23 ديسمبر، 2024 4:19 م

خسرتُ حياتي : مَن هو المخلب ؟

خسرتُ حياتي : مَن هو المخلب ؟

13
كم هي رائعة العلاقة بين ( تارو ) و( ريو ) في رواية ( الطاعون) للفيلسوف الفرنسي ( البير كامي ) ، تارو الطبيب وريو الكاهن ، الطبيب الملحد ، الذي كان يصرّ على مكافحة الطاعون طبيا ، والكاهن  ريو الذي يكافح الطاعون روحيا ، ملحد ومؤمن ، كلاهما تقاطعا في حرب ضروس ضد الطاعون ، كان تارو يبحث عن المقدس خارج مملكة اللاهوت ، وكان ريو يصر على ضرورة السماء،ولكن فيما تنتهي حياة ريو بنهاية مأساوية ، حيث اصيب بالطاعون المهلك بعد أن إنزاح خطره من مدينة وهران ،وقف ريو يشجيه ، يبكيه ، يرثيه ( على هذا الهيكل الآدمي الذي كان أقرب إليه من حبل الوريد ،والذي لفظ أنفاسه الأخيرة في أنَّة عميقة ،تاركا إياه على الشط صفراليدين ، وبلا سلاح أومعين ) !
كم هي رائعة  هذه المرثية ،  و أروع منها  ذات العلاقة بين طبيب ملحد وكاهن عميق الرؤية في اللاهوت …
سبحان الله !
العلاقة بين ( المتدينين الكبار ، الرساليين ، الحزبيين  ) مجنونة بالتشكيك والتشكي من الآخر،  علاقة ملؤها المؤامرات الداخلية ، وسوف أتعرض لنماذج كثيرة ومصاديق حية  في هذا المجال .
ولكن لننظر إلى نموذج آخر من الخبث والحيلة …
دُعيتُ قبل اربع سنوات تقريبا إلى مؤتمر الوحدة الاسلامية في لندن ، لست أدري من يصرف على المؤتمر،وما هي خلفياته ، ولكن اعرف الذين يشرفون عليه ، لبيِّتُ الدعوة ، وفي الجلسة الثانية من المؤتمر ،كان هناك على منصة المتحدثين المفكر الفلسطيني منير شفيق،و آخر جزائري نسيت اسمه ، ثم ، الشيخ طالب حسان ، يُقال من رموز حزب الله  في لبنان .
كان خطاب الشيخ عبارة عن هجوم لاذع على العراق والعراقيين، كان يدعو العراقيين إلى الانتفاض على ( المحتل ) وطرده ، وباركَ للعمليات ( الفدائية ) التي تقوم بها المقاومة ( الاسلامية ) في العراق ،وآخيرا،أكد بان تحرير القدس يمر عبر تحرير العراق من المحتل الاجنبي …
كنتُ جالسا في الصف الاخير أو ماقبله كعادتي والله على ما اقول شهيد ، وكان الى يميني يجلس سيد  خطيب جليل ،لا أذكر اسمه خوف عدم  رضاه  ، وعن يساري شيخ !
الشيخ كان ( يدردم ) ، فهو طالما كان يردد وبهدوء وبطريقة حذرة ( ماكو  واحد يرد على هذا ، وين واحد يلطم هذا على حلكة، وين الرجال اللي يلخمه  ) يقصد الرد على الشيخ طالب الحسان ، كنت صامتا ، ولم انبس ببنت شفة والشيخ يلقي محاضرته أو موضوعه الجهادي بامتياز عال .
أنتهت المحاضرات والمداخلات وبدات مرحلة المناقشة ،كان الشيخ أبو زهراء النجدي هو الذي يدير الندوة ،رفعت يدي طلبا للحوار ، كان النجدي يتجاهلني بشكل واضح ، يدير راسه يمنة يسرة كي يتلافى  الاستجابة لطلبي، ولكن السيد جواد غانم صادف وأن أدار وجهه للحضور،لانه كان في الصفوف الامامية، فصرخ  قائلا : ( ابو  عمار الشابندر عنده مداخلة ) فاضطر النجدي للاستجابة …
