أتابع بشكل مستمر خطاب وأحاديث السيد عمار الحكيم سواء كان في منتداه او في اللقاءات المرئية وأشهد له بأنه خلال متميز عما سبقه في مناحي عديدة استطاع أن يضفي لتكوينه السياسي خطاب وطني جامع ويخرج المجلس الأعلى من تكوينه الديني وخطابه الطائفي والدعوة لدولة مدنية كما استطاع أن ينحى بالدعوة الى تشكيل الإقليم الشيعي التي حسبت سابقا على المجلس جانبا ويخرجها من ماهية خطابه أو أسبقيتها وإن لم أكن مخطئا بالتنصل عنها كما استطاع أن يتخلص من مسئوليات ما ارتكبته ميليشيات بدر وتنظيماتها من مخاضات عنفية وتصفوية وبالنتيجة خروج هذا التنظيم وقياداته من المجلس الإسلامي وبراءته من سلوكياته وخطابات السيد هادي العامري ذات المغزى الطائفي والعنفي ، كما أن ممانعة المجلس عن المشاركة في الحكومة والاستمرار في مجلس الرئاسة واتفاقيات اربيل السرية الكارثية تسجل للسيد عمار الحكيم موقفا حكيما نابعا عن قراءة موضوعية وتنبؤية لما أحدثته هذه الاتفاقية من أزمات كارثية لاحقة فيما كان العزوف من المشاركة في الحكومة وانسحاب السيد عادل عبد المهدي من منصب نائب رئيس الجمهورية يشكل براءة واقعية عن كوارث السلطة التي ارتكبت والتي أثمرت عن سلطة وحكومة فاشلة بالأداء وغارقة في الفساد والاختراقات الدستورية وبالتالي تفرد السيد المالكي وحزبه في السلطة ومسكهما بالقرار التنفيذي والقضائي والأمني الذي لا يفخر بعواقبه كل من له عمق سياسي ناضج أو مسئولية وطنية .
كما استطاع السيد الحكيم خلال السنوات الأخيرة أن يكون صاحب خطاب توافقي مع المرجعية الدينية من جهة ومع منظومة الحكم القائمة في المنطقة عربيا وخليجيا وإقليميا وحتى خطاباته لقوى المعارضة السنية والسياسية وبضمنهم البعثيين والعروبيين والقوى العلمانية والليبراية كانت خطابات توافقية ومنفتحة لا تتحدث عن إقصاء أو اجتثاث . مع أن السيد الحكيم والمجلس الأعلى الذي يترأسه لم يستطع من خلال أداء كتلته في مجلس النواب ومواقفها في أزمات عديدة إبعاد انطباع السنة وقوى المعارضة من حقيقة رضوخ كتلة المجلس النيابية لضغوط إيرانية في مواقفها وإصطفافاتها مع الائتلاف الشيعي ودولة القانون مما يحبط الكثير في مصداقية التصريحات والسياسات المعلنة التي لا تتطابق مع واقع هذه القرارات .
دعوة السيد عمار الحكيم لمصالحة وطنية وانعقاد لقاء التوافق لعبور الأزمة السياسية الراهنة لم تنضج ولم تستثمر بل إنها أُجهضت بسبب موقف المالكي ودولة القانون التي وجدت في اختراقها لساسة المكون السني في العملية السياسية ولشخوص سنية خارجها كالصحوات الجديدة مخرجا لبقائه في السلطة تغنيه عن اي عملية مصالحة حقيقية تطيح به أو بنهجه السياسي والسيد الحكيم يدرك ذلك وله قناعاته الخاصة بان استمرار المالكي بالسلطة لفترة تطول او تقصر يشكل كارثة وطنية بسبب سياسات الإقصاء والتهميش وعدم التوازن والفساد والاقتتال الطائفي والعنفي وتحطيم ما تبقى من البنية الخدمية والتحتية ذات العلاقة بحياة المواطن وأمنه وكرامته .
في حديث القيادي في المجلس الإسلامي الأعلى السيد جلال الدين الصغير في برنامج (سحور سياسي) ليلة الجمعة في العاشر من رمضان الحالي على فضائية البغدادية أكد الصغير عن دوره القيادي الفاعل في القرار داخل المجلس ومشاركته المسئولية في القرار في الوقت الذي أفصح في الحديث عن مواقف تكاد تكون مغايرة لما اعلنه منها أن عملية إقالة السيد المالكي لم تكن صعبة المنال وكنا قادرين على ذلك وفق قوله ولكننا لم نكن جادين لأننا لا نملك البديل له من داخل الائتلاف أفضل منه ! بل تعدى ذلك بقوله :إن السيد عادل عب المهدي لديه منهج إصلاحي متكامل لإدارة الدولة ، وأن العراق ولاّد ترى ماذا يعني هذا التصريح ، ألا يعني جملة وتفصيلا مسئولية المجلس الأعلى عن استمرار كارثة السلطة بفسادها الذي تحدث عنه وبخرقها للإتفاقيات وبكارثية إتفاقية أربيل السرية وما أثمرت عنه ، وبقاء المالكي في السلطة لسنة أخرى تضمن له الإشراف على الانتخابات ومحاولته الالتفاف على تعديل قانون الانتخابات وعدم تعديله ، وهيمنته على القضاء ومحاولته التمديد لولاية ثالثة واستمرار الخرق الأمني واستمرار المليشيات وتفجيراتها ومجازر العنف الطائفية القائمة وما يحدث اليوم من اقتراب نحو الهاوية والنفق المظلم ، هل هذا الواقع المظلم كله لا يبرر إقالة المالكي وتكليف سياسي آخر بتشكيل حكومة جديدة لما تبقى من الفترة الزمنية لتلافي المزيد من الأزمات خصوصا بعد أن اسماها السيد الصغير بأنها حكومة أزمات وأن لدى البديل المحتمل السيد عادل عبد المهدي ملف متكامل للإصلاح المطلوب ؟ أليس الإصلاح المطلوب اليوم استحقاق وطني قبل غد وما ادراك ما يحمل الغد من طياته ؟ هل المراد ان يصل العراق الى نقطة اللا تغيير أو الإصلاح الممتنع ؟. تجاوز السيد الصغير في تصريحاته بالقول ان المجلس ليس في حل من تحالفه مع دولة القانون حتى وان تصرفت دولة القانون وكأنها في حل من تحالفها مع الآخرين وجاء هذا التصريح في إطار توزيع مناصب مجالس المحافظات وتعيين مرشح المجلس لأمانة بغداد . التصريح عن مثل هذه المواقف ان كانت تمثل حقيقة منهجية وسياسة المجلس الأعلى في عراق اليوم المنكوب بالأزمات والفشل،لا يعف المجلس من مسئولية المشاركة والقبول بالواقع ومثل هذه التصريحات المتناقضة في مقابلات فضائية لا تخدم ما سبق ان تكلمت عنه حول موضوعية خطاب السيد عمار الحكيم والذي يؤكد كارثية إستمرار المالكي وأهمية تنحيته عن الحكومة القائمة وفسادها المعيب الفاضح .