في ظل المتغيرات الحاصلة في البلدان العربية وخصوصاً في شكل نظام الحكم وتحوله من استبدادي ديكتاتوري الى ديمقراطي، ثمة دول هي الأكثر استبدادا وتقيداً للحريات لم تهزها رياح التغيير في أعقاب الربيع العربي، بسبب قبضة الاستبداد المحكمة، ولتمتعها بثروات هائلة وعوامل اخرى، واقصد هنا الممالك الخليجية الست.
في كتاب ما بعد الشيوخ الذي صدر في سنة 2013 وترجم مؤخرًا عن مركز أوال للدراسات والتوثيق، يبحث الدكتور كريستوفر ديفيدسون سر بقاء الممالك الخليجية الى الان.
لذلك هو يتنبئ بأن أنظمة الخليج الى زوال وفق رؤية شاملة حصلت لديه كونه خبير لدى الامم المتحدة في شؤون السياسة الخارجية والتنمية في الممالك الخليجية.
يقع الكتاب في 373 صفحة وزعت على خمسة فصول ركز الفصل الاول والذي جاء بعنوان (نشأة الدولة والتنمية الاقتصادية)، على تاريخ الممالك الخليجية وجذورها والتفاعلات الخارجية التي أدت الى نشوؤها من قبل الدول الاستعمارية وخصوصاً بريطانيا التي كان لها الدور البارز في بلورة هياكل الممالك السياسية والاقتصادية، حيث يرى كريستوفر ان معظم الممالك الخليجية تشكلت نتيجة لوجود مصالح بريطانية تمثلت في النفط والغاز وغيرها من الموارد الاقتصادية الهائلة التي تضمها أراضيها مقابل الحصول على الدعم والحماية التي تتوخّاها بعض الممالك على المستوى الداخلي والخارجي لذلك حصلت الاتفاقيات مع الجانب البريطاني والتي تضمنت ايضاً بنوداً تطلب من الحكام التوقيع نيابة عن ورثتهم المستقبليين وذلك لضمان الدعم البريطاني في المستقبل لسلالتهم الحاكمة، بموازاة ذلك لم تكن الاتفاقيات التي قامت على أساس الدين بمنأى عن دورها في تشكيل بعض الممالك حيث تم عقد ميثاق تاريخي في شبه الجزيرة العربية بين قبيلة قوية من مقاطعة نجد برئاسة محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي كان يميل الى التشدد ويدعو الى العودة الى مبادئ الاسلام الاساسية وكفر أيضا الحكام الذين تعاونوا مع القوى الأجنبية واصفهم بذوي (الأرواح النجسة) وبعد وفاته تسلمت سلالة ال سعود القيادة.
وهكذا دواليك مع الممالك الاخرى التي تشكلت تحت سلطة النص الديني او التعصب القبلي نتيجة لصراعات تنتهي بانتصار الاقوى لتسنم منصب القيادة أو لنتيجة اتفاقات خارجية مع دولة اجنبية تأخذ شكل أخذ الثروات مقابل الوجود والحماية وهي الأكثر تأثيراً بطبيعة الحال.
إنّ تعويل كريستوفر على تاريخ الممالك الخليجية وفقا للمنهج التاريخي يؤدي الى فهم الماضي ويحدد عمر الدولة وينبئ كذلك بأزوف انهيارها وفهم المؤسسات السياسية التي تمخضت عنها حديثاً.
اما الفصل الثاني والثالث ففسر فيهما كريستوفر أسباب البقاء، وقد تطرق في الفصل الثاني الى الأسباب الداخلية أما الفصل الثالث فتطرق للشؤون الخارجية.
حيث بين ان أسباب البقاء على المستوى المحلي “ترجع الى صفات الحاكم غير المكتوبة وغير المعلنة أو الى عقود اجتماعية قائمة بين الأسر الحاكمة وشعوبها، وتكون هذه الصفقات واستراتيجياتها مع حكومة السلطة الأبوية التي تشكلت، كافية لتهدئة معظم المواطنين” ص93
ويؤكد على ان اهم دعامة أساسية لبقاء الأنظمة الملكية هي انها أكدت ان الدولة ما هي الا موزع للثروة مما أعطى لها شرعية “باعثة على السعادة” اَي شرعية مستمدة من الرفاه الاقتصادي والرعاية الاجتماعية.
