22 ديسمبر، 2024 7:45 م

خطاء لغوي يؤدي الى فوضى النظام القضائي

خطاء لغوي يؤدي الى فوضى النظام القضائي

اصدر مجلس القضاء الاعلى بيانا بخصوص اعداد مسودة الموازنة الاتحادية للسلطة القضائية وطالب المجلس في هذا البيان حصر الاختصاص بوضع مشروع موازنة السلطة القضائية بجميع مكوناتها بمجلس القضاء الأعلى وندعو السلطة التشريعية المتمثلة بمجلس النواب الموقر إلى ملاحظة ذلك عند إقرار مشروع الموازنة العامة وتطبيق النصوص الدستورية النافذة . ويعيد هذا البيان الى الساحة الخلاف بين مجلس القضاء الاعلى وبين رئاسة المحكمة الاتحادية العليا حيث عد بيان المجلس ان قرار المحكمة الاتحادية بإلغاء المادة (3/ثانياً) من قانون مجلس القضاء الأعلى رقم (45) لسنة 2017 باطلاً استناداً إلى القاعدة الدستورية. وحيث ان الدستور اعتبر ان مكونات السلطة القضائية الاتحادية من مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية ومحكمة التمييز الاتحادية وجهاز الادعاء العام وهيئة الإشراف القضائي والمحاكم الاتحادية الأخرى التي تنظم وفقاً للقانون ونصت المادة (90) من الدستور على أن يتولى مجلس القضاء الأعلى إدارة شؤون الهيئات القضائية كما نصت المادة (91/ثالثاً) منه على أن يمارس مجلس القضاء الأعلى صلاحية اقتراح مشروع الموازنة السنوية للسلطة القضائية الاتحادية وعرضها على مجلس النواب للموافقة عليها . واعتبر البيان ان قصد المشرع في ذكر عبارة (مشروع الموازنة السنوية للسلطة القضائية) بمعنى موازنة جميع مكونات السلطة القضائية المنصوص عليها في المادة (89) من الدستوربدليل ان المشرع عند تشريع قانون مجلس القضاء الأعلى رقم (45) لسنة 2017 النص في المادة (3) منه على نفس صلاحيات مجلس القضاء الأعلى المنصوص عليها في المادة (91) من الدستور ومنها النص في المادة (3/ثانياً) على اقتراح مشروع الموازنة السنوية للسلطة القضائية الاتحادية وعرضها على مجلس النواب للموافقة عليها وهذا النص رغم انه يطابق تماماً نص المادة (91/ثالثاً) من الدستور إلا أن المحكمة الاتحادية أصدرت قرارين الأول بالعدد (19 /2017) في 11 /4 /2017 والثاني بالعدد (136 /137 /2017) في 5 /2 /2018 ألغت بموجبها نص المادة (3/ثانياً) من قانون مجلس القضاء الأعلى رقم (45) لسنة 2017 النافذ بتأريخ 23 /1 /2017 مما يعني عملياً تعطيل النص الدستوري المتمثل بالمادة (91/ثالثاً) أي ان المحكمة الاتحادية عدلت الدستور بتعطيل العمل بأحد نصوصه حسب ما ورد في البيان واعتبركذلك ان المحكمة الاتحادية خالفت نص المادة (126/أولاً وثالثاً) من الدستور التي رسمت آلية تعديل ان استمرار .
هذا الخلاف بين مجلس القضاء الاعلى وبين رئاسة المحكمة الاتحادية العليا سيؤودي الى اللقاء ضلال ثقيلة من الفوضى على عمل السلطة القضائية في العراق بل ان ضلال الفوضى ستطال كافة مرافق الدولة ومنها تعطيل تقديم الموازنة الاتحادية لحين حسم النزاع حول من يملك صلاحية اقتراح مسودة الموازنة الخاصة بالسلطة القضائية الاتحادية ويمكن ان تمتد تأثيراته الى تحديد موعد الانتخابات القادمة التي ينتظرها الجميع . فما سبب هذه الفوضى وماهي جذور هذا الخلاف ؟
ان من المؤلم القول ان جذور المشكلة تعود الى خطاء لغوي في ترجمة كلمة واحدة في الامر رقم 35 لسنة 2003 الصادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة ولنعرف القصة نرجع الى البداية .
