19 ديسمبر، 2024 2:10 ص

خرج من الباب ليعود من النافذة!

خرج من الباب ليعود من النافذة!

طوال مدة حكمه التي استمرت ثماني سنوات، لم يعط رئيس الوزراء السابق «نوري المالكي» العراقيين أي فرصة للتنفيس عن همومهم ومشاكلهم وعقدهم النفسية المتراكمة منذ تولي الانقلابيين القمعيين الحكم في العراق، بل بذل كل ما في وسعه لزيادة همومهم وأحزانهم وإرهاق كاهلهم بمشاكل جديدة وأزمات لا أول لها ولا آخر، حتى قلب حياتهم إلى جحيم لا يطاق، وكأنه جاء إلى الحكم بهدف الثأر من العراقيين وتصفية حساباته القديمة معهم.
قصر نظره السياسي الشديد وجهله التام بتركيبة المجتمعات العراقية المختلفة وطبيعتها التي تميل إلى الحرية والديمقراطية وإقامة دولة القانون بعد عقود من الانفلات والدكتاتورية والنظام الحزبي الواحد، جعلا الأحزاب والكتل السياسية والمكونات الطائفية والعرقية تتنافر عن بعضها بعضا وتتوتر علاقاتها مع الحكومة لتصل في النهاية إلى الفراق والقطيعة، وما زاد الوضع في العراق سوءا وأوصله إلى الحالة المتدهورة التي عليها الآن، أن «المالكي» أراد من خلال افتعاله الأزمات، التفرد بالسلطة وإبعاد الشركاء السياسيين عن الحكم، وهذا ما تم له فعلا واستطاع أن ينجح فيه إلى حد كبير وخاصة في ولايته الثانية.
وكاد أن يستمر في الحكم لولاية ثالثة ويواصل تقمصه لدور الرجل الديمقراطي الراعي للدستور، المنتخب عبر صناديق الانتخابات «المزورة طبعا» من جانب، وإظهار نفسه كراع للطائفة الشيعية في العراق وزعيمها الأوحد وأنه «مختار الثقفي» العصر كما صوره بعض أنصاره، ويقوم بالإشراف المباشر على تشكيل الميليشيات الشيعية المسلحة الموجودة الآن في الساحة العراقية، لولا استشعار القوى الداخلية والخارجية المؤثرة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية لخطورة السلوك السياسي الازدواجي الذي ينتهجه الرجل في بلد متعدد الأعراق والطوائف، وانعكاس هذا السلوك الخطير على العراق والمنطقة برمتها، لما قرروا تغييره والإطاحة به.
وإذا كانت أخطاء»المالكي «السياسية وجهله في التعامل مع القوى السياسية العراقية أديا إلى تفاقم الصراع السياسي في البلاد وفشله الذريع كرئيس للوزراء، فإن أخطاءه العسكرية وجهله التام بالاستراتيجيات القتالية ووضع الخطط العسكرية الهجومية والدفاعية التي لا بد أن تتوفر في كل قائد عسكري، جعلته من أسوأ وأفشل من عرفهم التاريخ البشري قائدا عاما للقوات المسلحة، وخاصة بعد أن اجتاحت قوات تنظيم «داعش» مدينة الموصل واحتلتها بدون أي قتال حقيقي من قبل الجيش العراقي الكبير المرابط هناك، وهزيمة جنوده المخزية أمام مسلحي هذا التنظيم، الأمر الذي أدى إلى حدوث كوارث بشرية ونزوح جماعي بلغ الملايين.
وقد أدركت إيران الطرف المهيمن على المعادلة العراقية ومعها أمريكا والقوى السياسية العراقية هذه الحقيقة، وقررت أخيرا أن تبدله بوجه آخر، لأنه أصبح ورقة محروقة، غير مجدية، فشل في الصعيدين؛ السياسي والعسكري ووضع البلاد على كف عفريت.. وكان البديل المختار هو «حيدر العبادي» العضو البارز في حزب «المالكي» ومعاونه طوال سنوات وجوده في الحكم، وظن البعض أنه سيغير من الواقع العراقي المر قليلا، ويواجه الفساد ويفرض القانون وهيبة الدولة على الجميع، ويحد من نشاط الميليشيات الشيعية التي تعيث في المناطق السنية قتلا وفسادا وخاصة في مدينتي «بغداد» و«ديالى»، ولكن يبدو أن الواقع المفروض على العراق والعراقيين أكبر وأقوى منه بكثير، لذلك اكتفى بترديد كلمات تطمينية يائسة للعراقيين دون أن يفعل شيئا مذكورا.
والنتيجة أن الفوضى والقتل العشوائي والفساد ما زالت مسيطرة على مفاصل الدولة الأساسية، والتناحر والتكالب على المناصب وأموال الدولة ما زالا سائدين بين شركاء العملية السياسية، والعلاقة بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان ظلت على حالها ولم تتحسن، والإرهاب الأسود اجتاح البلاد بأكملها، والخطر الأكبر الذي يواجه العراق والعراقيين على المديين القريب والبعيد يكمن في سعي الميليشيات الشيعية المنضوية داخل قوات الحشد الشعبي التي تشكلت بفتوى من المرجع الشيعي «علي السيستاني»، إلى الهيمنة على القوات المسلحة العراقية.
وثمة أصوات قوية داخل التحالف الشيعي بإيعاز من «إيران» تنادي بمبايعة «المالكي» قائدا لفصائل الحشد الشعبي، أي أن يعود ليمارس دوره كقائد عام فعلي للقوات المسلحة العراقية.. خطة جهنمية للعودة إلى الواجهة، لا تخطر على بال إبليس!!.

أحدث المقالات

أحدث المقالات