تلعب القيادة السياسية لاى دولة دورا كبيرا فى التخطيط الكلى للدولة والمجتمع, انها تحدد الاتجاة والمسارات ثم يأتى دور ووظيفة اللجان المتخصصة لتضع هذة الافكار والاتجاهات الى خطط تفصيلية ومشاريع, هذا يعنى ان السياسة, السياسيون والقادة, الاحزاب والتكتلات السياسية لهم اهمية خاصة ودور فعال فى رسم مسيرة التطور, فقد ذكر احد كبار المنظرين فى اطار المهمات والاولويات, “السياسة اولا”, ان نوعية النخبة الحاكمة, اصول الاجتماعية/ الاقتصادية ثقافتها وتحصيلها العلمى ووعيها يطبع الشعب ومسيرته. فى هذا الاطار, نذكر موقف ورجاحة شخصية وتفكير ومبدئية الجنرال ديغول بعد تولية رئاسة الحكومة المؤقتة فى 1944- 1945 اخذ بمبدأ الاقتصاد المركزى المخطط الذى نجح فى فترة قصيرة على انجاز و تنفيذ مشاريع البنى التحتية التى قد تدهورت اوضاعها نتيجة للاحتلال وسنين الحرب, كما اكد على التنمية الاقتصادىة وهيكلة الاقتصاد الفرنسى وفتح مجالات العمل للقوى العاملة التى فقدت اماكن عملهابسبب الاحتلال. ان طموح الجنرال ديغول ان يكون لفرنسا دورا فاعلا فى السياسة الدولية, ودولة قوية اقتصاديا تقوم على صناعات تكنولوجية متطورة ومعاصره, اعطى هذه المهمه لاحد كبار الاقتصاديين الفرنسيين وقدم له كل الدعم وعدم التدخل والاستقلاية فى العمل, وتبلورة عنه لجنة من كبار الاقتصاديين والصناعيين التى رفعت خططها وتصوراتها لفرنسا المستقبل التى تضمت السكك الحديدية والقطارات السريعة التى تعمل بالكهرباء , والصناعات العسكرية وخاصة طائرات الميراج والكونكرد وصناعة السيارات. مازالت هذه الصناعات المتقدمة تكنولوجيا قدرتها على المنافسة فى السوق العالمية. ان الجنرال ديغول, ابن فرنسا البار والذى ويحيى فى خطاباته ” تحيا فرنسا والامة العظيمة” لم يدخل فى نقاشات ليس له علما وافرا بها فهو رجل عسكرى والاقتصاد والتنمية لها المختصيين بها. من جانب اخر فقد فكر بروح التعاون والتسامح بالتعاون مع المانيا الغربية وعمل بفكرة وزير خارجيته (شومان) فى تكوين “اتحاد الفحم والفولاذ” الذى مع الزمن والتعاون تطور عنه “الاتحاد الاوربى” الذى يشكل اليوم احد مراكز القوى العالمىة اقتصاديا وتكنولوجيا وعسكريا بدوره قد والذى قد خطط مع اديناور تكوين “اتحاد الفحم والحديد” فى عام 1952 الذى شكل اللبنة الاولية والاساسية للاتحاد الاوربى المعاصر, هذه الافكار تمثل الخطط المستقبلية لاوربا كقوة لها شأن تجاه التطور والسبق الامريكى.