بتاريخ 18-09-2003 اصدرت سلطة الائتلاف الموقته وفقاً لصلاحيتي كمدير اداري لسلطة الائتلاف المؤقتة , وانسجاماً مع قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة , بما فيها القرار 1483 (2003) الامر رقم 35 اعادة بموجبه تشكيل (council of Judges ) التي تعني (مجلس القضاة ) والذي تمت ترجمتها خطاء الى (مجلس القضاء ) وقد نص القسم الثاني من الامر على عضوية المجلس والتي تتكون من :
يقدم المسؤولون الذين يشغلون المناصب التالية خدماتهم للمجلس بصفتهم اعضاء فيه :
رئيس محكمة التمييز(رئيس المجلس)
نواب رئيس محكمة التمييز
المدير العام لمجلس شورى الدولة
المدير العام لجهاز الادعاء العام
المدير العام لجهاز الاشراف القانوني
مدير عام الادارة , اذا كان من يشغل هذا المنصب قاضياً او مدعي عام .
رؤساء محاكم الاستئناف
يكون للمجلس أمين عام يختاره رئيس المجلس . ويؤدي الأمين العام وظائف ادارية للمجلس , يضطلع بها هو والموظفين الاضافيين الذين يعتبرهم كل من المجلس ووزارة المالية مناسبين لتأدية تلك المهام والوظائف .
يكون رئيس محكمة التمييز رئيساً للمجلس . ويقوم المجلس باختيار نائب رئيس المجلس من بين نواب رئيس محكمة التمييز .
كانت هذه الترجمة التي نشرت عن الامر الذي صدر باللغة الانكليزية ولكن لو عدنا الى النص الانكليزي وهو النص الذي يعتد به في حالة تضارب النص الانكليزي والنص العربي نجد ان القسم الثاني من الامر رقم 35 لسنة 2003 تنص على مايلي :
1) The following officials shall serve as members of the Council:
Chief Justice of the Supreme Court (President of the Council)
The Deputy Chief Justices of the Supreme Court
Director-General of the State Council Assembly
Director-General, Office of Public Prosecution
Director-General, Legal Supervision Office
Director-General, Administration, if such person is a Judge or Prosecutor
Presidents of the Appellate Courts
2)The Council shall also have a Secretary-General, who shall be selected by the President of the Council. The Secretary-General shall perform administrative functions for the Council, together with such additional employees as the Council and the Ministry of Finance may deem appropriate.
3) The President of the Council shall be the Chief Justice of the Supreme Court. The Vice President of the Council shall be selected by the Council from the Deputy Chief Justices of the Supreme Court.
لو قارنا النصين العربي والانكليزي نجد ان النص العربي يتحدث عن ( رئيس محكمة التمييز ) و (نواب رئيس محكمة التمييز ) في حين ان النص الانكليزي لا يأتي باي ذكر لمحكمة التمييز بل يتحدث عن (the Chief Justice of the Supreme Court ) والتي تعني باللغة العربية ( رئيس المحكمة العليا ) لان ترجمة محكمة التمييز باللغة الانكليزية هي (Court of Cassation ) ولا تعني (Supreme Court) . اذن لماذا حصل هذا الخطاء ؟ السبب للاسف ان المترجم لم يكن قانوني فبحث عن اعلى محكمة في العراق في حينها فلم يجد سوى (محكمة التمييز ) فوضعها بدلا من (المحكمة العليا ) لانه لم يكن هناك في العراق (محكمة عليا ) وبهذا نشاء لدينا نصين مختلفين في المعنى وحيث ان النص الانكليزي له العلوية على النص العربي في اوامر سلطة الائتلاف المؤقته .
