اول التعليقات العاجلة على قرار المرجعية الدينية العليا ايقاف الخطب السياسية الاسبوعية ، “ان المرجعية تعلن عن فشلها في اصلاح الاوضاع السياسية أو”ان المرجعية بدات تشعر باهتزاز الهيبة كون ارشادها السياسي الاسبوعي لم يعد مسموعا “.
المرجعية مؤسسة عظمى تديرها عقول مجتهدة ضليعة في التشريع والصياغة واللغة ودقة وتوقيت الخطاب مع حساب تاثيره وردود الفعل على فحواه واوجه تفسيره حسابا دقيقا جدا. وعليه لا يمكن لها مليون بالمئة ان تتعثر فترسل اشارة صريحة كيفما اتفق عن ضعفها وتقر علنا بتراجع هيبتها في المجتمع. لذلك من الصعب تماما تاييد التعليقات العاجلة تلك، الامر الذي يحيلنا الى قراءات مختلفة اخرى لهذا القرار ؟
حتى الذين يتمنون ان لاتكون المرجعية طرفا سياسيا من الاساس لايريدون لها ان تنسحب الان قبل ان تصلح ماكانت سببا فيه بدعمها نخبا وشخصيات سياسية فاشلة بحسب اعتراف المرجعية ذاتها وهي تلاحق فشلهم وتشجب بقاءهم وتدعو الى ضربهم بيد من حديد وابدال “وجوههم الكالحة” ، و”المجرب لايجرب” . والضغط عليهم جمعة بعد جمعة حتى بح صوتها لاصلاحهم دون جدوى .
اضعف القراءات المغايرة ان المرجعية تحاول “البحث”عن آلية جديدة للتغيير غير النصح . واقوى القراءات انها فعلا واصلا “وجدت”تلك الآلية لاحداث انقلاب شامل على العملية السياسية وتغيير وجوهها قاطبة وركائزها الاساسية متمثلة بالدستور ونظام الانتخابات وقانون الاحزاب .
فالمرجعية ذاتها هي التي دعت الى التصويت على الدستور بنعم بحيث صوّتَ بعض الناس عليه قبل قراءته اعتمادا على تقييمها . وقد اسيء استخدامه فيما بعد واعترف الذين كتبوه انفسهم بانه كان متعجلا وانطوى على الكثير من الفخاخ.
والمرجعية هي التي ضغطت على سلطة الاحتلال الاميريكي لاجراء اول انتخابات بعد الاحتلال حين كان الاميركان يصرون على تعيين الحكومة الاولى تعيينا الى حين اجراء انتخابات عامة ، فافاد الاميركان من ذلك برميهم السلطة الناقصة على عراقيين مستعجلين وتنصلوا عن مسؤولياتهم في تاهيل البلد المحتل حسب القرار الدولي 1483 ، لتصبح خطيئة خروجهم قبل ترتيب اوضاع البلاد كخطيئة دخولهم دون قرار دولي وذرائع متقنة. والمرجعية هي التي دعمت مبدأ القائمة المغلقة في الانتخابات مما اتاح للوجوه “الكالحة” ان تختبئ في الصناديق لتفاجئ الناس بعد النتائج بانها تمثلهم دون ان يتعرفوا اليها .
الذي يحسب للمرجعية في هذا السياق هو انها الجهة الوحيدة في العراق التي لم تصر على مبدأ سياسي ثبت خطؤه ، في اعتراف رفيع يليق بمقامها كونها ليست طرفا سياسيا بل ان دورها الرعوي حتم عليها التدخل والنصح لانقاذ البلد من المخاطر بعد الفين وثلاثة .وهو ذات الدور المكثف الذي” تتصدى له الآن” والبلد يمر باسوأ مراحله من تهديد الارهاب الى الافلاس الى فوضى السلاح الى التدخل الخارجي الى اضطراب علاقات العراق الدولية الى فشل النخب السياسية قاطبة في تحقيق الحد الادنى من مصالح البلاد.
مما يدلل يقينا على ان المرجعية قررت الاصلاح بطريق مغايرة لايتوقعها السياسيون وكتلهم واحزابهم البتة ، حيث يبدو قرار التوقف عن الارشاد الاسبوعي المباشر مبطنا بالتهديد واخفاء اليات التغيير المقبل ، وفي حال صدقت هذه القراءة فان خطر المرجعية المقبل على رموز الفساد والفشل في ادارة الدولة العراقية سيكون كبيرا بالضرورة ومفاجئا بالتاكيد