انها احلام اليقضة ان نتصور شخصية, او شخصيات عراقية, احزاب وتكتلات يحملون حسا وطنيا وفكرا نيرا وتواضعا فى الخبرة والكفاءة مثل الجنرال ديغول فى حرصة على فرنسا ومستقبلها. ان النخب السياسية التى استلمت القرار جاءت فى غفلة من الزمن, ليس لها تاريخ ولا جغرافية, ناهيك عن الخبرة والكفاءة, كانت السياسة العشوائية التى ساروا عليها منذ 2003 فاشلة وعبثية فى كل الاحوال, حتى لو فرضنا انها قد امليت عليهم, لم تكن النتيجة بعد 14 عاما وتوفر موارد مالية هائلة لم يسبق دخولها للعراق, لم يتم خلال هذه السنين بناء مدرسة حديثة, مستشفى, شوارع جديدة, والكهرباء وما ادراك ما الكهرباء مازال عقبة كبيرة للتطور الاقتصادى والاجتماعى والهموم اليومية للسكان, ان المليارات التى صرفت على الكهرباء يمكن بها تمويل كهربة عموم العراق وتطوير صناعات كهربائية. لا حاجة لذكر وتعداد اوضاع بقية القطاعات الاساسية, فاننا قد خسرنا الزراعة والصناعة واصبحنا نستورد ماء الشرب والتمور والخضراوات…الخ, لقد تخلفنا حتى عن المستوى الذى كنا نعيش فيه قبل 2003 , بعد حربين مدمرتين وحصار عدوانى استمر ثلاثة عشر سنة واستلام السلطة من قبل نخب المحاصصة الطائفية والقومية, شيعة وسنة واكراد, ولا عجب فى ذلك حيث الفساد المالى والادارى قد استوطن فى جميع مرافق الدولة واصبح واقعا اليما كارثيا يهدد كيان المجتمع وسيادة الدولة.
لقد اخذت وتيرة الكلام والتصريحات التى تصدر عن نخب المحاصصة تتصاعد’ فى الاشهر الاخيرة, خاصة فى موضوع خصخصة “جباية اجور الكهرباء” التى قد طبخت ببطىء, واعلنت لاحقا كـ “استثمار”. الا ان موضوع الخصخصة ليس من اجتهاد هذه النخبة بقدر ما هى مكلفة بتنفيذها, انها املاءات السياسة الامريكية والبنك وصندوق النقد الدولى ومنظمة التجارة العالمية, وتشكل جولات “تراخيص النفط” التى عقدت مع الشركات المتعددة الجنسية والفارس المغوار (, حتى اننا لا نعلم كثيرا عن تفاصيل هذه الاتفاقيات والتى كما يؤكد الاقتصاديون ان تمثل خسارة بمليارات الدولارات سنويا للعراق. من ناحية اخرى فان العمل بنظام “اقتصاد السوق” وتعميم اسلوب الانتاج الرأسمالى تمثل مبدأ اساسى للاقتصاد الامريكى. لقد التزم العراق فى عام 2004 فى مؤتمر باريس حول الاخذ ا بالنهج الرأسمالى فى العراق. هذا بالاضافىة الى خصخصة قطاع الاتصالات فى عام 2004 التى تمت بسرعة خاطفة واعلنت كانتصار للحكومة على حصولها على اسعار عالية, على الرغم انها كانت صفقات محاصصة وكومتشنات ورشاوى. عدا ذلك فقد كان ملزما التفكير بتطوير قطاع الاتصالات الحكومى وتغطية تكاليف تجهز العاملين بالدولة بالهواتف المحمولة. ان خصخصة قطاع الاتصالات يعتبر من الجرائم الاقتصادية والاجتماعية التى اقترفتها نخبة المحاصصة, خاصة وجود هذا المشروع عام 2003 وتم انجاز بعض مراحله. لقد تم تجاوزها وبذلك قداوصدت الابواب امام تطور صناعات واتصالات من قبل الدولة, هذا بالاضافة الى ان الرقابة الحكومية وجباية الضرائب تكاد ان تكون معدومة على شركات الاتصالات لان هذه الشركات ترجع ملكيتها الى احزاب المحاصصة وفرسانها. ان الفكر المغلق المحدود لايفكر بخطورة سيطرة شركات اهلية على قطاع الاتصالات, فقد هددت حكومة اقليم كردستان بعد الاستفتاء واحداث كركوك بالتأثير وحتى قطع الانترنت عن بغداد.
