23 ديسمبر، 2024 7:09 م

خطل مفوضية انتخابات العراق في استراليا/2

خطل مفوضية انتخابات العراق في استراليا/2

في مقال الاسبوع السابق أشرنا على الممارسة الخاطئة لمفوضية الانتخابات العراقية في الخارج. كان ما شهدناه في استراليا كبوة سيئة أمتهن فيها الكثير من العراقيين بحرمانهم من احراز صوتهم كما ينبغي والذي من اجله تأسست مفوضية الانتخابات بكادرها الذي يتجاوز كادر وزارة كاملة عددا وعدة وبرواتب ومصروفات ونثريات منظورة وغير منظورة ربما بحجم ميزانية أرخبيلٍ آسيوي أو ميزانية مجموعة القرن الإفريقي.

لا يهم التلف وإهدار المال العام مادامت خزائن العراق تنهشها عسلان الفلوات (نهب واختلاسا) قد تعالت الرائحة حتى ازكمت أنوف الملائكة في الأثير وحول العرش.

لن يهم مادام قد علم بمأساتنا الشريف والدني. بيد أن الذي يهم ما حصل في انتخابات العراق في استراليا من غمط لحق جمهور واسع من أبناء الجالية العراقية بشرائحها المتنوعة التي يفوق تعدادها ال 25000 ناخب بكامل الأهلية في القارة الاسترالية وعلى توزيع كالتالي:

1- ولاية نيوساوثويل عاصمتها سيدني حوالي 38000 نسمة عراقية منها حوالي 12000 عراقي بالغ مؤهل للادلاء بصوته الانتخابي.

2- ولاية فيكتوريا عاصمتها ملبورن حوالي 33000 نسمة عراقية منها 10000 عراقي ناخب مؤهل.

3- 6000 ناخب عراقي مؤهل موزعون على ولايات ومدن: بيرث، ادلايد، برزبن، شبرتون وما يحيط بهذه المدن من اقضية ونواحي وقرى.

بما انه لا توجد احصائية دقيقة لعراقيي استراليا (السفارة العراقية المحترمة في استراليا تتحمل مسؤولية هذا الخلل)، فاننا نتعامل مع احصاء احتمالي قامت به فعاليات وجهات عراقية وغيرها استرالية يتقبله الافتراض بوجود حاصل عراقي كلي يفوق ال 20000 عراقي مؤهل للانتخاب في استراليا في الخمس سنوات الاخيرة حيث تقاطر اللاجئين العراقيين على اقل تقدير.

الاستغراب ليس في الإحصاء، انما بعد فرز صناديق اقتراع يومي 27 و28 نيسان الماضي/2014 بما مجموعه 8000 صوت فقط.. فاين ترحّل صوت ال (12000) إثنا عشر ألف عراقي بكامل أهليتهم؟

للموضوعية في تعاطينا مع هذا الحدث، وفي نقدنا لهذا المصاب (الجلل) لابد من تذكير الجهة العراقية (الوطنية) والمفوضية العليا (المستقلة) للانتخابات بالتالي:

أولاً: لم إتخذتم توقيت 27 و28 نيسان موعداً لإجراء إقتراع انتخابات الخاص والخارج؟.

أو لم يك هذا التوقيت يخص مناسبة إصطنعها رئيس النظام (المشنوق) صدام التكريتي؟ وقد جعلها عيد ميلاد له يحتفي به في كل 28 نيسان ويسحق به المزيد من كرامات الشعب؟

أليس في هذا التوقيت توهين للعراقي الذي لازال يئن من التعسف بمختلف نواحيه قديمها- حيث فعل نظام الطاغية- وجديده الذي ما انفك يصطليه يوميا بشتى العذابات؟

ألم يك من المستحسنات اتخاذ مناسبة وطنية بتوقيت مناسب للإنتخاب كيوم 9 نيسان حيث سقوط نظام الصنمية والديكتاتورية وهو أيضاً يمثل ذكرى استشهاد رمز العراق المفكر العملاق العالم محمد باقر الصدر وذكرى تحرير العراق؟ أو اتخاذ يوم عيد الاستقلال الوطني أوعيد العمال او يوم الشهيد العراقي او الام والمرأة الى عشرات المناسبات الوطنية العراقية؟