في عام 2004 صدر قانون إدارة الدولة العراقية المؤقت حيث تم تخصيص الباب السادس من القانون للسلطة القضائية الاتحادية ونصت المادة الرابعة والأربعون على ( أ) يجري تشكيل محكمة في العراق بقانون وتسمى المحكمة الاتحادية العليا.) كما نصت المادة المادة الخامسة والأربعون ( يتم إنشاء مجلس أعلى للقضاء ويتولى دور مجلس القضاة. يشرف المجلس الأعلى للقضاء على القضاء الاتحادي ويدير ميزانية المجلس. يتشكل هذا المجلس من رئيس المحكمة الاتحادية العليا، ونواب محكمة التمييز الاتحادية، ورؤساء محاكم الاستئناف الاتحادية، ورئيس كل محكمة إقليمية للتمييز ونائبيه. يترأس رئيس المحكمة الاتحادية العليا المجلس الأعلى للقضاء وفي حال غيابه يترأس المجلس رئيس محكمة التمييز الاتحادية.) واستنادا الى هذا القانون تم اصدار قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30) لسنة 2005 والذي اعتبرت المادة (2) منه (المحكمة الاتحادية العليا مستقلة مالياً وادارياً ) . وبتاريخ 01/01/2005 تم اصدار النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا وتم نشره في الوقائع العراقية في العدد : 3997 تاريخ العدد 02/5/2005 . وهكذا اصبح رئيس المحكمة الاتحادية العليا ورئيس مجلس القضاء الاعلى هو شخص واحد ، والذي هو في نفس الوقت رئيس محكمة التمييز الاتحادية . ونظرا لهذه المصادفة لم يبرز اي اعتراض او تضارب داخل السلطة القضائية الاتحادية .
في عام 2005 صدر الدستور العراقي الدائم والذي نص في المادة (89) على مايلي (تتكون السلطة القضائية الاتحادية، من مجلس القضاء الأعلى، والمحكمة الاتحادية العليا، ومحكمة التمييز الاتحادية، وجهاز الادعاء العام، وهيئة الإشراف القضائي، والمحاكم الاتحادية الأخرى التي تنظم وفقاً للقانون). وبموجب المادة 90 من الدستور اصبح مجلس القضاء الأعلى مسؤولا عن إدارة شؤون (الهيئات القضائية) . ولكن المادة (92) اكدت على ان المحكمة الاتحادية العليا هيئةٌ قضائيةٌ مستقلة مالياً وإدارياً. كما ان المادة (94) من الدستور وضعت مبداء مهم وخطير جدا وهو ان (قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتّة وملزمة للسلطات كافة). وحيث انه في ذلك الوقت كان رئيس المحكمة الاتحادية العليا ومحكمة التمييز هو شخص واحد فلم يظهر اي خلاف واستمر الحال على ماهو عليه لغاية عام 2016 حيث تم اختيار رئيس جديد لمحكمة التمييز الاتحادية وفي عام 2017 صدر قانون مجلس القضاء الاعلى رقم 45 واصبح المجلس مكون من :
رئيس محكمة التمييز الاتحادية – رئيسا
نواب رئيس محكمة التمييز الاتحادية
رئيس الادعاء العام
رئيس هيئة الاشراف القضائي
رؤساء محاكم الاستئناف الاتحادية
رؤساء مجالس القضاء في الاقاليم
ثانيا : يحل اقدم اعضاء المجلس , محل الرئيس عند غيابه لاي سبب كان
وتم الغاء امر سلطة الائتلاف المؤقتة ( المنحلة ) رقم (35) لسنة 2003. واصبحت المحكمة الاتحادية العليا غير ممثلة بالمجلس . هنا ظهرت حالة من عدم الوضوح تتركز على من له الحق في ترشيح اعضاء المحكمة الاتحادية العليا ؟ خصوصا ان الدستور في المادة المادة (92) لم يحدد الجهة المختصة بالترشيح وتركها الى (بقانونٍ يُسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب.) ، خصوصا بعد ان الغت المحكمة الاتحادية العليا المادة (3) من القانون رقم 30 لسنة 2005 بموجب قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم 28/اتحادية/2019 الصادر في 21/5/2019 . ثانيا هنا يجب ان يتم تحديد معنى (الهيئات القضائية ) التي وردت في نص المادة 90 من الدستور ؟ وهل تعتبر المحكمة الاتحادية العليا احدى تلك الهيئات ؟
هنا يجب ان نضع في الاعتبار ان المحاكم العليا في العالم لايمكن ان تكون خاضعة لمجلس القضاء الذي يمثل السلطة القضائية لانها هي المحكمة التي تفصل في النزاعات بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية فلا يمكن ان تنظر في اي نزاع بين اي من تلك السلطات واللطة القضائية اذا كانت هي جزء من تلك السلطة . كما يجب ان نتذكر ان الدستور قد وضع مبدأء اساسيا هو ان (قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتّة وملزمة للسلطات كافة) فلايمكن لاي جهة او شخص او سلطة الطعن في تلك القرارات ولا حتى الطعن بان قراراتها تخالف الدستور . اي ان قراراتها نافذة حتى لو اعتقد البعض انها تخالف الدستور .