تناقلت وسائل الأعلام المختلفة وشبكة التواصل الأجتماعي (Facebook) تصريحات لنواب عن كتلة سائرون˛ ومفادها أعتراضهم حول فقرة رقم (14) من قانون الموازنة الأتحادية لسنة 2019˛ومطالبتهم شطب هذه المادة لكونها تسمح بعرض أي مؤسسة من مؤسسات القطاع العام التي قد تكون رابحه˛ وفاعلة في دعم حركة الأقتصاد العراقي˛ للأستثمار أو المشاركة وليس هذا فقط ˛ بل وردت عبارة «..كلما كان ذلك ممكناً!؟» كما خول مجلس الوزراء أستثناءها من الأحكام النافذة بما يسهل التوسع بالأستثمار والمشاركة مع القطاع الخاص.
دون النظر إلى حيوية ذلك القطاع ومقدار الأرباح الناتجه عنه وعدم النظر˛ عن ماهية الفائدة المتأتية عن عرض مؤسسة مربحة للأستثمار ومشاركة أربحها˛ من قبل القطاع الخاص بدعوى دعم القطاع الخاص. وكأن دعم القطاع الخاص لا يتم إلا من خلال الأستحواذ على المؤسسات المربحة والفعالة˛ في حياة الشعب العراقي والتي أنشأت من خلال خطط التنمية القومية˛ والتي كان مصدر تمويلها هو النفط ˛الذي يمثل ثروة لكافة أبناء الشعب العراقي حالياً ومستقبلاً.
أن فرص النهوض بالقطاع الخاص يجب أن تكون أغناء فئة قليلة˛ وتسريح عدد كبير من العاملين في المؤسسات الحكومية˛ حتى ينضموا إلى طابور الناقمين على سياسة الحكومة˛ وبداية تكوين خمائرجديدة للإرهاب ˛نتيجة البطالة والفقر وهذا لا يعني أننا ضد الأستثمار˛ لكن أن نجعل من الأستثمار وسيلة لخدمة الدولة في كل الأتجاهات˛ وذلك من خلال الأستفادة من تجارب الدول الشعوب˛ وهنا أود أن أذكر مثالين مختلفين وسياستين متناقضتين وذلك لأختلاف الظروف ولكن كل منها كانت أيجابية وفعالة في خدمة من أتبعها.
فعندما ضرب الركود الأقتصادي العالم في عام 1933 وماعرف من أزمة الثلاثينيات˛ أنتخب حاكم نيويورك فرانكلين ديلاو روزفلت رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية˛ والتي كانت ومازالت تتبع النظام الراسمالي وأليات دعمه هي «دعه يعمل˛ دعه يمر laissez-faire»˛ وفي تلك الفترة كان عالم الأقتصاد البريطاني جون مينارد كينز قد نشر كتابه حول نظريته العامة الجديدة; ودور الدولة في تعديل الدورة الأقتصادية˛ وفي وضع سياسة مالية تحافظ من خلالها على الأقتصادي من الأنهيار والأزمات.
وتمثلت نظرية كينز بإعطاء الدولة دوراً محورياً في التدخل الأقتصادي بحيث تصبح «مشاركاً»˛ وليس مجرد مراقب˛ هذه الفلسفة هي التي قدمها روزفلت تحت مسمى «الصفقة الجديدة New-Deal»; بمعنى آخر كان وزفلت يسعى إلى رأسمالية بوجه إنساني تستفيد منها الرأسمالية˛ والعامل البسيط معاً ويكون الأقتصاد عامة هو المستفيد الأبرز˛ في ذلك وكان نتيجة أتباع تلك السياسة الأقتصادية أن أصبح الأقتصاد الأمريكي أقوى ˛وأزهر أقتصاد على الأرض وكانت الأيام التي أعقبت ذلك أسعد أيام الشعب الأمريكي (Happy Days) .
في عام 1979م أنتخبت مارغريت تاتشر رئيسة الوزراء في المملكة المتحدة وكانت أول أمرأة تفوز بهذا المنصب في بريطانيا˛ وعندما أستملت زمام السلطة دخلت معارك حامية الوطيس مع خصوم من مختلف الأتجاهات السياسية˛ وكان أعتى تلك المعارك مع نقابات العمال ومع زعامائها القوية مثل أرثر سكارغيل˛ وهم الذين كانوا يسقطون الحكومات أنى يشأؤون ويتحكمون بحركة الأقتصاد كيفما يشتهون; والنتيجة هي أقتصاد يعرج وجنيه ضعيف ومنشآت˛ حكومية تخسر البلايين من الجنيهات وتكلف خزينة الدولة˛ بلايين أخرى وتضعف من المركز الدولي لبريطانيا في خاتمة المطاف.
فجاءت أبنة البقال المكافح وفي ذهنها «ثورة يمينية» هذه المرة: إعادة ما تملكه الدولة من منشآت إلى المجتمع عن طريق الخصخصة وبيع المنشآت في أسواق البورصة˛ فأيهما أفضل أن تملك الدولة هذه المنشآت أم أن يملكها الأفراد والشركات الخاصة؟ ليس مهماً هذا السؤال عند تاتشر بقدر أيهما أنفع وأيهما أكثر تحقيقاً للأهداف المتوخاة˛ ونجحت تاتشر في هذا المجال وأعاد الشعب البريطاني أنتخاب تاتشر للمنصب ثلاث مرات متتالية كأول شخص يتولى هذا المنصب لمدة أثني عشر عاماً تقريباً.
وفي الختام أن مما لا يختلف عليه أثنان أن دعم القطاع العام لا يقل أن لم نقل أهم من دعم القطاع الخاص˛ وأن الفرصة متاحة أم القطاع الخاص للنهوض في عدة مجالات بعد سن القوانيين التي تكفل له ذلك˛ ولكن ليس من خلال أضعاف القطاع العام وأنما من خلال تكميله في عملية النهوض بواقع الأقتصاد العراقي.