23 ديسمبر، 2024 7:40 ص

خطتا فهمان وجاك لإنقاذ العالم

خطتا فهمان وجاك لإنقاذ العالم

ولم تمر سوى أيام قلائل بعد فض اجتماع ناسا حتى شرعت بامتعاض شديد في التنفيذ العملي لما اقترحه جاك نظريًا في رسالة الدكتوراه.
وكانت الخطوة الأولى هو الدفع برئيس ناسا للضغط على صنّاع القرار الأمريكي من أجل صرف الدعم اللازم لتجهيزات الرحلة.
وثمة اتفاق مسبق بين جاك ورئيس ناسا من مقترح جاك من أجل الحصول على هذا الدعم.
فقد اتفق مع رئيس ناسا بإخفاء التكاليف الحقيقية للرحلة، لأنه يعلم مسبقا أن رامسفيلد سيرفض تقديم هذا الدعم إذا علم مقداره الحقيقي معللا بأنه يحتاج الأموال لدعم حربه ضد الكتلة الشرقية ولاسيما أن تلك الكتلة تهدده باستخدام السلاح النووي بعد هزيمتها من الكتلة الغربية في الحروب التقليدية الفائتة.
عندئذ، لن يجد رامسفيلد مشقة البتة في الضغط على الكونجرس لأن صناع القرار الحقيقيين فيه هم اليهود.
وبالتدقيق في خطة جاك نجده أنه اتبع سياسة الاستدراج حتى لا يجد رامسفيلد والكونجرس بدا من الاستمرار فيما بدءوه، لأنهم سيقولون عندئذ: لقد قُضي الأمر وتورطنا في هذا الدعم اللعين.
وجاك يعلم أنه في هذه الحالة ستضطر أمريكا للإعلان عن أمر الثقب، لأن تكاليف الرحلة الحقيقية أكبر مما يملكه صندوق النقد الدولي، بل أكثر مما في البنوك السويسرية قاطبة. فيتحقق لجاك ما أراد وتنتهي الحرب بلا رجعة على الرغم من أنه يعلم أن يعقوب إسحاق لن يألوا جهدا من أجل إقناع العالم لعدم الجدوى لتقديم الدعم لهذه الرحلة، والحقيقة أنه يريد إنهاك الكتلتين الشرقية والغربية بشريا واقتصاديا من أجل إفساح الطريق له للإعلان عن الحلم الذي طال انتظاره وهو الإعلان عن دولة إسرائيل الكبرى، ذاك المخطط الذي قرروا المضي فيه في اجتماع الكابينت المشئوم.
وأبطنا الأمر (رئيس ناسا وجاك)، أما أعضاء ناسا فمنهم من سكت عن الأمر عن قناعة ومنهم من تم تحييده، فلا هو مع الدعم أو ضده.
وقد رُصد الدعم لمستلزمات الرحلة والتي تشمل:
– الشراع الشمسي وهذا سوف يدفع ويسير بعشر سرعة الضوء حتى يصل إلى الثقب الأسود بعد عشرة أعوام بطاقة الاندماج النووي ليلا (لا يمكن تحقيق الاندماج إلا من خلال الطاقة الناجمة عن الانشطار النووي)، وبقوة الليزر الهائلة نهارا.
– الجهاز الشامل وهو المعجزة والذي يوفر لأعضاء الفضاء الذين يقلهم الشراع الشمسي الماء والطعام والتنفس.
– المحطتان الشمسيتان العملاقتان على القمر: من أجل توفير الطاقة الكهربائية اللازمة لدفع أشعة ليزر تستطيع أن تدفع الشراع لعشر سرعة الضوء.
– مفاعلو الاندماج والانشطار النوويّ على القمر: وهذا أشبه بالجهاز المزدوج، فالطاقة الناجمة من الانشطار النووي منه سوف تستخدم لإجراء عملية الاندماج، ومن ثم تحويلها إلى طاقة كهربائية يمكن توجيهها مباشرة عبر المحطات الليزريّة لتدفع الشراع الضوئيّ بسرعة معتبرة.
-محطات الليزر العملاقة على القمر: وهذه الأخيرة تستلزم جهدا خارقا فوق العادة، وسوف تستنزف ربع اقتصاد العالم في بنائهما.
***
وبالفعل حصلت ناسا على الدعم ورامسفيلد ويعقوب إسحاق يكادا ينفجران غيظا وغضبا، إذ توقفت الحرب بالفعل.