أما المكونات غير الاقتصادية فإنها تلعب دورها من خلال تكريس عبادة الشخصية وغالبا ما يستند ذلك الى القدرات الرياضية والانجازات العلمية أو الى حالة الشهرة، بالإضافة الى دعم المتاحف العالمية وغيرها من المشاريع ولعب دور الوساطة بين الدول والدعم المادي والمعنوي مما يساعد على خلق صورة حسنة في الرأي العام العالمي بالإضافة الى استغلال الدين بوصفه سلاح ذو حدين والعمل على جذب المؤسسة الدينية من خلال الإغراءات المادية وبناء المساجد والمؤسسات وتوزيع الرواتب السخية على رجال الدين مما جعلهم موظفون يعملون لمصلحة الملك في كل الأحوال وبهذا قطعت الطريق على المعارضة الدينية.
وعلى نحوٍ مماثل كان للجمعيات الخيرية دورها البارز في خلق حالة القبول السياسي لدى المواطنين وهي ترتبط ارتباطا وثيقاً بالدولة.
“والامر المثير للسخرية انه من الصعب على مواطني الممالك الخليجية إعطاء الأموال مباشرة الى الفقراء، اذ انهم يتجاوزون بذلك هذه الجمعيات التي تدعمها الدولة” ص104
بل الامر تعدى أكثر من ذلك فحتى الجوائز الأدبية لم تخرج عن نمط تحسين صورة تأريخ المملكة ومديح نظامها فصارت هي المعيار في فوز كل عمل ادبي يترشح لجائزة “البوكر” التي تحتضنها الإمارات مما يؤدي الى صناعة مشهد ثقافي عربي مترهل.
في عام 1940عملت الأنظمة الخليجية من غير مواربة على استحداث نظام الألقاب فهولا يختلف عن النظام البريطاني متجاوزين بذلك التركيز الواضح على المساواة في الاسلام. وعملت كذلك على إنفاق مبالغ ضخمة لإنشاء متاحف وترميم مباني قديمة تتصل بالتراث القبلي بهدف تذكير المواطنين بوجود الملكيات في السابق ولتعزيز القومية والاشارة الى مزايا الأنظمة الملكية لأجل اعفائها من التطور الديمقراطي.
وفِي سياقٍ متصل قامت الممالك بحذف شوط طويل من تاريخها فيما يخص علاقتها بالدول الاستعمارية في مرحلة ما بعد اكتشاف النفط فخلت المنهاج الدراسية من هذه المرحلة تجنبا لاثارة قضايا حساسة.
اما فيما يتعلق بالاسباب الخارجية للبقاء “فقد عملت الممالك الخليجية على بناء علاقات متينة مع الدول العربية وتحديدا فلسطين والدول التي رفضت الاعتراف بإسرائيل وكان وراء ذلك من وجهة نظر كريستوفر ارضاء المشاعر المؤيدة لفلسطين والمناهضة لإسرائيل في الوقت الذي يسمح فيه أيضاً للأسر الحاكمة بالبقاء جنبا الى جنب مع الحكومات القومية العربية” ص135
ويلخص كريستوفر أسباب البقاء على المستوى الخارجي بثلاث نقاط:
” أولاً: وكأمتداد طبيعي للدولة الريعية المحلية، والاستراتيجيات المعروفة الخاصة بها لتوزيع الثروات، أصبحت بعض الممالك الخليجية أكثر حرصا على توزيع بعض مواردها على الدول المجاورة لها الأقل حظاً على شكل معونات إنمائية أو اعمال خيرية أو هدايا الى بعض الدول العربية او المسلمة او الدول المجاورة غالباً.
ثانياً: بذلت معظم الممالك الخليجية جهوداً لاستخدام موقعها ومواردها لوضع نفسها مكان (الدول المحايدة والفاعلة) اما عن طريق إرسال بعثات لحفظ السلام او التوسط لحل النزاعات الإقليمية، وكانت هذه الاستراتيجية عادة تمكنها مِن تجنب الانحياز في الصراعات المجاورة، وفِي الوقت نفسه تعزيز سمعة الخير والمهادنة لدى الدول الأقل استقراراً او الدول التي قد تشكل تهديداً كما ساعدت على تحويل الرأي العام العربي الاوسع بعيداً عن اعتمادها الحماية العسكرية الغربية الذي لا يمكن اخفاؤه.