ثانياً: علام كل هذه التعقيدات في استخدام الاستمارات والملفات والسجلات وما الى غيره من زوائد يمكن الاستغناء عنها باستخدام الحاسوب (الكومبيوتر) مباشرة كما يجرى في البلدان المتطورة ومنها هذا البلد الكريم استراليا في ارائحة النفس والبال واراحة الناخب؟ ألم نك في عصر التقنية؟ وهي اشارة تستوجب اخذها بنظر الاعتبار.

ثالثا: لم كل هذا الشقاء وتعجيز الناخب بمطالبته بوثيقة عراقية اصلية واخرى ساندة؟ الا تكفي جنسيته او شهادتها أو جواز سفره بل مجرد ان يذكر اسمه الثلاثي ومحافظته والمفترض ان يكون مثبتا في دوائر العراق الرسمية كالجنسية وما اليها؟

عودة الى مسألة توزيع المراكز الانتخابية في مدن وولايات استراليا- الطامة التي سقط فيها سفير المفوضية وممثلها المبتعث لأداء مهمة الانتخاب بعد ان إستاثر السادة المبتعثون ليقلصوا عدد المراكز والمحطات الانتخابية الى دون الادنى من الحد المعقول لأجل ضمان الاقل من عدد الموظفين فيها- وها انا استعرض الارقام كما وعدت السادة القراء في مقالي السابق عن المفوضية وانتخابات الخارج:

1- ولاية نيوساوثويل- عاصمتها سيدني 3مراكز انتخابية. (المركز يضم محطتين او ثلاثة)، والمحطة تتشكل من 6 موظفين بما فيهم مدير المحطة. المركز بأحسن حالاته يتكون من 5 موظفين منهم مدير المركز. وتعداد نيوساوثويل العراقي المؤهل للانتخاب هو 12000 ناخب على تقدير، لكن صندوق الاقتراع اظهر 3500 صوتا فقط.

2- ولاية فيكتوريا- عاصمتها ملبورن بمركز إنتخابي واحد فقط لا غير يضم ثلاثة محطات (ثلث حصة سيدني، مهزلة حقاً). جاءت اصوات الانتخاب في ملبورن 2200 صوت. لا أدري اي جمجمة ترتضي أن تكون طوابير التزاحم على بوابة هذا المركز البائس اليتيم وهي طوابير ضمت الالاف. وأكثر من نصف المنتظرين في الطابور لم تحتمل اقدامهم الساعات الطويلة وقوفاً تحت ظل السماء البارد وضيق المساحة القاتلة امام المركز، وهو ما دفعهم لصرف النظر عن الانتخاب كلية والعودة الى عوائلهم سالمين. ومن ثم يتكرر المشهد في اليوم التالي للانتخاب مما صرف الناس اكثر من سابقه فعكفوا راجعين لبيوتهم ناقمين.

3- شبرتون- قرية صغيرة تابعة لمدينة ملبورن، جعلوا فيها مركزاً انتخابياً كحال العاصمة ملبورن وبمحطتين، في وقت ان نفوس شبرتون من القلة القليلة بحيث ان عدد اصوات الناخبين حُسم في ساعات معدودات فأفرز صندوق اقتراعها 320 صوتا فقط. فأي فلسفة هذه التي اقتنعت ان تجعل من قرية صغيرة مركزاً انتخابيا كحال العاصمة الكبيرة التي تفوق العراق مساحة؟ المهم لشبرتون 320 صوتا انتخابيا.

4- ولاية غرب استراليا عاصمتها بيرث بمركز انتخابي واحد مجموع الاصوات 1215 صوتا.

5- ادلايد بمركز انتخابي واحد مجموع الاصوات 757 صوتا فقط.

6- ولاية كوينزلاند، برزبن مركز انتخابي واحد مجموع الناخبين فيها 200 صوت فقط لا غير.

