنوا من وضع العلاقات السياسية مع البلدان الغربية.
فرانسوا- هل يعد الوجود الامريكي في منطقة الخليج، عقبة في تطوير العلاقات السياسية مع ايران؟
لدين- انها عودة (على الارجح) الى ذلك الشيء الصعب لاننا في الواقع دخلنا منطقة الخليج الى جانب اعداء ايران في المنطقة المتمثلين في العراق والسعودية وبقية دول الخليج.
فرانسوا- كيف ترى الايرانيين من خلال المفاوضات؟
لدين- الايرانيون بطبعهم شديدو الصبر ولا يظهرون انفسهم ابدا بمظهر المتشددين. ويجب ان لا يغيب عن بالنا ان اغلبيتهم يعانون من شلل كبير في ممارسة النفوذ السياسي الحر. كما ان اكثر اقطابهم من الكبار لا يجرؤ على المواجهة الصريحة.
Politique International N° 40, été, 1988.