22 ديسمبر، 2024 9:22 م

خرافة وجود مرجعية دينية في العراق

خرافة وجود مرجعية دينية في العراق

خرافة بل كذبة كبيرة يتواطأ الجميع على نشرها والترويج لها كل لغاية في نفسه ويشترك حتى المثقفين في التصديق بها وكانها مسلمة لاتقبل الشك. ولكن لو تمعنا جيدا سنرى ان وجود مرجعية دينية سواء شيعية او سنية بما تعنيه من نظام او هيكلية كهنوتية تتوافق وتشرف على الجوانب العقائدية او اليومية او السياسية للعراقيين هي محض خيال ابتدعه سياسيو ما بعد 2003 للضحك على الامريكان اولا ومراوغتهم وابتزازهم حتى صدقوا هم انفسهم الكذبة بل وتمسكوا بها لاحقا لانها افادتهم في الضحك على باقي الشعب المغلوب على امره. ومع ان دستورنا النافذ لعام 2005 وبمباركة الامريكي الغبي اشار الى “مراجعنا العظام” ويقصد الدينية في مقدمته ولكن لو تمعنا بواقعنا المعاش لن نجد دورا ولا اهمية بل ولا وجودا .تنظيميا اصلا لهؤلاء المراجع الا بالخيال المصطنع حديثا

سنيا فان اهل سنة العراق تاريخيا ونقليا لايؤمنون بوجود مراجع لهم ولم يكن لهم يوما مرجعا يفتي لهم بالمسائل الشرعية والدنيوية بالطريقة الشيعية المفترضة, لايمانهم بان رسالة محمد كاملة وان الكتاب والسنة النبوية يغطيان كل مايحصل او يستجد من امور. ولا يعتقدون ان العقل هو احد مصادر التشريع الاساسية, اذ ان اجماع الامة يفوق العقل عندهم على ان لايتعارض مع صحيح المنقول. وكان لهم رجال دين وخطباء, من خريجي كلية الشريعة باحسن الاحوال وهي كلية لايتقدم لها سوى الفاشلون بغيرها, يديرون الشعائر وبعض الخلافات المذهبية حول القضايا التاويلية المتعلقة بالزواج والميراث لاغير ولايتدخلون بالتشريع او الافتاء. وبنفس الوقت يتقبلون مايصدر عن الازهر في مصر من فتاوى مستحدثة كانه مرجعهم من باب اجماع الامة. وربما كانت فتوى تحليل استخدام وسائل منع الحمل وتحليل اللجوء الى الحمل الاصطناعي هي الموضوع الوحيد الذي احتاجوا فيه لفتوى جديدة خلال عقود.

اما اليوم فتراهم صاروا ينافسون الشيعة في التطبيل والتزمير لمراجعهم العظام المفترضين وهم ثلة من خطباء وائمة المساجد لااكثر ومتنافسون فيما بينهم على السلطة والغنائم والولاءات المزيفة ومناصب الهيلمان والفساد يكفر بعضهم بعضا علانية بل ويتحاربون وينغمسون بالقتل والارهاب بصورة شبه علنية. ويعرف السني قبل الشيعي التاريخ الاسود لكل هؤلاء المدعين وماضيهم في خدمة الدكتاتور المقبور واجهزته القمعية والاعلامية. صحيح هناك المعتدلون البسطاء والطيبون من الجانبين ولكنهم اقلية تكاد لاتذكر.

شيعيا فان المدرسة الجعفرية العراقية وعبر العقود كانت لاتؤمن بولاية الفقيه وتدعو محقة لفصل الدين عن الدولة. بل ترى من شروط ظهور الامام المهدي المزعوم هو ان يعم الفساد الحتمي على الارض وان اية محاولة حثيثة لاسلمة المجتمع او الحكم هي مؤخرة للظهور وتنافيه. هذا مانادى به محسن الحكيم (1889-1970) والخوئي (1899- 1992) من بعده وحتى طالبهما السيستاني (1930- ) في كتاباتهم النظرية.  هناك حوزة دينية في النجف والان في كربلاء وباقي المحافظات تخرج على غرار الكليات الاسلامية السنية ومن نفس طبقة الطلبة الفاشلين, معممين وظيفتهم الخطابة وامامة صلوات المساجد والسب والشتم فيما بينهم لااكثر. فكيف صار يطلق عليهم جميعا المرجعية وهم ابعد مايكونون عنها؟