وأول خطوة قامت بها ناسا فور الحصول على الدعم هو إرسال المزيد من الروبوتات عبر المصاعد الفضائيّة لاستخراج هيليوم-3 اللازم لإجراء عمليات الاندماج النوويّ وصنْع محطات الليزر، كما أرسلت خبراء تصاميم الشراع الشمسيّ إلى القمر أيضا إليه ليبدءوا في صنعه.
ولقد أثير جدلاً واسعًا حول المحطات الليزريّة بين جاك وباقي خبراء ناسا، فناسا ترى أنّه يكفي محطة واحدة عملاقة بيد أنّ جاك رفض هذا رفضًا شديدًا وقال لابدّ من سبع محطات ليزريّة، وعلل ذلك بوجوب مشاركة القارات السبع في الرحلة، بل قال إن كل محطة ليزرية يجب أن يرفرف عليها علم قارة من القارات السبع.
ولقد سُئل جاك عن عدم إعلانه بأمر الثقب فقال آسفا: «العالم فيه المرضى والكهول وأصحاب القلوب الضعيفة، ومعرفتهم بأمر كهذا في الوقت الراهن دون أن يلمسوا منا أي تقدم لمجابهته سوف يودي بهم إلى حافة الهلاك.»
ومن أقواله أيضا في هذا الشأن:«إن الروس يساهمون بالفعل في إعداد الرحلة دون أن يشعروا.»
فقيل له عن كيفية ذلك فقال: «ألم تنقب روبوتاتهم المتواجدة على سطح القمر عن هليوم-3 اللازم لدفع شراعي بعملية الاندماج النووي.»
***
ولقد اندهشت موسكو بعد إصدار القرار بدعم رحلة جاك -الذي لا يعلمون من أمره شيئا- من تثاقل الكتلة الغربية في المضي قدما نحو الاستمرار في الحرب، حتى إنّ بعض القوات الأمريكيّة بأحلافها رحلوا عن بعض المناطق الإستراتيجية من المنطقة العربيّة.
لكن جهاز الاستخبارات الروسية GRU لحظ أن وكالة ناسا أرسلت كما هائلا من الروبوتات إلى سطح القمر عبر مصاعدهم الفضائيّة،
فضلا عن إرسالهم لملايين المرايا التي تستخدم لعمل أجهزة الليزر.
وكذلك إرسال خبراء فيزياء نوويّة وخبراء فضاء وفلك، وسواء هؤلاء أو هؤلاء فقد استوطنوا القمر.
وبمتابعة أمر الخبراء أو أمر الروبوتات، وجدوا أن الروبوتات تشرع في البحث الدءوب عن هليوم-3، أما خبراء الفيزياء النووية فقد طفقوا يبنون مفاعلين نوويين، أحدهما للانشطار والآخر للاندماج.
وخبراء الفلك والفضاء وضعوا هيكلا لشراع شمسي بحيث يتمركز في مدار حول الأرض.
واجتمع كل رؤساء الكتلة الشرقية برئاسة الرئيس الروسي بحثا عن إيجاد تفسير مقنع لتصرفات الكتلة الغربية في أمر الحرب، وتفسير آخر مقنع حول خبراء ناسا.
وفسّروا تهدئة الأوضاع لخوفهم من الرءوس النووّية التي على مراكز إطلاق الصواريخ، كما فسّروا انسحاب بعض وحدات الجيش بأنّها وسيلة من وسائل الخداع والتمويه حتى يضربوا ضربتهم الكبرى.
وفسّروا إرسال المزيد والمزيد من الروبوتات إلى القمر للتنقيب عن هيليوم-3، ومن ثم زيادة قدرتهم النووّية في الحرب -هذا النوويّ الذي لم يستخدم حتى الآن- لكنهم لم يستطيعوا تفسير صنْع الشراع الشمسيّ ولا تفسير إرسال ملايين المرايا التي تستخدم في عمل الليزر، حتى قال أحد الخبراء الروس قولة مشهورة: «لعلّهم سيضربوننا بالليزر من على القمر.»
واستدرك: «لا ضير إذن، فنحن ننقب عن هيليوم-3 أيضا.»

خطتا فهمان وجاك لإنقاذ العالم:
لم ينشغل فهمان باكتمال النموذج القياسيّ للجسيمات بتاتًا، كلّ ما يشغله هو امتطاء جرافيتون جسيم الجاذبيّة والهروب معه للوصول إلى الشيطان.
ومن هذا المنطلق حاول فهمان أن يشارك صديق عمره الوحيد في همّه فكلّمه عبر البريد الإلكتروني وأعلن له عما يجيش في نفسه من خواطر.