المجموع الكلي لأصوات الناخبين في عموم القارة الاسترالية هو (8192) صوتا من مجموع ال 25000 صوت أو أكثر كان مؤهلاً للانتخابات.. أليست هذه محزنة؟

هذه النتيجة المحزنة تعود لواحد من أسباب ثلاثة محتملة:

1- عزوف عراقيي استراليا عن الانتخاب لسوء الأداء الرسمي العراقي على مدى دورتين سابقتين لم ير المواطن غير المزيد من التردي الحكومي في عراق ما بعد صدام التكريتي على كافة المستويات واخطرها المستوى الخدمي والأمني.

2- عدم تناسب المبتعثين للمهمة من قبل المفوضية الى استراليا كما ستظهر (الفاجعة) بعد قليل.

3- كثرة الاحزاب السياسية الكارثية وأعداد الشخصيات العراقية الخرافية المتنافسة على كرسي الحكم والتشريع في بغداد. حيث بلغ تعداد الاحزاب المتناحرة والمتنافسة على الكرسي أكثر من 200 حزب بشكل رسمي وما مجموعه 350 تكتل وفعالية. وهذا ما لم نجد له مثيلاً ومشابهاً في العالم وفي تأريخ الانسان السياسي منذ بدء الخليقة والى نهايتها ما خلا في العراق. وكذا باكثر من 9000 مرشح. في حين انه في كل بلدان العالم الحر او الديمقراطي لا يوجد اكثر 3 الى اربعة احزاب تتنافس لتستثمر العملية لصالح حزب يحكم وآخر يعارض كرقيب عتيد ومنافس شديد يسدد خطوات الحزب الحاكم خدمة للوطن والمواطن. هذا في وقت ان عدد الكراسي التي يتصارعون عليها في برلمان العراق الجديد تبلغ 320 كرسيا. تصلح لان يُعطى كل حزب كرسياً منذ البداية ويتخلصوا من مشقة الانتخابات وتبعاتها الخرافية.

بإعتقادي ان النتيجة المأساة تحتمل الاسباب الثلاثة أعلاه مجتمعة، بيد أن السبب الثاني يعتبر كارثياً حقاً وهو يتحمل المسؤولية للملاحظات التالية:

الملاحظة الأوكد تكمن في عدم حكمة المبتعث وفي سوء تخطيطه بتوزيع المراكز الانتخابية في مدن تواجد العراقيين كما ذكرنا. أضف الى عدم اهتمامه بالاعلام والاعلان المفترض أن يُعد له قبل بدء الانتخاب بأسابيع أو باسبوعين على الاقل وعبر واجهات اعلامية كالصحف الورقية العربية والاجنبية في استراليا واذاعاتها وتلفزتها والمواقع الالكترونية والفعاليات العراقية ومؤسساتهم التي تغطي مساحة

العراقيين في القارة. وكذا بزيارات مكثفة وندوات موسعة تتصل بالنوافذ العراقية لإعلامهم بموعد الانتخاب. وقبل اؤلئك فتح موقع إلكتروني خاص يتم من خلاله تقديم الطلبات للعمل ضمن كادر المراكز والمحطات.

مشكلة اخرى كبيرة تركت استفهامات عديدة (بعد ان إعتمد المبتعثون على شخوص معدودة مما حرم الكثيرين ممن لديهم الكفاءة والخبرة والتجربة السابقة من فرصة المشاركة في التوظيف لتسهيل مهمة الانتخاب).

شخصيا، كنت قد فاتحت ولمرات السيد مدير المكتب (عبر البريد الالكتروني والموبايل وبوسطاء في المفوضية حول الاعلان عن النشاط الانتخابي بكل ما يحويه وعن عقد ندوات تسبق موعد الانتخاب). تكررت محاولاتي معه ومع (المعاون المالي) وكذا مع رابطه في العلاقات العامة مرات لكن يبدو ان آذان القوم كان فيها وقر.. فلم يقدروا حجم مهمتهم التي اردنا تذليل صعوباتها أمام صناديق الاقتراع.