وقفت وبيدي السماعة …
فماذا قلتُ ؟
قلتُ ردا على الشيخ الحسان  ما معناه :يا اخي انتم في جنوب لبنان اجتاحوا اسرائيل وحرروا القدس، فإن تحرير العراق الأن من المحتلين ومن ثم تحرير القدس يتطلب وقتا طويلا …
ثم قلت ما معناه :ــ
لكن شيخنا العزيز ، انتم قبل أيام اجتمعتم مع أعدائكم في الدوحة لفض النزاعات بينكم ، والدوحة يرفرف في سمائها العلم الاسرائيلي …
ثم قلت ما معناه : ـ
هل تريد من العراقيين أن يحرروا فلسطين وقبل أيام اخوتنا في الارض المحتلة أقامواالفاتحة على صدام وابنيه ،قتلة العراق والعراقيين ؟
ثم قلت مامعناه :
أنتم حملتم الزاد والدثار للعتريسي وجماعته على الحدود الاسرائلية  اللبنانية ،ولكن العتريسي عمل فاتحة لصدام ، وفي مكة نصبَ خيمة ًباسم خيمة ابن تيمية …
كان الوجوم يسيطر على الجالسين ، خاصة الشيخ المتحدث ،ثم  تحدثت عن  انحراف مسار المؤتمر ، لان اصل المؤتمر هو التقريب بين المسلمين فيما صار سياسيا ، وحُذفت مداخلتي التي اعدتتها من  قائمة  المحاضرات ،والتي كان عنوانها ( التجربة السيستانية )  ، لم يتجاوب معي بشكل صريح سوى الشيخ محمد باقر الناصري والسيد الذي كان جالسا جنبي ، وقد تكلم في حينها الشيخ الناصري  قليلا موضحا كيف وقع  الشيخ  طالب الحسان  في خلط مفاهيمي …
رجعت إلى مكاني ، فماذا كان كلام الشيخ ؟
ــ احسنت ، أحسنت ( قالها بصوت خفيض خفيض جدا ) .
قلتُ مع نفسي : تُرى لماذا لم يقم الشيخ نفسه ويرد على نظيره ،والشيخ كبير في الحركة الاسلامية العراقية ، ومشهود له بالتقدم العلمي في  الحوزة ، وذي خبرة بالاوطان والبلدان من كثرة الاسفار الإيمانية والجهادية ؟ وهو اليوم من أقرب المقربين للاستاذ المالكي، بل هناك كلام عن كونه الدماغ المفكر بالنسبة للسيد المالكي .
من هو هذا الشيخ ؟
إن من عادات ( المتدينين الرساليين ) أن يحقق ( براسك ) مطلبه خاصة إذا كان تحقيق هذا المطلب يكلف ، وتترتب  عليه مسؤوليات خطيرة ..
هذا الشيخ  كان يعرف أني سوف لا اسكت ، لانه يعرفني جيدا ، فاستغل هذه الفرصة ، ولم يكلف نفسه حتى الشكر بصوت عال …
حيالين !
منْ هو  هذا الشيخ ؟
أحد كبار الحركة الاسلامية يسميه ( المخلب ) !
هل عرفناه ؟
كان يكره عزت الشابندر بشكل مذهل ،لكن اليوم صديقه الحميم ، بل عضيده المفدى !
أؤجل الافصاح عن اسمه ، لان الوقت غير مناسب …
وقسما ما همتُ بمنصب ولا حلمت بسيارة ، ولا فكرت ببيت ، ولا سال لعابي على مال ، وكنت اسكن بيتا متداع في طهران ، واليد التي تتوضا كانت تسكن بيتا في شمال طهران  ، أقصد ابو الفقراء خضير الخزاعي …
وماذا نقل لي هذا الشيخ عما كان يقوله عنِّي ( الدكتور ) خضير الخزاعي ؟
في الحلقة الاتية ، وإنْ أتمنى أن ينعى مصيري قبله باذن الله تبارك وتعالى ، فلم تعد الحياة تُعاش في مثل هذا الحال التعس .