ان المثير للاهتمام ان القطاع العام يشمل مؤسسات انتاجية وخدمية ومع وجود فكرة مبدئية لدىالحكومة نحو الخصخصة الا انه لا يوجد تصور متكامل وواضح حول ضرورات الخصخصة واسلوب العمل الذى سوف تتم فية والفترات الزمنية التى يتم الانجاز فيها, ولكن تصريحات المسؤلين كثيرة ومضطربة ومتناقضة حول الاسباب والضرورات لهذا التحول, فالبعض يؤكد على ان هذة المنشاءات تعمل بخسارة وتكلف الدولة الملايين, بالاضافة الى تضم اعداد كبيرة من العمال والموظفين, بالاضافة الى الفضائيين مما يؤدى الى انخفاض فى الانتاجية, التى هى منخفضة اصلا, وليس اخيرا ان عددا من المنشاءات الانتاجية قد تجاوزت عمرها الزمنى ويشكل تحديثها تكاليف عالية جدا وهذا ما لا تستطيع الحكومة الاستمرار عليه. الا ان الواقع يشير بوضوح الى ان الحكومة غير قادرة على تخطيط وتصميم والقيام بمشروع اصلاح الواقع الاقتصادى والانسانى للقطاع العام, ولذلك تراها تتخبط فى تصورات من هنا وهناك لا تعتمد على دراسة ومتابعة ذاتية لهذه المنشاءات كى تستطيع فعلا ايجاد الحلول المناسبة لها, وفى حقيقة الامر ان كل منشاة انتجية او خدمية تحتاج الى افكار وخطة تتناسب مع تخصصها وواقعها الاقتصادى والاجتماعى. ان النخبة الحاكمة تتصور الخصخصة حلا لقضايا صعبة معقدة, ان يستلمها القطاع الخاص, باى صيغة من الصيغ, ولكى يرفع عنها المسؤلية الادارية والمالية والرقابية. انهم فى اطار هذا التصور صادقين فى وعيهم المنحرف, انهم ليس رجال سياسة وبناة دولة ويتحملوا المسؤلية, وانما شلة وعصابة طائفية وقومية فى مسيرة ثابة نحو تدمير العراق كدولة والقضاء على مستقبل الشعب من اجل تحقيق مصالحهم الشخصية.
ان التجارب الناجحة لخصخصة عالميا محدودة جدا ولم تكن فى وضع احتكارى لنشاط اقتصادى فى الدولة وانما مكملة له. ان الخضخصة التى فرضها البنك الدولى وصندوق النقد الدولى على دول العالم الثالث لمنحها قروض “ميسرة” كانت من اهم شروطها انهاء وجود اقطاع العام وخصخصته ورفض اى دعم للقطاعات الشعبية بسلة البضائع التى تقدمها الدولة بالاضافة الى رفع اسعار المواد الغذائية الاساسية, وهذا لا يقبل الشك بانه لا يتلائم مع مصالح تلك الدول وشعوبها, وقد اثبت التجارب وحذر العديد مع العلماء والخبراء الاقتصاديين من املاءات هذم المؤسسات العالمية, التى قادت بالفعل الى افقار البلد ووضعته فى شباك المديونية وتنامى عد الفقراء وتردى المستوى المعيشى وصعدت الى الحكم نخبة فاسدة من اللصوص والاغنياء.
فى الدول الغربية المتطورة, المانيا وبريطانيا, حصلت فيها خصخصة بعض المشاريع, الا انهابعد بضعة سنين تم اعادتها الى قطاع الدولة او الولاية ثانية. لقد تم فى عدد من المدن الالمانية مثل هامبورك, غلسينكرشن برلين..الخ خصخصة مشاريع تجهيز الماء والكهرباء وكانت النتائج مخيبة لللامال, فقد ارتفعت الاسعار وتردت النوعية, كما تم خصخصة قطاع البريد والتليفون وترك قطاع السكن للقطاع الخاص الذى ادى الى ارتفاع اسعار الايجارات وغلاء كبير للوحدات السكنية حيث تتصاعد شكاوى محدودى الدخل ومطالبة الحكومة بالرجوع الى مشاريع الدولة فى السكن الاجتماعى. فى المملكة المتحدة قام حزب المحافظين بخصخة قطاع النقل الا”تيوب” الا ان حزب العمال اعاد ملكيته للدولة ثانية لتصاعد احتجاجات السكان, من استمرار عدم الالتزام بالاوقات المحددة للحركة وقلة الاهتمام بالنظافة والرقابة. ان الاتحاد الاوربى فرض على اليونان خصخصة بعض قطاعاته الاساسية الانتاجية والخدمية للموافقة على منحه قروض لاستمرار تأهيله فى الاتحاد الاوربى, وتم بيع ميناء سالونيكى, اكبر ميناء فى اليونان الى مستثمرين صينيين. ترى هل توجد سيادة لليونان على هذا الميناء المهم وهل توجد سيادة للعراق على حقولة النفطية المرهونة للبنك الدولى وصندوق النقد الدولى الى ابد غير مسمى!!
