بات في حكم المؤكد ان الحراك النسوي السعودي قد بدأ مرحلة جديدة ومختلفة في السنوات الخمس الاخيرة عندما تحول من اصوات فردية تظهر من خلال نشر رواية او قصة تحت اسماء مستعارة والتي يتم تسريبها سرا خوفا من سلطة الرقيب الى نشاطات جماعية علمية اكاديمية وتجمعات حقوقية. وساضرب مثلا على ذلك التحول من خلال تجربتي الخاصة التي اعتمدت فيها على وسيلة المعايشة والملاحظة والمراقبة لفئة الطلبة المبتعثين في ثلاث جامعات بريطانية على مدى خمس سنوات. ففي عام 2010 عندما التحقت باحدى الجامعات البريطانية وجدت ان عدد الطلبة السعوديين الذكور يفوق عدد الاناث باكثر من الضعف. وكانت النشاطات الطلابية الذكورية هي البارزة للعيان والمتمثلة باقامة الفعاليات والمسابقات الرياضية بين فرق الطلبة المبتعثين. ولم يكن هناك حينها صدى كبير للنشاطات النسوية العلمية والحقوقية الجماعية. وفي عام 2011 انتقلت الى جامعة اخرى فوجدت ازديادا في عدد الطلبة السعوديين من الجنسين فضلا عن التفاوت الكبير في النشاطات العلمية والندوات الثقافية التي ينظمها الطلبة الذكور حصرا. ففي عام 2012 حضرت ندوتين : الاولى سياسية وكان جميع المشاركين والحضور من الذكورفقط. أما الثانية فكانت ادبية حيث استضاف الطلبة فيها الشاعر العراقي عدنان الصائغ في أمسية شعرية. وفي هذه الامسية كان معظم الحضور من الطلبة ايضا. وبعد تخرج عدد كبير من الطلبة السعوديين في الاعوام الثلاثة الاخيرة : 2013/2014/2015 لم ألحظ نشاطات ذات شأن لكلا الجنسين من الطلبة. أما في العام الدراسي 2016/ 2017 فقد حدثت المفاجأة التي قلبت المعادلة القديمة رأسا على عقب حينما حضرت مؤتمرا في الجامعة تحت عنوان “Sowing Diversity: Crossing Language and Cultural Borders” في الشهر الخامس 2017 . وقد جئت حاملا الافكار المسبقة التي اكتسبتها من حضور النشاطات والفعاليات السابقة التي بلغت اكثر من مائة ، بين مؤتمر علمي ومحاضرة عامة ونشاط حقوقي حيث الغياب شبه التام للطلبة العرب ولاسيما السعوديون. أما في هذا المؤتمر فقد تفاجأت بحضور فاعل ولافت للطالبات الخليجيات حيث بلغت نسبة المشاركة الثلث. فمن اصل (15) مشتركا كان نصيب الباحثات العربيات (5) مشتركات (كويتية واربع سعوديات). ولم تقتصر المفاجأة على تلك النقطة بيد ان الحضور الكثيف للباحثات السعوديات في هذا المؤتمر رافقه غياب تام للطلبة السعوديين.
ولم يكن الاستغراب قد وصل غايته بمشاهدة المشاركة الفاعلة والحضور اللافتين للنظر وانما باختيار البحوث العلمية الرصينة وعنواناتها التي قدمتها الباحثات. يضاف الى ذلك ان تلك البحوث قد قدمت بالاسلوب الاكاديمي الواضح الشيق المصحوب بالتمكن من اللغة الانكليزية فضلا عن القدرة الكبيرة في اتقان فن الحوار لدى طرح الاسئلة والاجابة عنها. ومما زاد اللقاء بهجة رؤية الاصرار على ان يكون الهامش متنا وان تكون الثقة في التعبير عن النفس هي الحاضرة بقوة. وفي مداخلة مع احدى الباحثات عن سبب هذه النقلة النوعية في الخطاب النسوي السعودي قالت: لقد اَن الاوان بعد طول معاناة ، انظر الى تلك المجموعة من النساء اللواتي تحملن مسؤوليتين شاقتين في اّن واحد : تربية الاطفال والعناية بشؤونهم والعمل الجاد المتواصل في انجاز البحث العلمي.
هذا المشهد المصغر لشريحة علمية اجتماعية والخاص بنساء سعوديات يمكن ان يتكرر في جامعات بريطانية وفي اقسام مختلفة غابت عن الرصد والملاحظة ، فما بالك اذا اتسع الاطار ليشمل دولا اخرى؟ في هذا الحضور البهي للاخلاق والعلم غاب النقاب عن المشهد وهربت سلوكيات العنجهية الأعرابية.
قطعا ان هذا الحراك النسوي لم يكن وليد اللحظة الراهنة ، كذلك لم يكن تعبيرا عن لحظة عابرة ، غير انه عملية تراكم لنضال متواصل في الاصرار على نيل الحقوق. وهو حلقة في سلسلة متواصلة من النشاط المدني الذي اثمر عن اطلاق سراح الناشطة السعودية في حقوق الانسان مريم العتيبي قبل ايام. وقد ساعد على بروز هذا الحراك النسوي الى السطح حملات أعلامية كبيرة اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت وسيلة ناجحة من وسائل الضغط على الحكومات والانظمة لنيل الحقوق. وهنا -ايضا- ينبغي ان لا يُغفل دور برنامج الابتعاث نفسه والذي منح المرأة فرصة كبيرة للانفتاح على المجتمعات الاخرى. وقد خلق- ايضا- مجالا للمرأة السعودية كي تعبرعن مشاكلها بشفافية ودون وجل ، بعدما تخلصت من قيود الداخل المتمثلة بقيم المجتمع الثيوقراطي الفحولي الأعرابي.
نعم ، انها بارقة أمل بانفتاح افق جديد تتخلص فيه معظم النساء العربيات من التقاليد والعادات البالية والقيم الأعرابية المتجلببة برداء الاسلام