خرج على كل شيء الإتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية في إيران، وخروج سريع من سوريا والتواجد على الحدود العراقية، وسحب ( 14 ألف) جندي من أفغاستان، إنه خروج يعيد خارطة تشكيل القوى إقليمياً، ولكن المثير للتساؤل: لماذا هذا الخروج المفاجئ؟ وهل لمقتل جمال خاشقجي علاقة بالامر؟ هل سيجعل هذا الخروج التأريخي أمريكا عظيمة من جديد؟!
ما تشهده المنطقة العربية من أحداث متسارعة، يثير القلق والدهشة في الوقت نفسه، فإستقالة جيم ماتيس وزير دفاع أمريكا، وإستقالة ماكغورك مندوب التحالف الدولي في العراق من منصبه، والتقارب التركي الأمريكي بشأن تصريحات أردوغان، بأنه مَنْ أقنع الرئيس الأمريكي، بآلية سحب قوات بلاده من سوريا، والإنعطافة الكبرى بتحمل مملكة آل سعود تكاليف إعمار سوريا، فهل يبدو الأمرمنطقياً، أم أنها ضربية السعودية نتيجة تدخلها الفوضوي، والدمار الذي خلفته في المنطقة العربية؟
المحللون المتابعون للشأن الأمريكي يلاحظون، أن شعبية دونالد ترامب بدأت بالإنخفاض كثيرا،ً بسبب دعمه اللامتناهي للإرهاب، كما أن الكونغرس الأمريكي، إمتعض من سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط، وبالتالي فإنه يحاول رسم خارطة جديدة للمنطقة، يضاف على ذلك الصمود التأريخي الذي أبدته الجمهورية الإسلامية في إيران، ضد العقوبات الأمريكية أحادية الجانب، حين رفضتها دول العالم بإمتياز.
النصر المتحقق في مناطق الصراع العربي، يحسب لمعسكر العلاقات القوية جداً، بين كل من روسيا، وإيران، وتركيا، والصين، لكن ترامب أينما يولي وجهه، فإنه يخترع صراعات سياسية وطائفية، وحروباً إقتصادية، لذا يلجأ للفت أنظار الشعب الأمريكي، بخصوص القوات الأمريكية المتواجدة بمناطق مختلفة، فمعظم دول العالم ترى بأن الوجود الأمريكي في المنطقة، يعد عاملاً لزعزعة إستقرارها وأمنها، فوجودها غير شرعي، فهل تعقل ترامب بشأن قضايا العرب، ليقرأ المشهد العربي قراءة صحيحة.
الخط الأمريكي بسياسته الجديدة، وتطمينات بومبيو للرؤوساء بأن الولايات المتحدة الأمريكية، لن تتخلى عن مساندة حلفائها في محاربة داعش، لكن المتعقلين من أحرار العرب يخشون بواطن الأمور، فهم يعرفون أن السياسة عالم متغير، وتحشيد القوات الأمريكية المنسحبة من سوريا، وتمركزها على الحدود العراقية السورية يثير حفيظة الجانبين، فأمريكا تعودت صب الزيت على النار وتوليد الحرائق.
ملفات كثيرة بدأت تظهر للشارع الأمريكي عن ترامب أبرزها: تقرير المخابرات الأمريكية، حول دور روسيا والصين في إنتخابات الرئاسة الأمريكية، وكذلك ملف التعامل مع المهاجرين، وكيف أنه هدد المحاكم بخرق الدستور، وملف الضغط السياسي والإقتصادي على إيران، والدفاع المستميت عن مجازر التحالف السعودي في اليمن والبحرين، وملف الخروج من إتفاقية باريس للتغير المناخي، وتسطيح علاقاته بدول الاتحاد الأوربي، وتعميق علاقاته مع رؤوساء الدول المنغلقة على دكتاتورياتها، وهو أمر جديد على الأمريكيين.
(مقتل خاشقجي سيقلب منطقة الشرق الاوسط)، عبارة استوفقتني عندما قرأتها في صحيفة الغارديان البريطانية، كون خاشقجي إعترف سابقاً بأن المثقفين الأحرار عبر التأريخ، يقوم المستبدون من حكامهم بتقطيع أوصالهم، لأنهم عبروا عن رأيهم بحرية، وكأن سيناريوهات مرعبة ستلوح في سماء العالم بعد مقتله، وخاصة بعد حدوث تمزق تاريخي في العلاقات، بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية!
الخارطة الجديدة التي يجب أن تعمل في إطارها واشنطن، هي إنهاء الحروب الأهلية في سوريا، وليبيا، واليمن، والبحرين، ومراجعة سياساتها الخارجية برمتها، عندها سيكون أداء السياسة الأمريكية مركزاً على غرض إستراتيجي بعيد المدى، وهو إشاعة الأمن والإستقرار، بمنطقة عانت من الولايلات، والحروب، خاصة إذا ما علمنا أن أمريكا الآن تفكر، في منطقة حوض شرق البحر المتوسط، وما تحويه الدول المطلة عليه من مصادر الغاز والمياه، إذن هي الحرب علنية أم سرية!