 

عندما يرجع المعمم للحوزة لنيل مايعادل شهادة الماجستير تقريبا يطلق عليه “حجة الاسلام” وهذا ليس مرجعا ولايحق له الافتاء. واذا حصل على مايعادل شهادة الدكتوراه من المرجعية يطلق عليه “اية الله” ويصبح مجتهدا لنفسه اولا وليس على غيره. اذا اقره مجتهدون اخرون يمكن ان يصبح مرجعا يحق لمن يؤمن به ان يقلده في المسائل الشرعية والدينية وكلامه او فتاويه غير ملزمة لباقي الشيعة. واذا اتفقت المراجع على اعلمية احدهم اطلق عليه لقب المرجع الاعلى وهي الرتبة التي يحوزها السيستاني اليوم ومنذ وفاة السبزواري (1910-1993) وحتى المرجع الاعلى فتاواه غير ملزمة لكل الشيعة وانما لمقلديه او اتباعه فقط. فاين هي المرجعية الشيعية التي يتحدثون عنها وكانها واضحة المعالم والاتجاه؟ علما ان قيادات الاحزاب الشيعية العراقية الثلاث الكبرى الحاكمة: الدعوة والمجلس والتيار الصدري لايقلدون السيستاني بل ان بعضهم يسفهه ولا اقول يكفره. ويقول الصدريون والصرخيون والحسنيون وغيرهم في السيستاني مثلا مالم يقله مالك في الخمر!

المدرسة الشيعية الايرانية مختلفة عن العراقية. فهي تؤمن بولاية الفقيه وان المرجع الاعلى هو نائب الامام المهدي الغائب وان عليه الاشراف على امور الرعية الدنيوية والدينية تمهيدا وتسهيلا لظهور الامام وبالتالي يجب عليه تصدر الساحة السياسية والحكم ولو بالثورة. قادها ولازال اية الله الخميني (1902-1989) الذي عاش منبوذا في النجف لحوالي 15 سنة مبشرا بتلك الافكار الثورية التي لم يتقبلها احد من العراقيين, ربما باستثناء محمد باقر الصدر (1935- 1980) الاب الروحي لحزب الدعوة الحاكم في العراق اليوم والذي قاد تيارا مناهضا منذ البداية لحوزة النجف بكل اطيافها. لكن السلطة العراقية وبعض المجتهدين حينها اعتبروا الخميني عميلا للشاه. وقال المقبور صدام يوما: “الشاه يدزلي خميني.. اني ادزله 10 خميني”. ومع وفاة الخميني استمرت الخمينية في الحكم والافتاء والتشريع في ايران, وهي ظاهرة شيعية عامة يمارسها الكل في استمرار الميت او المقعد بدور المرجع الدنيوي اوالسياسي اوالديني ولا اساس لها من الشريعة او المنطق. لكن المرجعية الدينية الايرانية كفكرة شيعية موحدة والخمينية كتنظيم قابل للاستمرار سقطا مع تعيين الخامنائي (1939- ) مرشدا عاما لايران وهو بدرجة حجة الاسلام فقط وليس اية. فمما لايعرفه الجميع او يتغاضون عنه عمدا ان الخامنائي لايحق له الاجتهاد حتى لنفسه فهو قضى حياته سياسيا ومسجونا ورئيسا للجمهورية لدورتين فما بالك ان يكون مرجعا اعلى للشيعة ليفتي فيهم ويقودهم كسلفه حتى ضمن الفهم الشيعي نفسه!

