الفساد ليس مجرد سرقة للاموال ، او التهرب من الضوابط الإدارية والاحتيال على القواعد القانونية بطرق احترافية ، وانما للفساد امتدادات تهدد واقع البنية الاجتماعية من جهة ويهدد مستقبل الأجيال القادمة من جهة اخرى ، فالبنية الاجتماعية يتم نخرها من الداخل بفعل هذا الفساد ، لان المسروق دائماً وابداً هم الطبقة الفقيرة ، والتي لا تستطيع ان تتحمل اي ضغط مادي إضافي ، كونها وصلت الى مستويات خطيرة وكبيرة من الفقر بسبب انخفاض المدخولات وارتفاع الأسعار لدرجة كبيرة ، مما يؤدي الى انحرافات كبيرة قد تكون على حساب الدين والاخلاق او العرف او حتى الشرف بصورة اخرى ، مما يجعل المجتمع بحالة انحدار وتفكك لما لهذا الفساد من قدرة على هدم الأسس التي يقوم عليها المجتمع ، وهنا تكمن خطورته الاجتماعية
اما ما يرتبط بمستقبل الأجيال القادمة ، فان الفساد يتسبب بدمار البنى التحتية لجميع مناحي الحياة الصحية والانتاجية والتعليمية والأمنية ،،،،، ألخ ، وهنا نتحدث عن البنى التعليمية كمثال وليس الحصر ، اذ ان بقاء التعليم على حالته المتواضعة والمتراجعة بملاكاته وبناياته ومناهجه ، يهدد مستقبل الأجيال القادمة التي ستضطر لدراسة مناهج غادرها العالم منذ عدة عقود ، مما يجعلها تبتعد اكثر مما ابتعدنا عن الركب الحضاري العالمي ، وكلما تأخر مكافحة هذا الفساد كلما زادت الفجوة بين مجتمعاتنا والمجتمعات الاخرى ، ولهذا فان محاربة الفساد إنما هي محاولة لتأمين مستقبل اطفالنا وأحفادنا ، ومكافحته تقع على عاتق الجميع وبجميع المستويات ، من المؤسسات الحكومية الى المؤسسات التشريعية ومنظمات المجتمع المدني وصولاً الى كل فرد من افراد المجتمع ، لان مكافحته تكاملية نظراً لاستشرائه في أوساط ومجالات كبيرة وكثيرة ، حتى اقترب من ان يكون ثقافة مجتمعية ، وما لم تتحول مكافحته الى ثقافة مجتمعية أيضاً فان القضاء عليه سيكون صعباً ان لم يكن شبه مستحيل !
وهذا ما أكدت عليه المرجعية الدينية العليا في خطبتها الاخيرة بتاريخ ١٤/ تموز ، من ضمن مجموعة من النقاط التي اشرتها لتكون خريطة العمل الوطنية للمرحلة القادمة ، حيث اشارت الى ان مكافحة الفساد الاداري والمالي وتجاوز المحاصصات الطائفية والفئوية والحزبية واعتماد مبدا الكفاءة والنزاهة في تسنم المواقع والمناصب ضرورة وطنية قصوى ، ولا فرصة امام العراق للنهوض من كبوته مع استمرار الفساد بمستوياته الحالية واعتماد مبدا المحاصصة المقيتة في ادارة الدولة .