ان المحال الفسيح الذى فتح للقطاع الخاص فى حقل التعليم” التعليم الخاص” فى جميع المراحل انهى مرحلة مهمه من تعهد الدولة بتوفيرالتعليم والعلم والمعرفة لجميع قطاعات الشعب, والان اصبح التعليم , حتى فى المرحلة الابتدائية بالاجور, ومحصورا بالذين يستطيعون الدفع وتحمل هذه التكاليف, ولكن هل يهم فرسان المحاصصة التردى الذى حصل فى مستوى قطاع التعليم الاولى والتعليم العالى حيث الحاجة الى الالاف المدارس الجديدة والمعلمين والمدرسين, كما ان خلال سنين محدودة اجيزت حوالى 100 كلية وجامعة اهلية ترجع ملكيتها الى رجالات وقيادات الاسلام السياسى واحزابها!! ويعتبر الاستثمار فى هذا القطاع استثماار واعد,على ان مستوى الجامعة العراقية قد وصل الى الحضيض وخريجى الكليات الاهلية, دون ان نتجاوز على احد, انهم غالبا اشباه الاميين.
ان النخبة الحاكمة ليس لها مبدئيا الرغبة فى شراء المنشأءات الانتاجية والخدمية , لان هذه المشاريع تحتاج الى فترة طويلة واستمرارية فى التطوير والادارة والاستثمار حتى تكون مؤهلة جاهزة فى المنافسة وجنى الارباح, وربما سوف يتم شراء احد المؤسسات القريبة من بغداد او المدن الرئيسية, ليس لاعادتها الى الخدمة والانتاج وانماالاستفادة من الاراضى الشاسعة الى تحولت بحكم السنين الى اراضى سكنية, اوانها تتحول الى سكنية بقرار خاص. ان مشاريع انتاجية فى منطقة الوزيرية وتشغل مساحات واسعة, وكذلك معمل الصناعات الجلدية فى العرصات/ بغداد سوف تشتريها النخبة بسعر التراب, ان التفكير بالارباح التى يمكن الحصول عليها عندما تباع كأراضى سكنية يسيل لها اللعاب وتفوق فى شدتها اعظم الشهوات والغرائز.
فى مصر العربية, عندما وصل التهافت والابتذال فى عهد الرئيس حسنى مبارك قد تم خصخصة عددا كبيرا من مشاريع القطاع العام وقامت بشرائها النافذين والمسؤلية فى الدولة والحكومة, بالاضافة الى الوحوش والتماسيح من اصحاب الملاين الذين ترعرعوا فى حضن النظام. وفعلا فان هذه المشاريع لم تعاد الى الدورة الاقتصادية وانما تحولت الى اراضى سكنية عرضت للبيع والاستثمار.
ان متابعة مسيرة مايسمى بالقوى الثورية التى صعدت الى الحكم بالانقلابات العسكرية فى اوطاننا العربية تشير الى ميلا تنازلى فى المشروع الوطنى وتصاعد فى وتيرة العمالة والفساد وتقويض الدولة والمجتمع. ان الخصخصة التى سوف تقوم بها نخبة المحاصصة العراقية لا يمكن ان تكون فى صالحة لتطوير المجتمع وبناء الدولة وهى بذلك مرفوضة مبدئيا.