ثالثا: كانت هناك جهود طويلة لتمويل المتاحف، والجامعات وغيرها من المشاريع الثقافية والمؤسسات تحت إشراف القوى الغربية، من اجل تحسين الاعتراف بالممالك الخليجية وآرائهم بها، وبالتالي المساعدة على بناء قاعدة (لقوتهم الناعمة) في هذه الدول الفاعلة.
واحتوى الكتاب في فصله الرابع موضوع (الضغوط الداخلية المتصاعدة) وفِي مدخل الفصل تعرض كريستوفر الى نقاط الضعف والمشاكل التي تعصف بالأنظمة السياسية الملكية بالرغم من استراتيجيات البقاء الداخلية والخارجية وتمثلت تلك الضغوط في تراجع احتياطات النفط والغاز وارتفاع أنماط الاستهلاك المحلي والازدياد السريع في عدد السكان بالإضافة الى البطالة الطوعية والحقيقية التي تمخضت عن ذلك الانخفاض “فالممالك الخليجية غير قادرة على تحفيز مواطنيها على الحصول على عمل هادف والمساهمة في الاقتصاد الوطني نظراً آلى اعتمادهم على دولة الرفاهية وتوقعهم البقاء تلقائياً أعضاء في النخبة الوطنية الثرية” ص185
هذا بالاضافة الى البطالة الحقيقية والتي كانت نتيجة للتميز العنصري والمذهبي في الممالك وبسبب عدم قدرة الممالك تقديم الفرص الاقتصادية ذاتها التي كانت متوفرة في الماضي مما أدى الى خلق فجوات كبيرة وتفاوت طبقي في المجتمع وبالتالي يؤثر هذا التفاوت والانقسام على التراث القبلي وموارد الشرعية الدينية التي يتمتع بها الحكام الى الخطر.
وفِي سياق متصل كان لتبديد الثروات من قبل الحكام الى خلق حالة من الاستياء الشعبي اذ اتضح التنافس الفعلي بين الممالك على مشاريع وصفت بالحمقاء من لدن الشعب نتيجة لتكاليفها الباهضة في ظل الفقر المدقع التي تعيشه بعض طبقات الشعب مثل بناء الأبراج او تنظيم مسابقات الفورميلا ويشار اليها أيضا بـ مشاريع الفيلة البيضاء نتيجة للمباني الفارهة والمكلفة في نفس الوقت وغيرها من المغامرات مثل بناء القصور الفخمة في خارج البلاد.
اما عن الصراع الطائفي فيرى كريستوفر، ان التميز المستمر ضد الأقليات وعدم وجود حلول مناسبة لمسألة انعدام الجنسية لآلاف من المواطنين والذين سكنت عوائلهم المنطقة منذ عقود ولَم يستطيعوا لأسباب مختلفة من تأمين وثائق كافية لاكتساب الجنسية الكاملة “فانهم أصبحوا نقطة أساسية للمعارضة في المنطقة في أعقاب الربيع العربي في العام 2011 وتقوض هاتان الظاهرتان شرعية الأسر الحاكمة (ان كان لها شرعية بالأساس) وخصوصاً مع عدم ازالة الانقسامات بين مكونات المجتمع على الصعيد الوطني” ص221
في الممالك الخليجية ان يكون لك رأي او ان تطالب بحقوقك فان ذلك لا يخرجك من كونك تبعي للخارج وخصوصاً ايران وأنك بلا شك ستصنف من مثيري الشغب الذين يرومون شق وحدة المسلمين! وبالتالي تجرد من جنسيتك لتصبح بلا وطن مثل ما حصل مع الدكتور علي الديري صاحب كتاب (أله التوحش) وغيره الكثير من المثقفين الذين سحبت منهم الجنسية للسبب ذاته.
وعلاوة على ذلك خنقت حرية الاعلام وظهر ازدياد كبير في ممارسة الرقابة في المنطقة ويمكن رؤيتها بحسب كريستوفر “استجابة مبكرة للضغوط الداخلية المتراكمة في ممالك الخليج، بالإضافة الى انعدام الشفافية المرتبطة بالهياكل السياسية السائدة” ص238
تمثلت اشكال الرقابة والتقيد في حظر مقالات الصحف الأجنبية، منع بعض الكتب، طرد بعض الصحفيين، حجب المواقع، وعلاوة على ذلك حلت دول الخليج الست في أسفل المؤشر العالمي لحرية الصحافة وذلك وفقاً لتصنيف منظمة مراسلون بلا حدود.
