23 ديسمبر، 2024 6:08 ص

خطاب الكاظمي “المهزوز”

خطاب الكاظمي “المهزوز”

بالطريقة ذاتها التي وقف فيها عادل عبد المهدي قبل عام مِن الان.. ظهر الكاظمي ليلة الـ25 من تشرين، بخطاب كانت بدايته محاولة لتبرير فشله بعدم تحقيق ماتعهد به خلال برنامجه الحكومي حينما تحدث عن فترة الحكومة بخمسة اشهر، ليستمر بكلمات الانشاء الذي قدمه ضمن خطابه معتمدا على طريقة السرد فقط مِن وجود النتائج.

اولا.. حاول الكاظمي تقديم نفسه وحكومته كممثل عن المتظاهرين او خيارهم، بالقول ان “الحَراكَ الاجتماعيَ العراقي، قد وضعَ خريطةَ طريقٍ أقرَّ بها الجميعُ، ونحن ماضون فيها وحسبَ مفرداتِها”، متجاهلا بانه خيار القوى السياسية وليس ساحات الاحتجاج، في حين وجد فرصة مناسبة خلال حديثه عن الانتخابات المبكرة ليؤكد وجود سلاح منفلت يحاول السيطرة عليه، لكن لم يحدد كيف ولمن يعود هذا السلاح.

ثانيا.. ذكر الكاظمي في خطابه شهداء الاحتجاجات والجرحى، متحدثا عن لجنة لتقصي الحقائق، لكنه لم يذكر تاريخه تاسيسها الذي كان قبل اسبوع مِن الان، (رغم مرور سنة على احداث تشرين).. ليحاول تبرير ذلك حينما تحدث عن “بعضِ المزايدينَ وأحياناً تحدياتُ المبتزينَ”، وهذه حجة استخدمها رؤساء الحكومات السابقة، لكن بمصطلحات مختلفة منها (البعض، الفقاعة، الطرف الثالث، المندسين).

ثالثا… قفز الكاظمي من الحديث عن شهداء وجرحى الاحتجاجات إلى الوضع الاقتصادي والحديث عن “الورقة البيضاء” وكيف تعمل حكومته على تحسين الاقتصاد، لكنه لم يذكر ازمة الرواتب ولماذا تاخرت الحكومة في توفيرها، وهل سنشهد ازمة مماثلة خلال الاشهر النقبلة؟، ليعود لممارسة سياسة “التجهيل” للمواطنين حينما اعلن عن “توفير حاجات البلد الاساسية”، التي لا نعلم ماهي خاصة مع غياب الحصة التموينية وارتفاع نسبة البطالة والغاء التعيينات، فاين هي حاجات البلد الاساسية؟.

رابعا.. تطرق رئيس الوزراء إلى مكافحة الفساد وتحدث عن وجود 30 ملف فساد، وبمقارنة بسيطة مع حديث مواقف رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي نجد بانه تحدث في حينها عن امتلاكه 40 ملف فساد، وهذا يجعلنا نتساءل اين ذهبت العشرة التي كانت موجودة في عهد عبد المهدي؟، ورغم ذلك فان الملفات التي تحدث عنها الكاظمي “بتجاوز نفوذ البعض والاعتبارات المكوناتية”، شملت اعتقال بعض المدراء الذي لا يشكلون اي نقطة امام حيتان الفساد، ومع هذا لم نشاهد محاكمة علنية او اجراءات لاسترداد الاموال، فالقضية لا تشكل سوى دعاية، قد تكون باتفاق الحيتان التي ترعى المدراء.

خامسا.. حاول الكاظمي في خطابه تقديم نفسه المنقذ حينما ذكر بانه “مثلِ هذا اليوم وقفَ العراقُ، وللأسف، على حافةِ حربٍ إقليميةٍ ودوليةْ، كادتْ أن تحدثَ على أرضهِ، وقد عملنا بهدوءٍ ودبلوماسيةٍ على جمعِ الدعمِ، لاستعادةِ وزنِ العراقِ وحجمهِ الدولي، وعدمِ السماحِ مجدداً بالانزلاقِ إلى الصراعِ نيابةً عن غيرِهِ أو الاعتداءِ على الغير”، لكنه لم يوضح كيف وقفنا على حافة تلك الحرب وماهي الاسباب، وكيف تمكن مِن تجاوزها، ومن هي الجهة الاقليمية التي ارادت جرنا لتلك الحرب؟، ولماذا اكتفى الكاظمي بالتلميحات فقط ولَم يتحدث بشكل صريح، رغم وجوده في حينها على رأس جهاز المخابرات الذي كان يتفرج على قتل المحتجين.