ولقد حدث بينهما حوار طويل عبر البريد وها مستخلصها.
ألقى فهمان رسالة حبٍّ وتحية وسلام.
سأل فهمان: «جاك كيف حالك؟»
أجابه جاك: «بخير صديقي الحبيب غير أنّ الدنيا ليست بخير.»
– «نعم صديقي العالم سيحترق لو نفذت آسيا تهديدها وأطلقت رءوسها النوويّة.»
– «صح لسانك، لكنّي لم أقصد عما قصدته، إنّما قصدتُ شيئًا آخر، هناك كارثة ستقع.»
– «كارثة! لعلك تقصد مجيء كاجيتا للمصادم، لن أدعه يصنع قنبلة الثقب الأسود، لا تخفْ صديقي.»
– «ليس هذا ما أعني.»
سكت هنيهة ثمّ قال: «أتذكر نجم سحابة أورط الذي أخبرتك عنه؟»
– «أذكره .»
توقف كلاهما عن الكتابة، وكأن جاك لا يود إخباره.
فجأة شهق فهمان من تأخر إرسال رد جاك، ولذلك قال وهو يضع كلتا يديه على رأسه: «تحوّل؟»
كتب جاك بيد مرتعشة: «تحوّل.»
كتب: «وماذا ستفعل؟»
قص له جاك كل شيء بما أضمره بشأن الرحلة.
لم يكترث فهمان بعبقرية جاك وحكمته، وإنما أجهش بالبكاء، وأصابت جسده رعدة، وتصبب العرق من جبينه، وبعد لحظات من تلك المعاناة كتب: «تريد أن تلقي بنفسك في جحيم ثقب من أجل أن…»
بادره جاك برسالة مقاطعة: «من أجل أن يحيا العالم لا بأس أن يضحي جاك بنفسه.»
ظلا يبكيان، فلما طال انتظار جاك لرسالة فهمان كتب: «لا تخش صديقي، سأذهب إليه، سأمحوه من الوجود بدقّ عنقه.»
– «إنه ثقب أسود، ثقب أسود يا جاك.»
– «لكني قادر بفضل الرب التغلغل في أمعائه وعبوره لأخرج من دبره، عندئذٍ أطعنه في ظهره ولن تقوم له قائمة.»
– «كيف تطعنه؟»
– «بعد عبوري سأجد كونا آخر، هذا الكون من سيطعنه، بحيلتي وحسن منطقي.»
– «وما أدراك بأنهم قادرون على فعل ذلك، ربما يكونون أقل حيلة وعجزا منا.»
لم يجد جاك ما يرسله له، فهو يعلم أن الكون الذي خلف الثقب الأسود مجهول الهوية، بل قد يجد خلفه أناسا أحياء ماتوا في كون الأرض، بل قد يكونوا أناس يعرفهم وعاشوا بين ظهرانيه. بل قد يكون كونا يجد فيه أناسا قد أذن الرب لإسرافيل بالنفخ في البوق وهم الآن في مرحلة تطاير الصحف والمرور على الصراط وعرض الأعمال على الله.
ولم يجد جاك بُدا من التفاؤل، ولذلك كتب: «أنا متأكد أن خلف الثقب كونا قادرا على ضربه في دبره والقضاء عليه.»
– «أنت تغالط نفسك يا جاك، لكن لا بأس، اعلمْ أنه لن يطيب لي عيش أو مرقد بسبب فراقك، فلعنة الله على إبليس الذي سوف يفرق بيننا.»
وعاد البكاء من جديد.
بعد لحظات أرسل فهمان كالمستدرك: «هب أن الأمور مرت بسلام، أين الوقود الذي سوف تسير به بعد عبور هذا الجحيم؟»
كتب جاك بإصبع مضطرب: «سأستخدم أولاً الطاقة المتولدة من اتحاد الأكسجين والهيدروجين، أحصل على الأكسجين من الطحالب أو التحليل الكهربائيّ للماء، وأحصل على الهيدروجين من الفضاء، وأجعل وقود الأرض المتوفر على متن شرعي مخزنا استيراتيجيا لي.»
– «ما زلت تمني نفسك وتفرط في تفاؤلك، وإفراطك سيجنني، قل لي يا جاك، هل أنت مقتنع بما تقول؟»
– «لابد أن أقنع نفسي رغما عنها، لأنه ليس لدينا خيارا آخر، فدعنا نعيش لحظة التفاؤل حتى لا يقتلنا التشاؤم يا فهمان.»
