بغض النظر عن النظريات والاراء بشأن دور الاعلام في التأثير على الراي العام ، فان القاسم المشترك الذي يتفق عليه الجميع هو اهمية وسائل الاعلام في تكوين الراي العام والتأثير عليه ودورها الخطير في تحقيق الاستقرار وترسيخ قيم التسامح والسلام بين الناس .
ومن هنا ياتي عنوان موضوعنا الذي قد يثير غرابة البعض حيث يفترض وهذا من الطبيعي ان يكون الاعلام ابعد ما يكون عن الطائفية ، انطلاقا من رسالته في البحث عن الحقيقة والدفاع عنها ومبادئه التي تركز على المهنية والالتزام بمباديء العمل الصحفي .. غير ان التجربة اثبتت ان النظريات شيء والواقع شيء اخر على المستوى العام ومن النادر ان نجد وسيلة اعلامية تلتزم الحيادية حتى بحدودها الدنيا فلكل منها مصالحها واهدافها . ولكن حتى في اطار ذلك فان هنالك خطوط حمراء ينبغي ان لا يتم تجاوزها من قبل وسائل الاعلام لكي تحافظ على شيء من الصلة بينها وبين الجمهور.. في واقعنا العراقي نعتقد ان مصداقية اية وسيلة اعلام ترتبط بابتعادها عن الطائفية التي راهنت الكتل الاسلاموية على تصعيدها من اجل المحافظة على المكاسب والمواقع التي حققتها وحصلت عليها منذ الاحتلال في 2003 والى الان ، وهو ما لم يتحقق مع الاسف حيث ان عدد غير قليل من وسائل الاعلام ساهمت وتساهم بشكل
مخطط له ومقصود بتضليل المواطنين واستغلال العواطف الدينية لخلط السم بالعسل والترويج لمفاهيم غريبة ومستهجنة ترسخ الفرقة والتناحر والضغينة .. يبقى تأثير السياسي الطائفي محدودا من دون وسائل اعلام تروج له ولطروحاته وخلط الاوراق وهو ما عانينا منه وما زلنا . وفي الوقت الذي تدعو فيه هذه الوسيلة الاعلامية اوتلك تمويها الى الوحدة الوطنية فانها في نفس الوقت تعمل على نشر كل ما يثير الفتن من خلال برامجها خاصة الحوارية عندما تنتقي بتعمد شخصيات معروفة بتوجهاتها الطائفية وتركز عليهم سواء من السياسيين او النخب الثقافية بمختلف عناوينها ممن تراهم يتحدثون عن العلمانية والدولة المدنية لكنه في نفس الوقت لايمنع نفسه من الجهر بهويته المذهبية وهي شأن خاص ومعتقداته .. وما يثير الاستهجان اكثر ان بعضهم عرف بسلوكه المنحرف في كل شيء ومع ذلك تراه يتحدث ويكتب عن الائمة والصحابة بشكل طائفي مقيت وهو ابعد ما يكون عنهم .
ان الاعلام انعكاس للحالة السياسية العامة لكل بلد واعلامنا ليس استثناءا عن ذلك لذا فان اسقاطات الواقع السياسي المضلل تتجسد في وسائل الاعلام وخاصة اننا نفتقد الى رابطات ومنظمات ونقابات قادرة على وضع مواثيق شرف ملزمة تحرم الترويج للطائفية ، بل ان بعضها وبرغم التسميات الجميلة لها تنشر سموم الطائفية من خلال جلساتها الحوارية .
من الصعب في ضوء المال السياسي الطائفي الضخم ان نتصور امكانية القلة الباقية من الشخصيات الاعلامية او ما تبقى من مؤسسات ثقافية ان تحجم دور وسائل الاعلام الطائفية سواء على مستوى العراق او الوطن العربي بشكل اوسع او حتى على مستوى العالم الاسلامي .. وهنا تكمن خطورة الموقف واذا اضفنا الى كل ذلك الانحسار المزمن للتيارات الوطنية والقومية وضعف تأثيرها في ساحة العمل السياسي لادركنا حجم ما تتجه اليه منطقتنا من انحدار وضعف وانقسام وشرخ في المفاهيم الوحدوية وابتعاد عنها وهو ما علينا ان نضعه في الاعتبار في تشخيصنا لتصحيح دور الاعلام وابعاده قدر الامكان الطائفية التي تفرخ التطرف والتعصب الاعمى .. هي مهمة كل اعلامي ومثقف وطني يحرص على الحفاظ على ما تيقى من اوطان .. المهمة ليست سهلة لكن لابد منها ..