سادسا.. اكثر مايثير الغرابة في خطاب الكاظمي حديثه عن الاجهزة الامنية وهيبة الدولة وهو الذي “اساء” لتلك الاجهزة، حينما ارسل جهاز مكافحة الارهاب لقرية البوعيثة في منطقة الدورة لاعتقال عناصر مِن كتائب حزب الله، لتدخل بعدها الفصائل المسلحة للمنطقة الخضراء وتحاصره داخل منزله، لولا مكالمة نوري المالكي وهادي العامري، لتشهد في اليوم الثاني مسرحية كبيرة حينما افرج عن المعتقلين الذي احرقوا صور الكاظمي “جهارا نهارا”، ولَم يكتفي الكاظمي بذلك، انما وسع حجم تلك “الاساءة” حينما ارسل قوة مِن مكافحة الارهاب للناصرية لتحرير الناشط سجاد العراقي، لكنها عادت لبغداد بدون نتيجة بعد طردها مِن قبل عشيرة العساكرة، ورغم هذا فان سجاد مازال مختطفا حتى الان، هل هناك اكثر مِن هذه الاساءة، وفقدان هيبة الدولة؟.

سابعا.. حاول الكاظمي مرة اخرى ايجاد مبررات مناسبة لما قد يحصل في احتجاجات 25 تشرين، حينما دعا المتظاهرين للحيطة والحذر مِن “محاولاتِ من أصابهم الخبثُ وانعدامُ الوطنية، في سعيهم إلى إخراجِ التظاهراتِ عن سلميتِها، أو جرِّها إلى الصدامِ مع الأجهزة الأمنية، أو الإضرارِ بالأموالِ العامةِ والخاصة، في محاولةٍ لدفعِ هذه الأجهزة إلى الدفاعِ عن نفسِها وعن مؤسساتِ الدولة”، وهذه حجة قد يستخدمها الكاظمي لاحقا في حال قمع الاحتجاجات، مِن خلال الحديث عن وجود مِن “اصابهم الخبث”.

ثامنا.. اختتم الكاظمي خطابه بتوجيه حديث مباشر للفصائل المسلحة، حينما تحدث بان “لن نستسلمَ أبداً لأنصارِ اللادولةِ، من أتباعِ هذه الجهةِ أو تلك، أو المتضررينَ من هذه المرحلة، في محاولتِهم المستمرة، لتجريدِ التظاهرِ السلمي من جوهرِهِ، وزرعِ العابثينَ والانتهازيينَ والمجرمينَ ومثيري الفتن، في صفوفِه، بعد أن فشِلوا في اختطافِ الدولةِ عبرَ السلاحِ المنفلتِ، سيحاولونَ ذلك باستغلالِ صوتِ الناسِ ومظالمِهم، ليتطرق بعدها لمعارضه الذي رفض منح الثقة لحكومته (زعيم دولة القانون نوري المالكي.. مِن خلال حديثه، عن الذين “فشِلوا في قيادةِ البلدِ، ودفعوا به إلى حافّةِ التقسيمِ والحربِ الأهليةِ وداعش الإرهابي، وحولوه إلى ساحةِ صراعٍ إقليميّةٍ ودولية، ولم يحفظوا الدماءَ ولم يصونوا الأمانةَ، أولئك لن نسمحَ لهم باختراقِ صفوفِ مطالبِ شعبِنا، وزرعِ القطيعةِ من جديد بينَ الدولةِ والشعب”.

الخلاصة.. حاول الكاظمي في خطابه تقديم المبررات لفشل حكومته في قيادة المرحلة الحالية، كما استخدم الطريقة ذاتها في تحميل الاخرين مسؤولية فشله حينما تحدث عن “السلاح المنفلت والمبتزين والفاشلين في القيادة” وبدلا مِن معالجة اخطائهم، او تجاوزها يحاول جعلها شماعة او حجة يرد مِن خلالها على منتقدي حكومته، اخيرا.. خطاب ليلة 25 تشرين لا يختلف عن خطاب عبد المهدي، وقد يكون بداية النهاية.