عاود فهمان البكاء، وبكى بكاء مريرا، حيث وقع في روعه نجاح الخطة. فجهر له بذلك بقوله: «وتنجح خطتك.»
تأكد جاك أن فهمان يبكي بكاء مريرا بسبب نجاح الخطة، وهو يعلم سبب بكائه لكنه تجاهل ذلك وقرر ألا يجعل الأحزان تتلوى بداخل جوارحه.
قال جاك: «استشعر بكاءك مع أني لم أرك، تبكي يا فهمان بسبب نجاح الخطة؟!»
– «أنت تعلم لم أبكي؟»
تجاهله جاك ولم يرد عليه، عندئذ بادره فهمان برسالة: «سيتحطم الثقب ويقطع عليك خط الرجعة إلينا.»
حاول جاك أن يخفف آلامه فأرسل: «لا تخش يا فهمان، فإن دروب المجرات كلها أعلمها جيدا، وأنا قادر على العودة، لكن ..»
توقف جاك عن الكتابة، عندئذ أرسل له فهمان: «لكن ماذا؟ أقول لك أنا، أقل مسار يمكنك السير فيه من أجل العودة إلى الأرض سيستغرق نحو ثلاثمائة عام. فلعنة الله على إبليس.»
طرح جاك حديث الثقب أرضا وكلمه في شأن إبليس، أرسل: «هل ما زلت مصرا على عبور البعد المعكوف والوصول إلى كون إبليس بعد طرق بوابتهم.»
– «عشت من أجل ذلك، ولن يهدأ لي بال حتى أعبر الجسر المؤدي له، هو كما تعلم وتر من أحد الأوتار المهتزة التي أخبرنا بها الفيزيائيون.»
– «أنت تعلم أني غير مقتنع بوجهة نظرك، لكن ما دمت مصرا فيجب عليك تخطي الصعوبات من أجل الوصول إليه.»
– «جاك، لن أستطيع أن أصل إليه إلا بمساعدتك، لابد أن تأتي مصر من أجل ذلك، فالصعوبات جمة.»
– «ألا تعلم حجم الضرر الذي قد يقع على بلدك لو نزلت مصر، أتعلم ما معنى أن يُكتب في الصحف أن جاك قادم على أرض الوادي الجديد؟»
– «للأسف قد تتوتر العلاقة بين الكتلة الشرقية ومصر بسبب إقدامك للعمل على مختبري (FFC-2) لكن لا مفر من ذلك فأنا لن أستطيع الهجرة من هذا البعد الكوني إلى بُعد إبليس إلا بمساعدتك.»
– «معاند أنت يا فهمان، رأسك كالحجر، قلت لك من قبل أن تخليق جسر عبر ثقب أسود مجهري للعبور أمر في غاية الصعوبة وتصر على عبوره. قلت لك إن المعبر سينغلق قبل عبورك وتصر على عبوره، قلت لك إن قدراتك البشرية أضعف من أن تواجه إبليس على أرضه وتصر على العبور، وقلت لك إن تحديد الوتر الناري المهتز أمر في غاية الصعوبة، فقد تجد نفسك عبرت إلى جحيم الآخرة فتكوى في نار جهنم وأنت أتقى الأتقياء، أليس الوتر الناري الذي تسعى إليه هو وتر النار؟! فتعقل يا فهمان، تعقل، اعرض عن هذا الأمر.»
– «هذا الخسيس الرجيم يعبرنا في لحظة من خلال البعد المعكوف المطوي غير المرئي، ونحن لو أردنا عبور هذا البُعد فقد يستغرق منا آلاف السنين. هذا إن استطعنا أن نراه ونحدد موضعه في جيوب فضائنا، ولذلك فمصادمي (FFC-2)سوف يمكنني من الوصول إليه في بضع لحظات، ولن ينغلق الثقب علي فالمادة السالبة قادرة على فتحه.»
غضب جاك غضبا شديدا وأرسل في التو: «هل جننت؟ تريد أن تجعل فمه مفتوحا فيلتهمنا جميعا، إنه لن يذر منا أحدا.»
– «على رسلك يا صديقي، سيظل فم الثقب مفتوحا حتى أعبر فقط، عندئذ سينغلق ويتلاشي الثقب المجهري كله على الفور، أنا أستطيع أن أروضه جيدا.»
– «ويكون فهمان فطين المصريّ أول من استطاع في التاريخ البشري كله الوصول إلى إبليس من خلال ثقب أسود مجهري بوساطة مصادمه المعجزة (FFC-2)، آه يا رب هذا الكون!سآتيك إذن يا فهمان، فانتظرني.»