لويس بروال صاحب كتاب (الإجرام السياسي) يقول في كتابه هذا: لقد فضح موليير الرياء الديني في روايته الخالدة ويقصد طبعا” رواية (طرطوف)، أما الرياء السياسي فلا يزال ينتظر الذي يكشف ستره.. والكلام (ل بروال).. وهنا إلتفاتة رائعة من هذا المفكر الفرنسي صاحب الرؤية الموضوعية والذي طرح تساؤل مهم حول خطورة الرياء السياسي، وما له من أثار سلبية ف(السياسة بلا أخلاق هي خراب الإنسانية) وكما يقول نفس المفكر.
طوال عقد ونصف العقد والعراق يعاني من عملية سياسية عرجاء صخباء، لا ننكر إن العراق حقق مكاسب ليست بالقليلة في ظل هذه المرحلة الصعبة من عمر العراق، ولكن بنفس الوقت كلفت العراق وأهله كثيرا” على مستوى التضحيات البشرية وآلاف الأرواح التي أزهقت ومليارات الدولارات التي سرقت ونهبت، كل ذلك تتحمله الطبقة السياسية المتصدية للمشهد السياسي، وبمقارنة بسيطة بين حياة ومعيشة المسؤول الحكومي والسياسي في العراق مع حياة عموم الشعب العراقي، نجد الفارق الشاسع في الحقوق وطبعا” ذلك الفارق لصالح الطبقة السياسية المنعمة بخيرات العراق، وهذا يظهر حالة الرياء السياسي في العراق، فالدستور العراقي.. قامت الطبقة السياسية بضرب كثير من مواده عرض الجدار، خصوصا تلك المواد التي تتكلم عن الحقوق والحريات والمساواة وما شابه هذا المعنى.
خطبة السيد الصافي اليوم 14/6/2019 ومن كربلاء المقدسة، تعتبر إنعطافة خطيرة من المرجعية بإتجاه تحديد الأمرض السياسية المزمنة التي يعاني منها ساسة العراق والعملية السياسية، مع العلم إن المرجعية الدينية كانت ولا تزال غير راضية بل ومنزعجة من هذه الطغمة الحاكمة للعراق، وخطاب اليوم خرج من التلميح إلى الإشارة المباشرة للخلل التي يعتري سير العملية السياسية ومن يتحمل هذا الخلل والإشكال، والذي يقع ضحيته المواطن البسيط سواء الوضع الأمني الهش أو الأداء السياسي المتعثر وأما الوضع الخدمي ففيه الكارثة الكبرى وعنده تسكب العبرات، وهنا أود أفكك ما جاء في هذه الخطبة المحورية وما حوته من أشارات خطيرة حول وضع العراق، والإدارة السيئة للحكومة العراقية.
أولا”. أشار السيد الصافي خطيب صلاة الجمعة إن كل ما في الخطبة
الثانية(الخطبة السياسية) هو كلام السيد السيستاني(دام ظله) فبدأ الخطبة (أقرأ عليكم نص ما ورد من مكتب سماحة السيد….)، وهذه إشارة للجميع إن الخطبة هي رأي المرجعية المباشر، وليس كلام وكيل المرجعية السيد الصافي، وكل ما في الخطبة تتبناه مرجعية السيد السيستاني.
ثانيا”. إن دعوة (فتوى الجهاد) دعت العراقيين للأنخراط في قواتنا المسلحة، وهنا المرجعية تؤكد ضرورة إحترام مؤوسسات الدولة والقانون رغم إنهيار الدولة وقتها، كما إن الدعوة للجهاد كانت بدوافع وطنية وهو القاسم المشترك بين كل العراقيين، ولم تكن لشريحة معينة من المجتمع دون أخرى بل الجميم دون إسثناء.
ثالثا”. أكد السيد السيستاني في هذه الخطبة بأن سر نجاح الفتوى وتحقق النصر على داعش ومن يقف وراءه هو تكاتف الجهود وتراص صفوف الذين لبوا نداء الفتوى، على عكس الساسة ألان منغمسين في خلافاتهم المصلحية وليست الوطنية، فكيف تستقيم الدولة؟.
رابعا”. أن كل القوى السياسية وحتى التي أنبثقت بعد الإنتصار على داعش، تتحمل وزر هذا التراجع في أداء الحكومة والبرلمان وخصوصا” ملفي الأمن والخدمات.
خامسا”. أن عدم معالجة الضرر الذي سببته الحرب على داعش في المحافظات التي سيطرت عليها تلك المجاميع الإرهابية، قد يكون سببا” لعودة داعش، وهنا تؤكد المرجعية على أهمية البنية المجتمعية، من خلال أحترام كرامة المواطن وحرمته في تلك المناطق المنكوبة.
سادسا”. ضرورة الإنفتاح على الدول وخصوصا” المجاورة، فلولا تعاون تلك الدول لما تحقق النصر، وكأن المرجعية تقول إن العداء مع الدول أو التمحور مع جهة دون جهة أخرى لن يجلب ألا الويلات للعراق وشعبه.
سابعا”. التأكيد من قبل المرجعية على ضرورة تفعيل الجهد الإستخباري وخصوصا” في المناطق الهشة وتوجيه ضرب إستباقية للإرهاب، كي لا يعاود نشاطه ويتمدد من جديد على جغرافية العراق.
ثامنا”. وجهة المرجعية صفعة قوية لما يسمى ب(المجلس الأعلى لمكافحة الفساد)، حين ذكرت الخطبة هذا النص(ولا يزال الفساد المستشري في مؤسسات الدولة ولم يقابل بخطوات عملية واضحة للحد منه ومحاسبة المتورطين به)، وهذه أشارة أن هذا المجلس للتنظير وليس للعمل الحقيقي الذي يحد من الفساد
والمفسديين.
بعد هذه الخطبة الإسترتيجية التي حددت مواطن الخطر في العملية السياسية، لا بد لصاحب القرار من إعادة النظر بكل الخطط الحكومية وعلى كافة المجالات والأصعدة لا سيما الأمنية منها، وأن يعمل على معالجة كل القوانين التي ميزت بين الساسة والشعب لتكون لمصلحة الطبقة السياسية وثرائها على حساب المال العام، مستغلة تلك الطغمة تسلطها وتمكنها من القرار السياسي.
عليه أتوقع مراجعة تكتيكية من بعض القوى السياسية، لما تمثل هذه الخطبة من تحذير شديد اللهجة من المرجع الأعلى السيد السيستاني، وقد نشهد إنسحاب بعض القوى السياسية بإتجاه المعارضة البرلمانية، كي تستثمر حالة السخط الشعبي المتزايدة على أداء الحكومة والطبقة السياسية، فيا ساسة العراق وأحزابه، لا تستهينوا بوصايا المرجعية التي ترتقي لمستوى التهديد، فكما سكتت على الإرهاب بحكمة منها وفاجئته بفتوى مزلزلة، فصمتها عنكم لا يعني إنها لا تهتم لأمر البلاد والعباد، بل لدى المرجعية توقيتات لكل مهمة، ولات حين مندم.ِ