اما الفصل الخامس من الكتاب فقد جاء بعنوان: (الضغوط الخارجية المتصاعدة).
وينطلق كريستوفر من نقاط الضعف التي تعتري السياسة الخارجية في الأنظمة الملكية والناجمة عن سوء الادارة وعمق الخلافات بين الممالك نفسها.
“وكانت جهود الممالك الخليجية مفروضة على شريحة أوسع من السكان… وذلك بهدف توطيد روابطها الأمنية مع القوى الغربية، في ظل غياب اَي استشارات، وأدى هذا الى انشاء الكثير من القواعد العسكرية الغربية على أراضيها في السنوات الاخيرة… كما أدى ذلك الى تزايد الإنفاق على الأسلحة الغربية، حيث خصصت الممالك الخليجية نسبة ضخمة من الناتج المحلي الاجمالي لتغطية مثل هذه النفقات التي تمثل الْيَوْمَ مضرب الحماية عوضاً عن اتخاذ مسار شرعي يقوم على بناء القدرات الدفاعية” ص254
اما عن العلاقة مع اسرائيل فإنها اتخذت شكل “أصدقاء في السر أعداء في العلن ” فعلى الرغم من سجل المنطقة الحافل في مقاطعة اسرائيل والحد من التواصل معها دعماً للقضية الفلسطينية، ومن وجود قاعدة شعبية لا تزال ترفض بمعظمها الاعتراف بإسرائيل… يبدو ان الكثير من حكام الخليج يسعون بل يحرضون على تقوية العلاقات الاقتصادية والسياسية مع اسرائيل” ص254 ويفسر هذا الاندفاع أيضا لاسترضاء مناصريهم في الغرب فالمقاطعة مع اسرائيل ما هي الا حبراً على ورق!
ومن أشكال الضعف في العلاقات الخارجية هو الانقسام الواضح في مجلس التعاون الخليجي مثل النزاعات الحدودية وغيرها من المشاكل الإقليمية القائمة وبذلك تفوت عليهم فرصة تكوين قوة جماعية وهذا يعني ان الممالك الخليجية ستبقى ضعيفة للغاية في ظل اَي تهديد للقوى الأجنبية. مما يؤدي اعتمادها على القوى الغربية وما يتمخض عنها من مشاكل جمة قد تطفو على السطح في اَي وقت.
ويرى كريستوفر ” ان وجود عدد كبير من القواعد غير العربية وغير المسلمة في شبه الجزيرة العربية لطالما شكل موقع جدل، ومن المحتمل انه قد يجرد الممالك الخليجية من شرعيتها بالقوة”ص265
أما عن معاداة ايران من قبل الممالك الخليجية فهو لم يكن لمعارضة الممارسات الاستبدادية من قبل اقطاب السلطة الإيرانية تجاه شعبها او غيرها بل يرى كريستوفر انه جاء نتيجة اعتمادها على الضمانات الغربية وجعلها اداة تخوين لكل ثورة ناشئة ” وتزداد الإشارات الى اعتبار ايران … بالنسبة لبعض الممالك الخليجية التي يمكن من خلالها احتواء المعارضة المحلية وإضافة الى الخلق المستمر لفكرة الدولة المجاورة، مصدر الرعب من اجل تخويف المواطنين ليصرفوا النظر عن بعض الآفات الاجتماعية والاقتصادية والضغوط الاقتصادية المتراكمة، فإن وسم ايران بأنها عدو خطر ومباغت يسيطر عليه الشيعة وعازم على امتلاك الأسلحة النووية يساعد أيضاً على تسويغ التلاعب الطائفي الحاصل في عدد الممالك الخليجية، كما يساعد على نزع الشرعية في اَي فعاليات ثورية وتشويه سمعة المتظاهرين بوصفهم عملاء لإيران. ص278
ومن مظاهر الضعف أيضا هو الانقسامات والخلافات الحادة بين الممالك الخليجية كما أسلفنا ومحاولة تغير مسارات الخلافة في السلالة الحاكمة فيما بينها؛ مما أدى الى محاولات الانقلاب مع وجود حكام مسنين لم يحددوا بعد الوريث الشرعي الذي يخلفهم.