يبدو أيضاً – كما سيظهر بعد سطور- ان للجانب المادي في حسابات القوم الاثر الاقدم والدور الرئيس في تخاذل العملية الانتخابية وترديها في استراليا حسب تقديراتي كشاهد عيان وواحد من المشاركين في ادارة انتخابات عراقيي استراليا لدورات انتخابية سابقة.

هذه المرة، لم تُعقد إلا ندوة واحدة في ملبورن. كانت هزيلة للغاية، عقدها السيد المدير برفقة السيد القنصل العراقي، وبمشاركة لم تتجاوز ال 15 خمسة عشر شخصا فقط وفقط في قاعة رُصت كراسيها لتستقبل على اقل تقدير 400 شخص. لم يحضرها الا هؤلاء الخمسة عشر شخص وكلهم كانوا من موظفي مركز ملبورن الانتخابي ما خلا الزميل السيد (متي كلو) فقد حضر كمتابع ممتعض من آلية العملية الانتخابية في الخارج من البداية.

أكرر في أن السبب أيضاً يكمن في عدم استخدام الإعلام لتبليغ الجمهور العراقي في ملبورن بموعد الندوة لغرض يبدو ان القائمين يتوجسون الخيفة ويخفون أمراً تحت القميص. فالسيد المسؤول كان يرغب بإلتقاط الصور الفوتوغرافية لدورها في بيان النشاط وتسويقه لمفوضية بغداد أو نشره في الفيس بوك).

إعتماد كادر قليل فيه الغير كفوء ممن تم توظيفه لمحسوبية وتوصية يدركها العراقيون على قاعدة: (الاقربون أولى بالمعروف) مما لكأ العمل كثيراً. وكذا توزيع الرواتب وما قيل من رصد مبلغ خيالي لأجراء انتخابات العراقيين في استراليا. مبلغ خطير فيما لو اطلع القراء والذين يهمهم شأن العراق وبيت ماله العام على التفصيل الرياضي التالي:

اتخذوا 8 مراكز انتخابية للمدن والولايات الاسترالية. المركز يضم محطتين او ثلاث كالتالي: سيدني 7 محطات، ملبورن 3، شبرتون 2، ادلايد 2، برزين 2، بيرث 2. كل محطة تتألف من 6 موظفين والمركز له 5 موظفين مع 2 احتياط.

حاصل مجموع كل موظفي مراكز الانتخاب ومحطاتها = 168 بين مدير مركز ومدير محطة ومدخل بيانات وموظف وفيهم الاحتياط. لكني سأفترض المجموع (200) كي أدخل المدرب ومساعدي السيد مدير المكتب واشخاص في العلاقات الخارجية والمشتريات والسواق عند الحاجة وغيرهم.

لابد من معرفة ان راتب ادنى موظف هو 1000 دولار امريكي وراتب مدير المركز 3800 دولار والبقية تتسلل ضمن هذين المرتبين. وهنا سنتساهل في عملية الحساب والمحاسبة حين نفترض ان الجميع تقاضوا ما معدله (1500) دولار امريكي نضربه في 200 موظف يساوي= 300000 ثلاثمائة الف دولار وفي حال اضيفت نفقات استئجار قاعات المراكز الانتخابية الثمانية بمعدل 5000 دولار للمركز الواحد، وكذلك استئجار البناية المركزية في سيدني للسيد مدير المكتب وكادره ومصاريف الكادر ونفقات الفندقة والنقل وحماية المراكز (السكيورتي) وسأفترض لكل هذا مبلغا (خياليا) هو ربع مليون دولار امريكي 250 الف دولار.

الحاصل الكلي هو 600000 ستمائة الف دولار امريكي وهو رقم بالغت انا فيه كثيرا. وكي لا أتهم بواربة او عارضة تأتيني من المفوضية او من مكتبها المكلف في استراليا سنضيف ملبغ 100000 آخر للغير المنظورة لتصبح المصروفات اقل من ثلاثة ارباع المليون.

فما هو المبلغ الكلي المرصود لانتخابات الخارج في استراليا؟

وهل سيعود المتبقي المليوني الى خزينة العراق؟

وهل ستعود اللعبة نفسها بعد اربع سنوات وبذات الاسلوب الخطل ووالمنهج المغلوط؟