فصل حاريصاحبه قطع غير ممنهج، بل عشوائي للكهرباء، هكذا هو حال الصيف في كل سنة في العراق، ولعله بدأ مبكراً هذا العام، وعلى المواطن أن يستخدم البدائل التي أصبحت أساسية في حياته، ولايستغني عنها مهما علا سقف الأمنيات بوعود وزارة الكهرباء، فيما تبدو النصائح والتوصيات التي تسديها الوزارة مستفزة حين تدعو الشعب الى ترشيد الإستهلاك من جهة، والى دفع قسائم الإجور المرتفعة للكهرباء التي تأتي ساعة مذبذة ومتقطعة، وتغيب ساعات، والأغرب من ذلك أنها تلوح بالقطع عن المتخلفين عن الدفع، لكن أين هي الكهرباء ياوزارة الكهرباء، ولماذا يدفع المشترك مبالغ كبيرة عن كهرباء لم تصله؟.. غير أن تساؤلاً من هذا النوع لاجواب له، ويبقى المواطن بين الدفع أو أن يرفعوا عنه ” العدة”، وإذا كانت هناك بشائر تطلقها الوزارة مع إقتراب كل صيف، فإن هذه البشائر قد إختفت، ما يعني أن خيارات التطمين وتهدئة النفوس قد تلاشت من قاموس الوزارة، ولاسيما مع عجز ميزانية الدولة عن دفع أموال جديدة على مشاريع لاترى النور مثل سابقاتها، وعليه لم يعد أمامها سوى خيار خصخصة الكهرباء الوطنية، والتي بانت بوادرها في حي زيونة في بغداد، والتي ستباشر إحدى الشركات الأهلية في الأول من الشهر المقبل تزويد سكان الحي بالكهرباء لمدة 24 ساعة مقابل تعرفة خاصة بالأجور، وهو ما أثار مخاوف الأهالي من أن تكون هذه الأجور فوق طاقتهم، غير أن الشركة تحاول أن تطمئن السكان من خلال تأكيدها أن الكهرباء التي ستوفرها ستجعلهم في غنىً عن المولدات الأهلية والخاصة، كما أن الأجور ستخضع لنظام جباية دقيق يعتمد على نوع الإستهلاك، والأجهزة المستخدمة، فمثلاً تتراوح الأجرة عن إستخدام الأجهزة المنزلية، إضافة الى الإنارة بين 40 و 60 ألف دينارشهرياً، فيما تبلغ بين 80 و 100 ألف دينار شهرياً إذا أضيف اليها مكيف واحد، وهكذا تتصاعد كلما زادت الأجهزة والعكس بالعكس. مشروع خصخصة قطاع التوزيع للطاقة الكهربائية هذا، يثير بعض الأسئلة، ولاسيما أن مصدر الكهرباء هو وزارة الكهرباء وليس الشركة المستثمرة : كيف ستجهز الكهرباء 24 ساعة فيما المشكلة التي عمرها الآن 13 سنة متعلقة بالإنتاج، ومن أين ستوفرها للشركة من دون قطوعات، في الوقت الذي تشهد فيه بغداد الآن قطوعات لساعات طويلة؟، هذا التساؤل يحتاج الى نيات صادقة قبل أن يكون مجرد جواب عابر، أو تقليدي، كالذي يقول مثلاً أن الهدف من وراء هذا المشروع هو التخلص من الفساد وضمان التوزيع العادل بين المناطق واستقرار المنظومة الكهربائية، أو أن تنظيم الجباية سيؤدي الى زيادة في واردات الكهرباء بشكل واضح مما ينعكس على ترشيد الاستهلاك وبالتالي استقرار المنظومة الكهربائية وزيادة ساعات التجهيز .القضية أبعد من تحميل المواطن مسؤولية الهدر، فيما كيّف نفسه على أمبيرات معدودة من الكهرباء، واستخدم أجهزة إقتصادية للترشيد، وأبدى إستعداده لقبول 10 أمبيرات من الكهرباء الوطنية، وتنازل عن أجهزة كثيرة في تجارب سابقة حصلت في مناطق عدة، ومع ذلك كان مصيرها الفشل.الحقيقة التي ينبغي الإعتراف بها أن الحكومة لا تملك اية ستراتيجية وطنية واضحة وعلمية بعيدة المدى للمعالجة الجذرية لأزمة الكهرباء، والا اين ذهبت تلك المليارات التي أنفقت على هذا القطاع، والتي بلغت 27 مليار دولار من دون أن نشهد أي تحسن، بل العكس تراجعت الكهرباء الى الوراء، وأصبح الخيار الوحيد هو الخصخصة للأمن الوطني للطاقة.