ومن مظاهر انعدام التوافق بين المجتهدين في النجف هو اختلافهم وتنازعهم الدائم واستحالة اجتماعهم يوما على طاولة او قضية واحدة مهما كانت صغيرة او كبيرة. فهم يكرهون بعضا اكثر مما اكره انا او انت بعضهم. فاي فلس او لقمة بحلق احدهم يعتبرها الاخر مغتصبة وانه احق بها منه لانه “الاعلم”. وظهر مؤخرا العشرات من مدعي المرجعية المزيفين الذين لاينكرهم احد وان كان لايستطيع حرمانهم من قدسية المراجع التي اضفوها على انفسهم وبتواطئ من الجميع. ومن ناحية ثانية لايحترم قادة الشيعة وخاصة من اعضاء التحالف الوطني الحاكم ايا من المراجع ولا حتى المرجع الاعلى نفسه, الا بصيغة النفاق الواضح لمن يعرف اساليبهم الدنيئة في الخطاب. فكل منهم له مرجعه الحزبي الخاص به ان لم يكن يعتبر نفسه شخصيا مجتهدا ومرجعا. بل ان الشارع الشيعي العراقي العام الموالي للاحزاب الدينية والمصوت لها ضرب كل المراجع واهانها, حتى تم وصف بعض المراجع بالحمير والسفهاء وهذا موثق ومعلوم, حينما حاول بعض المراجع كبشير النجفي (1942- ) مثلا التدخل بغير حق في الانتخابات الماضية تحت شعار التغيير وتبني بعض القوائم الانتخابية على حساب اخرى. فكانت الصفعة التي يستحقها ماسمي بالمراجع عندما صوتت الاغلبية منهم لصخيل المالكي عدو المراجع وداعمهم والمتلاعب بهم بنفس الوقت. وبكل الاحوال فان السيستاني رجل مقعد ومصاب بالزهايمر كما يقال ولادخل له شخصيا بخطب الجمعة الثلاث المتناقضة احيانا والتي يطلقها من يدعون انهم وكلائه وتتناقلها الصحف والاعلام كالعامة بغباء او قصد كانها خطاب للمرجعية الشيعية عديمة الوجود.

فماذا عن فتوى الجهاد الكفائي وتشكيل مليشيات الحشد الشعبي التي اطلقت باسم السيستاني؟ اليست هي دليل على وجود مرجعية عاقلة تخطط وتدبر امر الشيعة وتقود حياتهم السياسية وارواحهم الى جنب حياتهم الشرعية المزعومة؟ الجواب هو ان من لايفقه شيئا من دينه يستحق ان يكون مضحكة لهذه الادعاءات. فالجهاد الكفائي لم يطلقه السيستاني ولاغيره, مع ان انتهازيي السياسة العراقية وخاصة من الفاشلين منهم بالحكم هم من ادعوا ذلك. الجهاد الكفائي مفروض على كل مسلم ومسلمة منذ اليوم الاول لبعثة محمد والى اليوم ولم يتوقف يوما. المرجعية او القيادة الدينية لو كانت موجودة او حقيقية لاعلنت الجهاد العيني المشابه للتجنيد الالزامي في المصلح المدني المعاصر, الذي يجبر الجميع بلا استثناء على الانخراط وليس من استهوته الفكرة فقط. فاكثر من مليون مسلح رسمي في العراق بين جندي وشرطي يؤدون الجهاد الكفائي, من منظور ديني, منذ اكثر من 10 سنوات وليس منذ اعلنت الفتوى. والا لماذا نعتبر ضحايا سبايكر مثلا وغيرهم شهداء ان لم يكونوا يؤدون جهادا كفائيا نيابة عن القاعدين منا ببيوتهم او يؤدون جهادا كفائيا بمجال ضروري اخر؟ 

 

بالمختصر ليس هناك اي هيئة دينية عراقية سواء سنية او شيعية يمكن ان يطلق عليها المرجعية. وما مراجعنا العظام الذين يتحدثون عنهم الا بشر مثلي مثلك متصارعون متنافسون طماعون تم افسادهم في عراقنا الجديد وتمريغهم بوحل السياسة والمصالح والخمس والزكاة وعوائد الاضرحة والاوقاف التي سرقت من ورثتها واصحابها ولم ولن يتفقوا يوما على شيء. والسيستاني واحد من رجال دين كثر البسته السياسة العراقية غير ثوبه يستحق الشفقة والعطف وتمني الشفاء العاجل له اكثر مما يستحق من التبجيل نفاقا او الشتم جهلا.