اما الفصل السادس والأخير فقد جاء بعنوان: (الانهيار المقبل)
وتم تسليط الضوء في هذا الفصل على المعارضة في الممالك الخليجية المختلفة والتي تطورت من معارضة ناشئة الى معارضة قوية ثابتة الجذور، أعطت لمواطني الممالك الخليجية الامل بالإصلاح السياسي وخلع تيارات الأنظمة الاستبدادية، مما أدى الى صعوبة احتوائها، ومن المعروف ان اغلب المالك الخليجية وقفت بالضد من الربيع العربي ” وكان لهذا الرفض تأثير هائل في نزع شرعية الاسر الحاكمة والحكومات المتورطة فقد وضعوا انفسهم في نظر الكثيرين كجزء من كتلة تأريخية مضادة للثورة” ص306 ويشير كريستوفر الى الدور الماكر لقطر اذ نأت بنفسها عن موقف الممالك مما سمحت لها بتجنب فقدان الشرعية والاستفادة من الربيع العربي على الرغم من كونها الأكثر استبداداً في السلطة.
اما عن المعارضة الالكترونية والتي كانت نتيجة لعجز السلطات من الهيمنة على مواقع الانترنت فعلى الرغم من الرقابة المتشددة ظهرت بعض التجمعات الالكترونية التي تبنت المعارضة وكانت هي الأكثر تاثيراً على المستوى الفكري، فلم يعد المواطن الخليجي بحاجة الى الثروة والرفاه بقدر ما هو بحاجة الى الكرامة والحرية بعيداً عن استبداد السلطة التي ترتجف من تغريدة تكشف حقيقة الاسر الحاكمة او تطالب بحقوق مشروعة.
“كان من الصعب احتواء حركات المعارضة… تركيزها على عدم شرعية الممالك الخليجية وعلى تلاعبها بالإسلام على وجه الخصوص. ونظراً لارتكازها غالباً على المنابر الدينية أو لانقيادها لفئات من السكان خاب املها أو تعرضت للتمييز، لم تهدأ هذه الحركات كلياً بحصولها على المنافع المادية” 308
ويشير كريستوفر الى الدور السعودي في الممالك الأخرى من خلال تمويلها للأسر الحاكمة والتدخل العسكري لمساعدتهم على تجنب مخاطر اعمال الشغب والثورة فإن أي اضطراب سياسي سيكون من شأنه ان يسبب عواقب كبيرة في الممالك الخليجية كلها مما جعل السعودية تضفي طابع التطرف على كل حركة احتجاجية وتتهمها بالإرهاب من اجل خنق الاحتجاج السلمي وتحسين صورتها الخارجية بوصفها دولة مسالمة تدعم مساعي السلام في المنطقة، وهذا ربما يفسر التحول الراديكالي والانفتاح المفاجئ مثل السماح للمرأة بقيادة السيارة وانشاء عدد من صالات السينما وانشاء هيئة للترفيه واقصاء هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، بسبب التخوف من أي معارضة دينية قد تقلب الطاولة، ولمغازلة الحليف الغربي واشغال الشباب وابعادهم عن المشهد السياسي.
وعلى الرغم من تحركات السعودية والتغيرات التي شهدتها فقد جرت العديد من الحركات الاحتجاجية داخلها وبروز بعض الأحزاب على الرغم من عدم قانونيتها في الممالك، ممتعضين من ممارسات السلطة الامر الذي أدى لردود فعل تمثلت باعتقال عدد كبير من الناشطين واقصاء الصحفيين والمدونين وتشريع قانون صحفي اكثر صرامة وتشدد برسم خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها.
فإن كل هذا القمع وفشل مجلس التعاون الخليجي من تشكيل قوة مشتركة إضافة الى الضعف الداخلي والخارجي نتيجة لفساد الاسر الحاكمة بتبديد الثروة الوطنية والممارسات الطائفية ضد فئات محددة من المجتمع واستياء المواطن الخليجي من بناء قواعد عسكرية ضخمة على ارضه وأنفاق جزء كبير من الناتج المحلي لشراء الأسلحة، فإن كل ذلك ينذر بانهيار مقبل في الممالك الخليجية خصوصاً إذا عرفنا انه في حال استسلمت احدى الممالك الخليجية لثورة شعبية ستتساقط الأخرى مثل احجار الدومينو.
وما يدعم هذا التنبؤ بالانهيار القريب الوعي المتنامي للمواطن الخليجي وطموحه في تغير دولة الاسرة الى دولة شعب تقوم على المشاركة السياسية واحترام حرية الراي وصهر الهويات الفرعية في هوية واحدة جامعة.