20 ديسمبر، 2024 7:46 ص

خطابات مفتوحة للبرلمان الجديد(6)

خطابات مفتوحة للبرلمان الجديد(6)

معوقات التغيير
المؤسسات الدينية
لا شك بأن دخول السياسة الى الجامع خطأ استراتيجي كبير كون السياسة لا تتوضأ وكونها كما قال شاعرنا النواب (عهر فدول) ، فكيف اذا جاء الجامع ودخل ميدان العهر ونزل من موقعه السامي والمقدس وتخلى عن واجباته المقدسة ايضا في ارشاد وتوجيه المجتمع.
لقد كانت صيحة اليزابيث الانطلاقة الاولى لبناء اوروبا الحديثة ((انك لا يمكن ان تخلص لسيدين))وقصدت ان المواطن لا يمكن ان يخلص لرجل الدولة ورجل الدين وان هناك مرجعية سياسية واحدة هي الدولة والتي تقود اهلها بكل مللهم ونحلهم وليس رجل الدين الذي هو بالضرورة ينتمي لملة من الملل ودين من الاديان .
لقد كانت نتيجة تلك الصيحة ان بريطانيا اصبحت بريطانيا العظمى وتبعتها باقي اوروبا التي حققت الاتحاد الاوروبي الذي وحد حتى عملته رغم ان بين دوله 60 مليون ضحية دفاعا عن الحدود بينهم ورغم ان فيهم 66 دين وقومية ومذهب ولو بقي  الفاتيكان يفرض سيطرته كما كان قبل تلك الصيحة لكانوا اعطوا 60 مليون ضحية اخرى .
نعود الى العراق الذي حطمه الدين السياسي وليس غيره لنجد أن واقع الامر يقول ان السنة الذين تبلغ نسبتهم اكثر من نصف المجتمع العراقي عربا وكردا وتركمانا لا مرجعية دينية لهم بل هناك رموز دينية يحترمهم البعض من السنة الا انهم بلا فتاوى مطاعة في الغالب ولا تجب على السني دفع الخمس لهم وهذا هو وضعهم في كل العالم الاسلامي. وهذا يعني ان المرجعية الشيعية تمثل اقل من نصف المجتمع بعد اخراج السنة والاديان الاخرى والمنطق يقول انها اذا (المرجعية) لا تمثل حتى الاغلبية البسيطة من المجتمع ولا يعقل انها يمكن ان تفرض فتاواها على عموم المجتمع العراقي من خلال فرضها على الحكومة او البرلمان ، وقد يقول قائل ان الحكومة والبرلمان هما شيعيتان بالاكثرية وهذا غير صحيح لأن المرجعية الموقرة بنت اساسها على المذهب ويبقى الكردي سني المذهب وغير منتمي الى المرجعية الشيعية الرشيدة
هذا الموضوع هو موضوع مبدأ اساسي في الانتماء ولا علاقة له بصحة مسار المرجعية من عدمه ، فتدخل المرجعية في السياسة قد يكون سليما ولعل من يطلع على جهود سماحة السيد السيستاني في قانون ادارة الدولة العراقية والدستور يجدها كلها سليمة اما موقفها الاخير في تخليص العراق من كارثة اسمها المالكي فلن ينساها العراقيون ابدا ، ولكن المسألة مسألة مبدأ عدم تدخل الدين في السياسة، وهو مبدأ عصري سائد جاء نتيجة لمعاناة شعوب العالم من الدين السياسي وهو منطقي لاسباب كثيرة منها ان المرجعية الدينية _ اية مرجعية_ اذا اخذت على عاتقها تصحيح مسار اية عملية سياسية ، فمن يصحح مسارها هي اذا اخطأت خصوصا وأن الذي يقودها ليس بمعصوم …بل من يجرؤ على نقدها او تقويمها ، فضلا عن ان المرجع مهما علا شأنه فأن له رؤية خاصة تنتهي برحيله لتأتي رؤية جديدة ينبغي ان تسير الدولة عليها وهكذا تمتزج رؤى المرجع برؤى رئيس الوزراء خصوصا وأن لكل منهما كلمته الاسبوعية
الدولة ايها الاخوة لكي تكون دولة لا ينبغي لها ان تكون اسلامية او مسيحية ولا سنية او شيعية فلو وجد مسيحي واحد في العراق تكون مهمتها ايصال الماء والكهرباء وغيرها للكنيسة بنفس الحماس الذي تقدم فيه الخدمات للجامع والحسينية وبنفس الحماس الذي تقدم فيه الخدمات للشارع الذي يظم اماكن لبيع الخمور، وهذا ما لا ترضى به المرجعية الدينية الاسلامية لأنها ترى الخمر رجسا من عمل الشيطان وعلى المسيحي اجتنابه رغم ان الانجيل المقدس لم يحرمه بل قال ((قليل منه يفيد القلب))
الدولة لها حدودها وهي حدود الوطن والدين لا حدود له وهو عابر للاوطان والقوميات والقارات ،واذا تدخل في السياسة فأنه قد يجعل للسني العراقي رمزا دينيا من السعودية او مصر وللشيعي رمزا من ايران فقد تعولمت مذاهب الاسلام كما نعلم وأصبح هناك نائب فارسي للامام المهدي ع وهذا يعني فيما يعنوه ان حتى مرجعية النجف تتصل به وكذلك العالم الاسلامي برمته وهذا ما لم يحصل ولله الحمد ولكن تبقى الاديان تجعل الانسان يسرح بفكره لرموز ليسوا من الوطن وفي هذا اضعاف للوطنية التي لا نحتاج شيئا كما نحتاجها اليوم.
وأخيرا فأن الديمقراطية مذهب ولها مؤسساتها وسياقاتها ودساتيرها وأن ممارستها تتطلب مشاركة الشعب فأذا رأى الشعب ان كل تلك السياقات تنتهي بفتوى من لدن مرجع ديني فأنه سيلعن كل تلك السياقات غير المجدية والمكلفة في الوقت نفسه.
 
عليه ينبغي ان تعملوا على ابقاء المرجعية الدينية في جلالها وقدسيتها وطهارتها خارج مستنقعكم مستنقع السياسة الملوث

أحدث المقالات

أحدث المقالات