17 نوفمبر، 2024 2:24 م
Search
Close this search box.

خطاب الكراهية ليس له قرار

خطاب الكراهية ليس له قرار

إعتدت ان لا أتطرق الى ما يقوله رجال الدين. من مبدأ إن كل ما يتحدثون به قد سبقهم الأخرين بقوله. والبعض منه مفيد والأخر إجترار. ولا إعتراض على ما يقولون رغم إن من الكلام ما يخالف المنطق والحقيقة. وهو كثير. ومنه ما يبعث على تجهيل الناس ويسخر من العقول. ومبعث ذلك يقيني إن أغلب من يمتهن هذه المهنة، وأقصد الدعاة، هم ناس تنقصهم الثقافة ويجانبهم التحضر. وإن الإحترام الذي يحظون به على الغالب مبعثه إحترام الدين وقدسيته لدى كثير من الناس حتى وإن على كعب المستمع بالعلم والمعرفة علىيهم. فاليقين أن كثيرين منهم يطلقون لمخيلتهم العنان في التفسير وفِي التأويل وما هم بمفسرين ولا بمؤولين. الأمور وعلى هذا الجانب لا ضير فيه طالما كان الأمر متعلق بالمعلومة وبتداولها وحتى اذا ما كانت خاطئة فإن الزمن كفيل بتصحيح الأخطاء وبكشف الحقائق. وعفا الله عن القائلين ما سلف منهم من قول. إلا أن يتحول الخطاب من تسامح الدين الى خطاب كراهية شيء لا يمكن قبوله ولا السكوت عنه كائن من كان قائله. وليس في هذه الحالة قدسية لأحد. علا شأنه أم وطئ. وشتان بين رجل دين جاهل أطلق معلومة خاطئة أو أفتى وهو غير مؤهل للفتوى بأمر يقصد منه صالحاً ولم يوفق، وبين من يدس السم في عقول الناس ويدفع بهم الى الكراهية والتطرف، ويؤسس الى مكامن الإقتتال والإحتراب بين أبناء الشعب الواحد بدعاوى باطلة جاهلة، مقصودة الهدف وواضحة التوجه. إن من أشد الأمور وطئة على المجتمع السكوت عن الذين يفرقون ما بين الناس لدوافع إن حسنت النية بهم أن يقال الجهل في ما يقولون وما هم في حقيقة الأمربهذه المقاصد جاهلين. وقد يرى البعض أبعد من ذلك. فتوحيد المجتمع ورص صفوفه وإيجاد قواسم مشتركة بين أبنائه من المهام الصعبة والمكلفة التي يسعى المخلصون بجهدهم على إرسائها وحدة للمجتمع ولإستمرارية الحياة لأبنائه بسلام، بعكس معول الهدم الذي يفعل فعلته بسهولة متناهية في جسم المجتمع إذا ما كان متسلحاً بخطاب الفرقة والكراهية.

لقد شاءت الأقدار أن تجعل من مجتمعنا مجتمعاً متعدد الطوائف والأعراق. ليس لأي عراقي ذنب في ذلك. وهذا لا يعني إن لقوم أو طائفة علوية على الأخر. وإذا ما كانت هناك أغلبية لفئة ما فإن ذلك لا يعني إن لها الحق في فرض إرادتها على الأخرين. ولا يوجد دين ولا شريعة يستطيعان أن يفرضا إعتقادهما على أحد. وما تعتقده الأغلبية إنه مقدس بالنسبة لها لا يعني أن تفرض قدسيته على الأقلية فرضاً وكرهاً. وما لدى الأقلية من إعتقاد لا ينبغي أن يسفه من الأغلبية بأي دعوى مهما كانت. وحدة المجتمع هي المقدسة. وإذا ما أخطأ أحد بحق هذه الوحدة أن يحاسب كائن من يكون. فوجود المجتمع متماسكاً أكبر وأهم من أي إسم أو أي مقام. ولا ينبغي التفريط بذلك. وعلى الخطاب الديني أن يكون جامعاً وموحداً لا مفرقاً. وعلى المتنورين من أبناء المجتمع كشف الغطاء عن مثل هؤلاء الدعاة وتعريتهم بكل جرأة ودونما أدنى خوف. فخطاب الكراهية والحقد ليس لهما قرار.

أحدث المقالات